هل أصبحت السعودية عبئًا على واشنطن - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل أصبحت السعودية عبئًا على واشنطن

نشر فى : الخميس 7 يناير 2016 - 10:35 م | آخر تحديث : الجمعة 8 يناير 2016 - 9:27 م
بعد تأسيس السعودية عام 1932، ظهرت أهميتها الكبيرة لواشنطن، فتم التأسيس لعلاقات خاصة مع واشنطن منذ فبراير 1945 حين اجتمع ملكها حينذاك عبدالعزيز مع الرئيس الأمريكى روزفلت على ظهر المدمرة كوينسى أثناء مرورها بقناة السويس. وتم فى اللقاء إرساء قواعد خاصة بالعلاقات بين الدولتين، تقوم على تأمين المصالح النفطية لأمريكا فى السعودية مقابل علاقة تحالف تضمن واشنطن من خلالها أمن العائلة الحاكمة السعودية من أى مخاطر إقليمية. ورغم التناقضات الفكرية والقيمية والسياسية بين الدولتين، استطاعت واشنطن والرياض استغلال لغة المصالح للحفاظ على خصوصية العلاقات بينهما.

قامت العلاقات الخاصة متكئة على ما يمكن أن نطلق عليه عقدا اجتماعيا بين الرياض وواشنطن، بمقتضاه اتبعت الرياض سياسة خارجية محافظة لا تخرج عن النص الأمريكى. إلا أن ما نشهده اليوم من سياسات خارجية سعودية تراها أغلبية خبراء واشنطن متهورة، وتراها أقلية منهم مستقلةً ــ أصبح يمثل عامل اهتزاز حقيقيا لثوابت العلاقات بين الدولتين، وهو ما دعا البعض ليطالب بالتخلص مما يرونه عبئا سعوديا على واشنطن. نعم شهدت العلاقات من قبل أزمات وجودية كأحداث 11 سبتمبر 2001، التى شارك فيها 15 شابا سعوديا، إلا أن البيئة الإقليمية والدولية الحالية تتغير بصورة دراماتيكية لم تقدر معها الشراكة السعودية الأمريكية على امتصاص حجم الخلافات وتناقضات الرؤى والمصالح والأهداف.
يضاف لهذه التعقيدات تطورات مثيرة تطرق باب صناعة وتصدير وتسعير النفط ومصادر الطاقة الأخرى. وعلى الرغم من أن النفط لايزال يمثل أهمية كبيرة فى علاقات الدولتين، فإن تقارير وكالة الطاقة الدولية ترى أن الولايات المتحدة تخطت السعودية وروسيا لتصبح أكبر منتج للنفط فى العالم العام الماضى، وهو ما يثير التساؤل حول استغناء واشنطن عن النفط السعودى. وللمرة الأولى منذ 1975 غادرت الأسبوع الماضى شاحنة نفط أمريكية ميناء بولاية تكساس قاصدة أحد الموانئ الإيطالية، فى أول عملية تصدير نفط أمريكى منذ أربعة عقود، وهو ما دفع بعض أعضاء الكونجرس للتعبير عن أن تلك الخطوة تمنح واشنطن حرية أكبر تجاه حلفائها النفطيين، وعلى رأسهم السعودية.
من ناحية أخرى تتغير نبرة الجمهوريين تجاه السعودية، وذكر المرشح الجمهورى الأهم دونالد ترامب أن «السعودية هى إحدى أكثر الدول ثراء فى العالم، ولذلك ينبغى عليها أن تدفع المال للولايات المتحدة مقابل ما تحصل عليه منها من دعم سياسى وأمنى»، وأضاف: «إننا لم نعد بحاجة كبيرة لنفطهم، وإذا ما تغير نظام الحكم بالولايات المتحدة، فإننا لا نحتاج إلى نفطهم على الإطلاق». وأكد ترامب أن السعودية سوف تواجه تحديات كبيرة وتهديدات قوية خلال المرحلة المقبلة، بسبب تنظيم «داعش»، وكذلك الأوضاع التى تشهدها اليمن، وبالتالى سوف يجدون أنفسهم بحاجة إلى الولايات المتحدة، موضحا أنه «لولا واشنطن ما وجدت المملكة وما كان لها أن تبقى».
