مأزق القلاع الاستيطانية - يوسف الحسن - بوابة الشروق
الجمعة 15 نوفمبر 2024 1:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مأزق القلاع الاستيطانية

نشر فى : الخميس 6 أبريل 2023 - 8:40 م | آخر تحديث : الخميس 6 أبريل 2023 - 8:40 م
ثمة صدوع فى مجتمع إسرائيل، بوصفه مجتمعا استيطانيا يعيش فى أزمات مركبة، صدوع ثقافية وعرقية وأيديولوجية، فضلا عن أزمة بنيوية فى النظام السياسى؛ حيث يتسم النظام الحزبى بالانشقاقات الدائمة، على وقع تناقضات دينية وإثنية، وثقافة سياسية سائدة، ولعلها ثقافة ثابتة منذ أكثر من سبعة عقود، قائمة على زرع الإحساس بالخطر فى أعماق الإسرائيلى، واعتبار أن «استيطانية» الدولة، وتوظيفها للديباجات الدينية، هو القانون الذى يحكم مكوناتها ومساراتها وسياساتها.

إن فرضية أن إسرائيل دولة ديمقراطية، هى فرضية مبنية على أساس أن هناك انتخابات وأحزابا وحريات فردية وفصل سلطات، لكن هذه الفرضية تواجه امتحانا عسيرا فى دولة غير مُعرفة جغرافيا وديموغرافيا، ولا تملك دستورا، وتعيش تناقضا يتمثل فى ظاهرتين، الأولى: تقدم متسارع فى مجالات العلوم والتكنولوجيا والقوة الصلبة، والثانية: تخلف متسارع على مستوى الفكر والتطرف الدينى والسياسى، والاضطراب الداخلى، وغطرسة القوة المفرطة وسياسات التمييز والعنصرية.

يتوجه «العلمانيون» فى هذا المجتمع إلى الوحدات التكنولوجية، بينما يتوجه «المتدينون»، وبخاصة تيارات (الصهيونية الدينية) إلى القوة الأساسية فى الجيش الإسرائيلى، وإلى «حرس وطنى» أو «ميليشيا مسلحة»، كرديف للجيش وللشرطة.

لا أحد يستهين، بما جرى ويجرى فى إسرائيل خلال الشهور الماضية، من احتجاجات وتظاهرات عنيفة فى شوارع عشرات من المدن والمواقع، وبأعداد هائلة تقدر بمئات الآلاف من المحتجين، جدل عنيف جديد، وهذه المرّة يتم بقوة الشارع وفى خنادق تيارات متقابلة.

طوال العقد الأخير، الذى شهد حكم نتنياهو وائتلافاته اليمينية، فى ثلاث حكومات، عاش المجتمع الإسرائيلى ما يسمى «أزمة بنية المجتمع الاستيطانى»، وهى أزمة مركبة تتجاوز مسألة نتنياهو واختزالها بشخصيته، ورغم أنه «غربى الثقافة وعلمانى»، فإن القوى الدينية المتطرفة والنخب الشرقية يريان فيه أنه «حامى إسرائيل»، فى وقت يراه فيه الليبراليون والعلمانيون أنه مستعد لبيع الدولة إلى (الصهيونية الدينية) ومشتقاتها وزعاماتها من أمثال بن غفير، وسموتريتش من أجل البقاء فى الحكم.

من الطبيعى أن يقلق كثيرون من حلفاء وشركاء وداعمين للدولة الإسرائيلية، من جرّاء انفجار هذه الأزمة، وتأثيراتها على مستقبل إسرائيل وأمنها و(تفوقها) على جيرانها.

مثلما هو طبيعى أيضا أن لا يبتئس كثيرون فى عالمنا العربى، مما يجرى من صراعات داخل هذا المجتمع الاستيطانى، وأحسب أن المرحلة القادمة ستشهد المزيد من الاستقطابات فى الشارع الإسرائيلى، وتصعيدا فى شراسة العنف ضد الفلسطينيين، لاكتساب المزيد من الشرعية الداخلية.

