اعترافات من الميدان - سلمى حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اعترافات من الميدان

نشر فى : السبت 6 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 6 يوليه 2013 - 8:00 ص

انتخبت مرشحا إسلاميا فى الجولتين الرئاسيتين.. وتهللت فرحا حينما انتصر الحق وأعلن مرسى رئيسا للبلاد، لأننا كصحفيين كنا نحسب الأصوات بشكل مستقل، وكنا نعلم أن أكثرية الأصوات ذهبت إليه. تأخر إعلان النتيجة بدعوى فحص الطعون، خمسة أيام لم أنم فيها. كنت كغيرى من منتخبى مرسى من كل الأطياف، نخشى بعد أن تأخر إعلان النتيجة أن يتم إلغاء أصوات بسبب الطعن عليها. وجاء يوم القسم.

 

كملايين المصريين شعرت بالفخر بانتخابه عندما فتح صدره فى ميدان التحرير، وعندما أزاح المجلس العسكرى (رغم ملاحظتى أن ذلك تم بدفعة من الأمريكان). وبعدها بدأ مرسى فى مسار خاطئ واستمر تناقص رصيده عندى.

 

●●●

 

١ـ رضى مرسى بعقد تفاهمات مع  كبار رموز نظام مبارك من الأجهزة الأمنية ورجال الأعمال وارتضى صفقة خادعة ألا ضرر ولا ضرار، كان هو فى نهاية الأمر أول ضحاياها. وكان الأجدى أن يشرع فى إجراءات عدالة انتقالية تودى بالقتلة والسارقين إلى السجون أو إلى الاعتراف بالجرائم مقابل الاحتفاظ بالاستثمارات داخل البلاد وبشروط الشفافية وعدم تعارض المصالح.

 

٢- ارتضى مرسى طريق التبعية للنظام العالمى بتوسيعه دائرة الكويز والجرى وراء رضاء الصندوق والبنك واقترض من الخارج أكثر من أى نظام مضى، بلا خطة وبما يهدد امن البلاد والعباد.

 

٣- تجاهل خلق الوظائف وتحسين الصحة والتعليم، الطريق الوحيد لاقتصاد العدالة الاجتماعية.

 

٤- ما خير بين أمرين أحدهما الإقصاء للحلفاء (بمعنى ثورة أم لا ثورة) إلا واختار الإقصاء مرة بعد مرة بعد مرة وتبنى التخوين والتشهير والحبس للناشطين الثوريين ولم يدافع حتى عن سحل أو من مات تحت التعذيب فى حكمه، بل شكر الشرطة باسما مؤيدا.

 

●●●

 

وهكذا حين نادى المنادى إلى التمرد، (رغم أنى رأيت فيه يد المساعدة من أجهزة مبارك النائمة) لم أرها إزاحة له، بل رأيتها بوقا للتنبيه لتصحيح المسار. قد يخطئ الرئيس لكنه سينتهز الفرصة ليصوب أخطاءه. ولكن هالنى خطاب مرسى وجماعته من الإصرار على الغى.  فهو لم يتخذها فرصة للتخلص من بعض هذه الرءوس التى تقوض حكمه والثورة لكنه اختار أن يستعطفها ويستجديها أن تبقى ويبقى هو أيضا (أى الإبقاء على نفس التحالف غير الشريف الذى دخل فيه إبان انتخابه من الشعب). ورأيت فى ذلك تأكيدا على خيانته للأمانة. ورغم ذلك، فى ٢٩ يونيو، احتدم صراعى الداخلى، هل أنزل؟

 

هل أتكاتف مع أجهزة ورجال أعمال فسدة لخلع رئيس منتخب؟ وكان القرار أنى أنزل مع الشعب المصرى لا أهتف لعودة مبارك ولكن أهتف ضد من خاننى وخان شعبه، مبارك وعسكر وإخوان. وهالنى ما رأيته فى اليوم المشهود.

 

●●●

 

٣٠ يونيو، الآلاف تنزل من بيوتها لتنضم إلى المئات من المتظاهرين. لا تهتف الحشود المكدسة تحت الشمس ولا المطلة عليها من النوافذ لا لنصرة عز أو صفوت الشريف أو الشرطة أو حتى السيسى. ولكن وللأسباب ذاتها التى نزلت من أجلها. أعمال مرسى السوداء.. معظمهم انتخبه ضد شفيق. رجعت يومها وكلى أمل فى غد لن يصنعه الفلول ولن تصنعه أجهزة مبارك القمعية.. بل للمرة الثانية، ويا للروعة سيصنع الشعب هذا الغد. هذا ما يغير حقا المعادلة.. قدرة الجماعة الوطنية الواسعة على التمييز والفرز المستمرين.

 

كان ميدان التحرير يعج بتلك الملايين على قلب واحد هو رحيل مبارك وفى وسط الحشد كان بعض رجالات نظام مبارك يعلون نفس النداء (وإن لأسبابهم فى استبعاد وجه تلوث بآخر نظيف لإعادة انتاج نفس النظام الفاسد المستغل).. عن ٢٥ يناير أتحدث. ورأيت نفس المشهد يتكرر فى ٣٠ يونيو. الملايين هم الدماء التى سرت فى الشرايين. والدماء تحمل بعض الميكروبات والكثير الكثير من الأجسام المضادة. وتبقى الصورة التى نراها اليوم قريبة من ذلك التشبيه، وتثير أسئلة صعبة.

 

●●●

 

فى قلب هذه الدماء المتدفقة فى الشرايين، هل تنتصر الميكروبات أم يقوى البدن على المقاومة؟ وكيف يقاوم؟ هل تكون المقاومة ذاتية أم ببعض المقويات؟ وأى نوع من المقويات؟.. هكذا هى ثورتنا الشعبية ذات الزخم المتجدد، تصعب علينا دوما الإجابات والاختيارات من بين خمسمائة درجة من اللون الرمادى. ولكنى فى كل الأحوال، أقسم على ما يلي:

 

لو تكرر الاختيار بين مرسى وشفيق لاخترت مرسى ألف مرة، فلا عودة للوراء.

 

لو كان أى من المرشحين الرئاسيين الآخر قد فاز مكان مرسى وعقد نفس الصفقات مع نفس النخب (وهو ما اعتقد أنه كان سيحدث مع معظمهم) فاستبعد شعبه ولم يستقو به ضد بقايا نظام يحتضر، لنزلت ضده. فنحن انتخبنا مرشح ثورة، لا مرشح قمع وفساد، كى نستطيع أن نحاسبه شعبيا ومؤسساتيا، أيا من كان. فخطيئة مرسى الأولى أنه ظن أنه مدين لتلك البقايا لقبولهم بنتيجة الانتخابات وأنه لا غنى عنهم لدخول دهاليز مؤسسات الدولة. وفى هذا دروس للقادم إن رأى أنه جاء بفضل الجيش وهؤلاء، لا بفضل الشعب.

 

 

 

صحفية مصرية

سلمى حسين صحفية وباحثة متخصصة في الاقتصاد والسياسات العامة. قامت بالمشاركة في ترجمة كتاب رأس المال في القرن الواحد والعشرين، لتوماس بيكيتي. صدر لها في ٢٠١٤ كتاب «دليل كل صحفي: كيف تجد ما يهمك في الموازنة العامة؟».
التعليقات