***
رفضت السعودية علنا توقيع الاتفاق النووى بين الدول الكبرى بقيادة أمريكية مع إيران، ورأت أن الاتفاق يدشن لانفتاح أمريكى، وتقارب لا تخطئه العين بين واشنطن وطهران، وهو ما اعتُبر بمثابة خذلان أمريكى لأبرز حلفائها بعد إسرائيل. من ناحيته، قال أوباما: «إن أكبر خطر يتهدد دول الخليج ليس التعرّض لهجوم من إيران، وإنما السخط داخل بلادهم، بما فى ذلك سخط الشبان الغاضبين والعاطلين والإحساس بعدم وجود مخرج سياسى لمظالمهم». وفى مقابلة له مع توماس فريدمان من صحيفة نيويورك تايمز، أضاف أوباما أنه مع تقديم الدعم العسكرى ينبغى على واشنطن أن تتساءل كيف يمكن تعزيز الحياة السياسية فى هذه البلاد حتى يشعر الشبّان بأن لديهم شيئا آخر يختارونه غير تنظيم داعش! ويرتبط بما ذكره أوباما سياسات تقشفية صارمة بدأتها الحكومة السعودية تجاه دعمها التقليدى لأسعار المياه والبنزين، كذلك يتوقع أن يشهد عجز الموازنة السعودية بما يتخطى 100 مليار دولار عام 2016.
ولم يقتصر شرخ العلاقات حول الملف الإيرانى، بل تمدد وشمل سوريا أيضا، خاصة مع ما تراه واشنطن احتكارا سعوديا فى تحديد هوية المعارضة الشرعية، وتحديد حصص الفرقاء السوريين فى أى ترتيبات مستقبلية، ناهيك عن غضب الرياض من محدودية التدخل الأمريكى العسكرى فى الأزمة السورية. ثم كانت معضلة اليمن، والتى لم تخف فيها واشنطن انزعاجها مما آلت إليه وتيرة سير المعارك خاصة مع ارتفاع أرقام الضحايا المدنيين الأبرياء وصعوبة الحسم العسكرى. ويحث الأمريكيون السعوديين على تحديد إطار أضيق لعمليتهم العسكرية ضد الحوثيين، بدلا من الهدف الذى أعلنته الرياض وهو هزيمة المتمردين الحوثيين وعودة الرئيس اليمنى عبدربه منصور هادى إلى صنعاء، إلا أن الرياض لا تستمع.
***
استشرف عدد من الخبراء الأمريكيين ملامح علاقات بلادهم بالشرق الأوسط عام 2016، وذكر بعض هؤلاء الخبراء أنه بنهاية العام ستشهد العلاقات مع «الغريم الإيرانى» تحسنا كبيرا، فى حين ستشهد العلاقات الأمريكية مع «الحليف السعودى» تراجعا لافتا. وجاءت أحداث الأيام الأخيرة الساخنة على إثر تنفيذ الرياض حكم الإعدام بحق الشيخ نمر النمر، وما تبعه من اعتداءات على السفارة السعودية بطهران، وقطع الرياض لعلاقاتها الدبلوماسية والتجارية والملاحية مع طهران، لتؤكد للكثيرين فى واشنطن أن العلاقات الخاصة مع السعودية أصبحت شديدة التكلفة.
ولم تدعم واشنطن الحليف السعودى، بل انتقدت الخارجية الأمريكية قرار الإعدام الذى رأته «يؤجج التوترات الطائفية»، وتعتقد إدارة أوباما أن تأزم العلاقات السعودية الإيرانية سيؤثر سلبا على الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» فى سوريا والعراق، وعلى الجهود الدبلوماسية لإيجاد حل ينهى الحرب الأهلية فى سوريا. كذلك نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسئول أمريكى رفيع قوله: «إنهم يلعبون لعبة خطرة»، فى إشارة إلى الساسة فى السعودية»، وأضاف: «هناك تداعيات أكبر من مجرد ردود فعل على هذه الإعدامات».
وللولايات المتحدة وجود عسكرى ومصالح مهمة فى السعودية، من هنا لا يتوقع أحد انهيار العلاقة الخاصة بين ساكن البيت الأبيض مع من يشغل رأس الأسرة الحاكمة فى الرياض فجأة أو فى القريب العاجل، إلا أنه من المؤكد أن المصالح المشتركة التى جمعت واشنطن بالرياض على مدى أكثر من نصف قرن كأحد أركان السياسة الأمريكية فى المنطقة تخضع اليوم لاختبار قد لا يقدر النظام السعودى على اجتيازه.
محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات