حلقاتك برجالاتك.. سبوع أم عقيقة؟ - نادين السيد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حلقاتك برجالاتك.. سبوع أم عقيقة؟

نشر فى : الجمعة 5 أغسطس 2022 - 7:10 م | آخر تحديث : الجمعة 5 أغسطس 2022 - 7:10 م

تعلمتُ أصول اللغة العربية والإعراب والنحو والأدب العربى القديم، وطوال سنوات دراستى للغة العربية، والتى استمرت ١٣ عاما، لم يقل لى أحدٌ أبدا أننى ينبغى علىَّ تعطيش حرف «الجيم». ولكن فجأة أصبحت «الجيم» معطشة، واستبدلت «البقية فى حياتك» بـ«البقاء لله»، وتحول «السبوع» الذى يرجع أصله إلى القدماء المصريين إلى «العقيقة».

لا يعنى ذلك أبدا أننا كمجتمع أصبحنا أكثر تدينا أو علما بأمور ديننا ولغتنا؛ فقبل تعطيش حرف الـ«ج» وتبنى جملة الـ«بقاء لله»، كان مجتمعنا مصدرا لفطاحل اللغة العربية وجهابذة الفقه والتشريع. ولا يعنى أيضا أن نطقنا لحرف «الجيم» بدون تعطيش ــ كقول «جمل» وليس «چمل» ــ عُدَّ ضعفا لغويا، أو أن «السبوع» عادة وثنية تحولت لعادة إسلامية عندما أسميناها «عقيقة»، وابتعدنا معها عن العادات المصرية للاحتفال بالمولود. ولكن يعنى ذلك تأثرنا بعادات ولهجة وعلماء شبه الجزيرة العربية فى الثلاثة عقود الماضية، تماما مثلما تأثرنا بالغرب، ولكن مع فارق الاعتقاد بأن كل ما هو سعودى يرتبط أكثر بالإسلام أو يصبح أكثر تدينا من كل ما هو مصرى.

لهجتنا المصرية، سواء من نطق الكلمات أو الحروف أو تعبيرات، تأثرت بطبيعة الحال بعض الشىء بمجتمعات أخرى، مثل المجتمعات الغربية التى احتلت مصر عبر السنين، واستمر تأثيرها من خلال إعلامهم وأفلامهم، أو المجتمعات الخليجية، خاصة بعد الانفتاح الاقتصادى وهجرة الكثير من المصريين إلى السعودية والكويت والعراق فى أواخر عقد الثمانينيات.. اتفق الكثير من علماء اللغة العربية، ومن ضمنهم سيبويه، على أن هناك عدة طرق لنطق حرف «الجيم»، وهو الأمر الذى يختلف من منطقة لأخرى. وحتى إن نطقها داخل مصر يختلف من منطقة لأخرى؛ فهناك «الجيم» القاهرية التى تختلف فى نطقها عن الطريقة الصعيدية والريفية. واتفق الكثيرون على أن طريقة نطق «الجيم» دون تعطيش، أو الجيم القاهرية، هى أصل اللغة والأصل فى اللغات السامية، ولذلك فهى صحيحة وليست مستحدثة ولا عوار بها مطلقا. ولذا فتعطيش «الجيم» ليس له علاقة بقوة اللغة العربية أو بكون حرف «الجيم» القاهرية بدعة، ولكن يرتبط بالتأثر بشبه الجزيرة العربية ولهجتها.

اعتاد المصريون لعقود كثيرة على جمل معينة فى المواساة ولم يكونوا أقل تدينا أو علما بالشرع حينذاك، ولكن أصبحت التعبيرات المستخدمة فجأة حراما وغير مستحبة، واختفت تدريجيا من الحديث اليومى واستبدلت بعبارات أخرى اعتبرَهَا البعض أصح شرعا، وهو ما نتج عن الخلط بين ما هو شرعا إسلاميا وما هو عادات وثقافات البلد. فاستُبدلت مثلا «البقية فى حياتك» بـ«البقاء لله»؛ وذلك لزعم البعض ممن ليسوا على دراية كافية بالثقافة المصرية ومعانى التعبيرات المنتشرة بأن «البقية فى حياتك» حرام شرعا، على الرغم مما صرح به العديد من علماء الشرع المصريين مثل الدكتور «عمرو الوردانى»، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، بأنه لا حرج على الإطلاق من قول «البقية فى حياتك»، لا سيما وأنها تحمل معانى جميلة تعكس التمسك بالحياة واستمراريتها بعد موت الأحباء، واستمرار الأعمال الخيرة فى حياة أهل المتوفى. وكون تلك العبارة غير متداولة أو غير مفهومة فى بلاد مهد الإسلام، فلا يعنى ذلك أنها حرام، ولا يعنى أيضا أنه واجبٌ علينا تبنى عبارات أو عادات من ثقافات أخرى ظنا أن ذلك أفضل وأكثر إرضاء لله.

وعلى نفس المنوال، استبدلنا فجأة «السبوع» بـ«العقيقة»، وكلاهما احتفالات بالمولود الجديد بعد أسبوع من ولادته؛ حيث يجتمع الأهل والأصحاب للمباركة ومشاركة الأب والأم تلك المناسبة السعيدة مع توزيع الهدايا وتقديم الطعام، والفرق الوحيد أن «السبوع» عادة مصرية نحتفل بها منذ أيام الفراعنة و«العقيقة» عادة جاهلية تطورت مع دخول الإسلام. وعادة ما كان يقدم المصريون المقتدرون الأموال أو الذبائح احتفالا بالمولود الجديد، تماما مثلما يحدث فى دول الخليج العربى، إلى جانب عادات وتقاليد مصرية أخرى مثل غناء «حلقاتك، برجلاتك..»، أو قول «اسمع كلام أمك..»، بالإضافة إلى الشموع والمغات والغربال وما إلى ذلك من مراسم احتفال بالمولود الجديد والتى تُضفى روح البهجة على الطريقة المصرية الأصيلة. وكل مجتمع عنده مراسم للاحتفال الخاصة به والتى تميزه وتجعل ثقافته غنية ودسمة. وذلك لا يعنى أن مراسم الاحتفال فى البلد الذى أنزل فيه القرآن أفضل، فالهدف واحد والنتيجة واحدة: الاحتفال بمولود جديد، وحمد الله على نعمته، وتقديم الدعم الاجتماعى عند المقدرة. ولكن فجأة انتشرت «العقيقة»، سواء أُقيمت مثل «السبوع» مع تغيير المسمى، أو تغيير المراسم بالكامل لتقليد مراسم «العقيقة» عند دول الخليج.

بقدر ما تبدو تلك الأشياء بسيطة وغير مهمة، إلا أن الحفاظ على ثقافة البلد، من حيث اللغة والتعبيرات والعادات والمناسبات، يرسخ الهوية فينا وفى الأجيال القادمة، حتى لا نستيقظ يوما لنجد أن ثقافتنا وهويتنا تلاشت وحلت محلها تقاليد الغرب الذى نرى فيه التحضر، أو تقاليد الخليج الذى نرى فيه التدين، ويندثر فى الأخير عادات وتقاليد مهد الحضارات كلها.

نادين السيد أستاذ مساعد بقسم الإعلام في الجامعة الأمريكية
التعليقات