أتساءل، وأنا أشاهد حركة الاحتجاجات وارتفاع وتيرتها، وأتخيل حضور «المراوغة» والحلول الميكيافيلية، فى مراحلها القادمة: هل هى دولة ديمقراطية حقا؟ أم أنها دولة لبعض سكانها اليهود؟ وهل يمكن للديمقراطية أن تبرر لنفسها استمرار استعمارها وهيمنتها على شعب آخر، وعلى مقدراته وحقه فى تقرير مصيره، ونفى وجوده المادى والثقافى؟ وهل يمكن للعلمانى أو اليسارى، أن يتخلى عن تبنيِّ ميثولوجيات دينية (مثل: أرض الميعاد، هيكل سليمان، يهودية الدولة، القدس تراث يهودى تاريخى.. إلخ)، أو أن يستمر فى تجاهل حقيقة ديمقراطية مؤداها أن «المحافظة على يهودية الدولة، هو تناقض مع الديمقراطية؟».

العلمانى واليسارى وما شابههما من أبناء وأحفاد من زواج مختلط، وممن حصلوا على جنسية إسرائيلية، لكنهم لم يسجلوا كيهود، وجماعات أخرى هربت من «اضطهاد» غربى أو من «قمع» دول ونظم فى أوروبا الشرقية فى أزمنة مضت، ومهاجرون من مختلف دول العالم، أعراق وهويات مختلفة، وفى ظل نظام يعيش «عقلية الحصار» والأسوار والأسلاك الشائكة، وثقافة الاستيطان والإحلال والاحتلال واللايقين والأساطير الأيديولوجية.

والسؤال هنا: هل هناك فارق كبير بين هذين المعسكرين، اللذين يُغيّبان قضية الاحتلال والتوسع الاستيطانى والتمييز القومى، وتحضر فيهما دكتاتورية الوحشية العسكرية، التى تستخف بالقانون الدولى، وبقرارات المؤسسات الدولية وبمبادرات سلمية، ويصرّان على ضم الأراضى المحتلة بالقوة، ويؤمنان بأن «السماء لن تقع»، عندما يكتمل الضم، وأن فرض عقوبات دولية على إسرائيل لم يكن قط احتمالا قائما جرّاء أحداث فى الماضى.

إن ما قاله وزير المالية سموتريتش: «إن العرب أوجدوا هوية فلسطينية»، هو تكرار لما قاله زعماء إسرائيليون، فى عقود مبكرة، من أمثال جولدا مائير «أن الشعب الفلسطينى لم يكن موجودا»، وسبق أن قال وكتب نتنياهو أكثر من ذلك وأسوأ، ومما جاء فى كتابه المنشور فى عام 1995 بعنوان «مكان تحت الشمس»، (صفحة 186): «أن العرب هم من خلقوا بالأكاذيب شعبا فى الضفة والقطاع، نحن لم نسلب أرضهم، وإنما العرب هم الذين سلبوا أرض اليهود».

وقال نتنياهو لصحيفة إسرائيلية فى 3 إبريل 2019: «ليس هناك شعبان؛ بل يوجد شعب يهودى، وسكان عرب؛ لذلك لا يجوز إقامة دولة لأمة متخيلة».

أما يائير لبيد، فقد ذكر فى مؤتمر هرتسيليا السنوى عام 2014: «لا نريد حفلة زواج مع الفلسطينيين؛ بل عقد طلاق.. وإذا لم ننفصل عنهم، فسوف نفقد الهُوية اليهودية».

ويبدو أن هذه التيارات العلمانية والدينية على حد سواء، تحمل نظرة متقاربة تجاه العرب (القادمون من الصحراء، الذين لا يحترمون أى قانون، ولا يقبلون التوصل إلى أى تسوية أو اتفاق) حسب اعتقاداتهم، لكن الخطورة الأكبر تكمن فى رؤى قوى يمينية وأصولية دينية منتشرة فى عدد من المجتمعات، وبخاصة فى أمريكا، ترى فى حتمية «معركة هرمجدون»، و«تقريب الخلاص والحرب الأخيرة»، ولها مقدماتها وشروطها، وتردد بعض مصادرها أن «تفكيك البنية القانونية العلمانية لإسرائيل»، هى من علاماتها، فضلا عن شروط أخرى أكثر خطورة ولها تداعيات غير محسوبة.
• • •

أسطورة تاريخية، تحدث عنها المفكر الكبير والأكاديمى نصر عارف فى مقال له نشرته (العين الإخبارية) قبل أيام، وهى أسطورة «لعنة العقد الثامن» التى تخشاها القوى العلمانية.
حسنا، هذا هو مأزق القلاع العنصرية والاستيطانية فى التاريخ.
يوسف الحسن  مفكر عربي من الإمارات
التعليقات