الوجه الآخر للتهجير القسري! - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 4:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الوجه الآخر للتهجير القسري!

نشر فى : الأحد 7 يناير 2024 - 6:55 م | آخر تحديث : الأحد 7 يناير 2024 - 6:55 م
يوم بعد آخر تتصاعد دعوات التهجير القسرى فى الخطاب الإسرائيلى رغم الإدانات والتحذيرات الدولية المتواترة.
إذا ما تصورنا أن الخطر قد زال ببيان للخارجية الأمريكية يقول: إن غزة لأهلها وسوف تظل كذلك فإننا نخدع أنفسنا قبل الآخرين.
المشروع ماثل بالإلحاح عليه والإجراءات العملية، التى تجعل الحياة شبه مستحيلة فى غزة.
«النتائج العملية هى الأهم بالنسبة للإسرائيليين».
كانت تلك عبارة كاشفة تضمنتها وثيقة بريطانية أزاحت عنها الستار مؤخرا الـ«بى. بى. سى» منسوبة إلى «إرنست بارنز» السفير الأسبق فى تل أبيب عام (1971).
وفق الوثيقة نفسها سأل دبلوماسى بريطانى «شيمون بيريز»: «هل العريش تعتبر الآن امتدادا لقطاع غزة؟».. أجابه: «إن استخدام المساكن الخالية أمر عملى تماما!»..
الكلام نفسه بألفاظه ومنطقه ومراميه يتكرر الآن.
لم يطرح مشروع التهجير القسرى من غزة إلى سيناء فجأة، فهو من طبيعة نشأة الدولة العبرية، التى أعرب مؤسسها «ديفيد بن جوريون» عن ندمه لعدم إخلاء القطاع من سكانه العرب فى أجواء نكبة (1948).
كانت تلك شهادة لافتة لعالم اللغويات الأمريكى اليسارى اليهودى «نعوم تشومسكى» مستندا إلى أرشيف مجلس الوزراء الإسرائيلى فى ذلك الوقت.
«مع كل الاحترام لسنا نجمة أخرى فى العلم الأمريكى».
كانت تلك عبارة كاشفة أخرى لحقيقة الموقف الآن على لسان وزير الأمن القومى اليمينى المتطرف «إيتمار بن غفير»، قاصدا التهوين من الرفض الأمريكى لمشروع التهجير القسرى وأنه غير قابل للتراجع عنه، أو النقاش فيه حتى مع أوثق الحلفاء.
صلب الاستهداف الأيديولوجى الصهيونى: إخلاء غزة من أهلها بالتهجير القسرى، أو الطوعى على ما يقترح الآن غلاة اليمين المتطرف لتجاوز الاعتراضات الإقليمية والدولية، التى تشمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والمجموعة العربية والأغلبية الساحقة من دول العالم.
بتعبير وزير المالية المتطرف «يتسلئيل سموتريتش» فإن «التهجير هو الحل الإنسانى الوحيد لأهالى غزة!»..
أراد أن يقول إن حرب الإبادة فى قطاع غزة لا تدع لأهله أية فرصة للإفلات من الموت، أو التجويع والتشرد فى صقيع الشتاء، سوى بمغادرته إلى سيناء، أو إلى أى مكان آخر، متصورا أن ذلك عمل إنسانى!
الوجه الآخر للتهجير القسرى هو حرب الإبادة والتطهير العرقى.
إنه مشروع واحد يستهدف هوية غزة ومستقبلها.
بقدر ما يستطيع تجنب رئيس الحكومة «بنيامين نتنياهو» أى أحاديث مسهبة فى هذا الموضوع الملغم حتى لا يعرض نفسه لأى إحراجات مع الداعم الأمريكى، أو لأى ضغوط أخرى عليه.
بتعبير لـ«نتنياهو» واضح وصريح: «مشكلتنا هى الدول التى ترغب فى استيعابهم، ونحن نعمل على هذا الأمر».
«تلقيت اتصالات من دول فى أمريكا اللاتينية وأفريقيا باستعدادها لاستيعاب اللاجئين من قطاع غزة وهذا سيسهل الأمر على من يبقون فيه فضلا عن جهود إعادة بنائه».
هكذا زعم «دانى دانون» مندوب إسرائيل السابق فى الأمم المتحدة وعضو الكنيست.
ثم وصلت حمى التهجير القسرى، أو الطوعى، ذروتها بما ذاعته القناة (12) الإسرائيلية من تكليف رئيس الوزراء البريطانى الأسبق «تونى بلير» بمتابعة ملف الهجرة الطوعية مع دول أخرى فى العالم بعد محادثات أجريت فى تل أبيب مع «نتنياهو» وعضو مجلس الحرب «بينى جانتس».
فور إذاعة هذا الخبر تلقى «بلير» سيلا من الانتقادات والإهانات من كافة أرجاء العالم مذكرة بسجله المخزى فى الحرب على العراق.
تحت الضغط اضطر إلى نفى ذلك الخبر: «لم يجر حديث من هذا القبيل.. الفكرة خاطئة من حيث المبدأ.. إنها جريمة حرب.. يجب أن يكون سكان غزة قادرين على الحياة والعيش».
كادت تتماهى تلك الصياغة مع جوهر موقف البيت الأبيض.
فى بداية الحرب لم يمانع وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن» فى مشروع التهجير القسرى، لكنه عندما بدا أن الولايات المتحدة قد تدخل فى أزمة كبرى مع حليفتيها الإقليميتين مصر والأردن تراجعت إلى الخلف قبل أن تناهض المشروع علنا عندما بدا أن عياره أفلت.
باليقين فإن هناك عاملين رئيسيين أجهضا الموجة الأولى من مشروع التهجير القسرى، أولهما، الموقف المصرى الصارم مدعوما أردنيا وفلسطينيا خشية تهجير مماثل من الضفة الغربية إلى الضفة الأخرى وطنا بديلا وتقويض القضية كلها.
وثانيهما، تعثر العمليات العسكرية الإسرائيلية فى الحرب البرية بفضل المقاومة الفلسطينية، التى إذا ما هزمت المقاومة تتعرض مصر لأخطار جسيمة فى أمنها القومى.
بتعبير الأستاذ «محمد حسنين هيكل»: «إسرائيل تستهدف مصر دائما، بمناسبة أو بغير مناسبة، لأنها الدولة الوحيدة التى إذا نهضت فإن المعادلات المنطقة كلها تتغير».
من زاوية الأمن القومى المصرى فإن حرب الإبادة تستهدف إخلاء غزة من سكانها الفلسطينيين والعودة إلى المستوطنات اليهودية التى أخليت عام (2005) وتمكين الدولة العبرية من السيطرة على حقول الغاز الواعدة وبناء قناة جديدة تحمل اسم مؤسسها «بن جوريون» لمنافسة قناة السويس.
استهداف سيناء وقناة السويس جوهر الصراع على مصر.
هذه حقيقة جيواستراتيجية.
بنفس التوقيت الحرج فى الحرب على غزة طرحت التحديات الوجودية نفسها مجددا عند محور «فيلادلفيا» الحدودى.
لم يكن توجه «نتنياهو» لفرض سيطرته على ذلك المحور الاستراتيجى بين مصر وغزة جديدا بذاته، فقد تبنى ذلك التوجه دوما.
الجديد هذه المرة يكتسب خطورته الفائقة من سيناريوهات التهجير القسرى الماثلة على الحدود الشرقية، التى تستهدف السيادة على سيناء وتصفية القضية الفلسطينية معا.
بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الحرب دون تحقيق علامة نصر واحدة يسعى «نتنياهو» إلى اختلاق أعذار وذرائع لفشله العسكرى بأن هناك أنفاقا تمتد تحت محور «فيلادلفيا»، وهو شريط حدودى ضيق داخل قطاع غزة يمتد (14) كيلو مترا بطول الحدود مع مصر، تستخدم فى تهريب الأسلحة والأغذية إلى «حماس».
وفق البروتوكول الأمنى للمعاهدة المصرية الإسرائيلية (1979) فإنه يستلزم الاتفاق المسبق فى أى تعديلات تدخل عليه.
حسب المعلومات المتاحة فإن مصر تتحفظ خشية تفاقم الأوضاع على الحدود، أو التورط فيما لا يصح التورط فيه.
هذا موقف صحيح تماما ولا يجوز بأية ذريعة التراجع عنه، فالسيطرة التى يطلبها «نتنياهو» على محور «فيلادلفيا» تفضى بالضرورة لهيمنة إسرائيلية على معبر رفح وتسهل التهجير القسرى.
التنبه ضرورى لمكامن الخطر والحسم واجب لسلامة سيناء.