شرعيّة تكتسب بالكد والعمل وحب الوطن - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شرعيّة تكتسب بالكد والعمل وحب الوطن

نشر فى : الثلاثاء 6 مايو 2014 - 6:55 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 6 مايو 2014 - 6:55 ص

بعد حالة «شبه موت السياسة والسياسيين» فى تونس دبت الحياة من جديد فى المشهد السياسى بفضل ما وفّرته الثورة من مساحات للتحرّر. وهكذا عاينّا على امتداد سنوات الانتقال الديمقراطى، وجوها قديمة وأخرى جديدة أطلقت العنان لذواتها: الكلّ يتنافس من أجل الاستحواذ على الفرصة، والسلطة، والشهرة، والهيمنة على الجماهير. بيد أن التجربة أثبتت أن الفاعلين السياسيين ما كانوا على قدر آمال شعب رفع شعار «الإرادة»: إرادة تغيير النظام، والعقلية السائدة، وطريقة الأداء، ووضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

تتالت الهزائم وتراكمت تجارب الفشل وكثر اللغو «الشعاراتى» وبرزت الفجوة الإدراكية والنفسية و«الخطابية» وظهرت الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وترتب عن سوء إدارة المرحلة الانتقالية استشراء مشاعر الإحباط والخوف من المجهول لاسيما بعد بروز العمليات الإرهابية.

•••

ما آل إليه الوضع اليوم: نتائج يعتبرها البعض «كارثية» جعلت حكومة مهدى جمعة تحاول بكل الوسائل مواجهة التحديات معتمدة فى ذلك على استراتيجيات مختلفة لعلّ أهمّها التحكّم فى طريقة ظهور الوزراء نأيا بهم عن السقوط فى فخ «إعلام الإثارة»، وتطوير أداء المسئولين فى الحكومة، والسعى إلى «مصارحة» الشعب بصعوبة تخطى هذه المرحلة على مستوى التشغيل، والاقتصاد، والانتقال من سياسة قطع الوعود إلى مطالبة الجميع بتحمل المسئولية والتكيّف مع الواقع الجديد فضلا على الدعوة إلى مزيد من الانضباط فى المؤسسات، ومقاومة ظاهرة التسيّب واللامبالاة والفوضى، وبثّ روح المسئولية وتوعية الجميع بقيمة العمل الجاد للنهوض بالوطن.

•••

لابدّ أن نقرّ بأنّ هذه الحكومة تملك «رؤية» فى إدارة ما تبقّى من المرحلة الانتقالية بالرغم من «فقر ذات اليد» وتعقّد الوضع وثقل «تركة ومخلفات حكومات «الترويكا» ولكن ثمّة مقوّمات لابدّ أن تتوفّر حتى تحقّق حكومة مهدى جمعة بعضا من أهدافها نلخّص بعضها فى:

• المكاشفة: تبدو هذه الحكومة حريصة على أن تتجنب على قدر الإمكان «الضوضاء» و«الضجيج». ولكن نقدّر أنّها تفتقر إلى الجرأة فى التعامل مع الملفات السابقة إذ لم نلمس إلى حدّ الآن بروز الإرادة السياسية الواضحة فى تغيير العلاقة بين السياسى والمواطن/ة. يظلّ الفاعلون السياسيون يتعاملون مع الشعب وكأنّه لم يبلغ بعد الرشد وكأنّه ليس من حقّ التونسيين أن يعلموا كيف سيّر وزراء الترويكا المرحلة السابقة التى أفضت بالبلاد إلى هذا المأزق. فهل قدرنا أن تمارس الحكومة الجديدة سياسة إسدال الحجاب على ما مضى والتستر على العيوب والأخطاء؟ وهل يستقيم القطع مع الحكومات السابقة دون المكاشفة والمساءلة والمحاسبة؟ وبين الستر و«التطهير» والكشف مسافة.

• توضيح الفرق بين الحقوق اللاحقوق: نتبيّن أنّ هذه الحكومة «خجولة» لا تريد تسمية الأشياء بمسمياتها تحاول أن تكون «دبلوماسية»، مراعية المشاعر والسياق ومختلف «الحساسيات». ولئن تفهّمنا، أنّ مسار ما بعد الثورة، فرض اللجوء إلى تقديم التنازلات، وتجنّب ردود فعل المهمّشين وغيرهم من رافعى المطالب المتفاوتة فإنّ الوقت حان لنواجه حالة «الانفلات» على مستوى المفاهيم. فقد فهمت شرائح كبيرة من التونسيين، (بسبب الوعود التى قطعت أثناء الحملات الانتخابية،) أنّ من حقّها أن تحسّن ظروف عيشها «الآن الآن وليس غدا»، رامية بكلّ المعايير ظهر الحائط كالكفاءة والحرفيّة والمهارة ومعايير النجاعة والخبرة وغيرها بل إنّ عددا من التونسيين عنّ لهم التطاول على القوانين وفرض تصوراتهم بالقوّة. ولم يتوقّف الأمر عند قطاعات التشغيل بل أضحت المؤسسات الجامعية رهينة أصوات طلابية ترى أنّ النجاح «استحقاق» يفتكّ دون أدنى مجهود. إنّ هذه الحالة من الاستخفاف بشروط الانتداب، ومعايير النجاح فى المناظرات، وغيرها من آليات تحقيق الشفافية والحوكمة، وهذه الطريقة الشعبوية فى إدارة «المطلبية» بدعوى أنّ من حق التونسيين أن يحققوا طموحاتهم، تفرض اليوم توعية الناس بما يعدّ حقوقا وما يعتبر فى عداد اللاحقوق Faux droits، وما الحقوق الممكنة الآن وما هى الحقوق المؤجلة لأن السياق لا يسمح اليوم باكتسابها.

•••

هُدر وقت فى الجدل حول الشرعيّة: شرعيّة الصناديق والأغلبية وصولا إلى الشرعيّة التوافقية ولكن ما يقتضيه السياق التاريخى الذى تمرّ به البلاد هو ترسيخ مفهوم شرعيّة الكدّ والعمل من أجل بناء الوطن بدل التواكل واللامبالاة والانتهازية.

التعليقات