«حرام الجسد».. ضربة أخرى طائشة! - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 3:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«حرام الجسد».. ضربة أخرى طائشة!

نشر فى : الخميس 7 أبريل 2016 - 11:00 م | آخر تحديث : الخميس 7 أبريل 2016 - 11:00 م
تبدو مشكلات فيلم «حرام الجسد» الذى كتبه وأخرجه خالد الحجر متعددة الأبعاد، رغم الطموح والنوايا الحسنة، فإذا نظرت إليه من الزاوية الاجتماعية، فإنه يكاد يقدم تنويعة أكثر ركاكة لفكرة فيلم «الحرام»، ذلك أن الفيلمين يحللان ارتباط الحرام بالجسد دون غيره، بالذات عند الفقراء، بينما يستحق الأمر البحث عن أكثر من حرام آخر، سواء فيما يتعلق بانتهاك المرأة، أو فيما يتعلق بالعلاقة بين الأغنياء والفقراء.

فإذا حاولت أن تجد رؤية سياسية ما فى عمل تدور وقائع ثورة يناير وما بعدها فى خلفية أحداثه، فإنك ستجد بكثير من التعسف نظرة بسيطة ومضطربة دراميا تحاول أن تقول إن الثورة كسبها الفلول، وإن انتهاك الغلابة عرض مستمر بلا توقف، بصرف النظر عما حدث فى ميدان التحرير.

أما من الناحية الفنية، فإن الفيلم الذى يعتنى بالصورة مستعينا بمدير التصوير المتميز نستور كالفو، ينسى أن يهتم بالدراما، ويقدم حوارا متواضعا، ويتبارى فيه الممثلون فى سوء وضعف الأداء، باستثناء محمود البزاوى وسلوى محمد على، وكأننا أمام ضربة طائشة أخطأت هدفها، وتبددت فى شتى الاتجاهات.

من حيث المعالجة، فإن خالد الحجر يعود إلى «التيمة» الشهيرة حيث مثلث الزوج والزوجة والعشيق، ولكنه يوسّع الأمر كثيرا، إذ نصبح أمام «معيّن» أو حتى «شبه منحرف»، مع وجود زوجة وثلاثة رجال مرة واحدة، أو بمعنى أدق نحن أمام تكرار مزدوج لمثلث الزوج والزوجة والعشيق: مرة يكون فيها العشيق فقيرا، ومرة يكون غنيا، والمرأة هى موضع الصراع فى الحالتين.

فاطمة الفلاحة الفقيرة (ناهد السباعى) هى محور الدراما كلها، أما بناء السيناريو فينقسم بوضوح إلى ثلاثة أجزاء متداخلة: علاقة فاطمة بزوجها مريض السكر البائس حسن (محمود البزاوى فى دور عمره)، ثم علاقة فاطمة بابن عم زوجها «على» الهارب من السجن يوم 29 يناير 2011، ويلعب دوره أحمد عبدالله محمود، وتتطور هذه العلاقة إلى زواج بعد قتل الزوج، وأخيرا علاقة مراد الثرى (زكى فطين عبدالوهاب)، صاحب المزرعة والعزبة بفاطمة، سواء بعد زواجها من «على»، أو قبل هذا الزواج.

فى الأصل، تذكرنا علاقة فاطمة بالشاب المفتول «على»، وحكاية التخلص من الزوج فى مكان منعزل، بأفلام شهيرة مثل «ساعى البريد يدق الجرس مرتين»، ولكن الحجر جعل العلاقة أكبر من علاقة جسد، ذلك أن «على» كان يحب فاطمة، بل إنه دخل السجن لأنه قتل خفيرا أراد التحرش بها، ثم أدخل الحجر شعور فاطمة القوى بالحرام كعنصر محورى من البداية والنهاية. سيودى هذا الشعور بفاطمة فى النهاية، كما أودى بعزيزة فى فيلم «الحرام»، وسيرتبط فى الحالتين بفكرة «طفل الخطيئة».

مفهوم «الحرام» المتضخم الذى سينغص حياة فاطمة بعد أن صمتت إزاء قتل «على» لابن عمه، سيقابله عند الثرى مراد مفهوم الاستباحة والانتهاك، إذ سيستغل معرفته بتواطؤ فاطمة وعلى لإقامة علاقة محرمة، ولقتل الزوج حسن، فى إجبار فاطمة على أن تكون جديدة، وهذه المرة لرجل ثرى.

تريد الدراما المضطربة أن ترسم صورة لمجتمع مغلق تطارده هواجس حرام الجسد، الفقراء للمفارقة أكثر إحساسا بذلك، والزوج القتيل يظهر لفاطمة فى صحوها ومنامها، منددا بخيانتها له، ومتهما إياها بأن طفلها من «على» هو أيضا ابن حرام، أما الثرى مراد فلا يعنيه الأمر، ويعتبر جسد الفقير مباحا، كما فعل ابن العمدة فى فيلم «الحرام».

فى قلب هذا الخط الاجتماعى/ الطبقى يُثقل الحجر فيلمه بخط سياسى يزيد الموقف اضطرابا، على شريط الصوت نسمع تطورات الثورة من سقوط مبارك إلى تولى الإخوان السلطة، وبينما يمثل حسن الفقراء الذين يرون الثورة فتنة ستزيد الموقف سوءا، والذين يهتمون بحياتهم الجنسية والإنجابية قبل أخبار الميدان، فإن مراد يُهرب أمواله إلى الخارج، وهناك حوارات ساذجة بينه وبين ابنه الثورى الشاب، الذى يصف والده بأنه «فلول».

كانت المشكلة الواضحة فى انفصال الخطين الاجتماعى والسياسى، فالعلاقة بين الغنى والفقير، والصراع على امرأة واحدة، ونظرة الفقير والغنى للجسد والحرام، كلها أمور يمكن أن تكون مكتفية بذاتها، بل إنها عابرة للجنسيات والدول والمناسبات، مراد نفسه كما رأيناه أبسط دراميا من أن يمثل رمزا للأثرياء جميعا، واشتهاء امرأة فقيرة حالة خاصة مرتبطة عنده بحب قديم، أما ابنه الذى يكرر القفز الساذج من البلكونة أو النافذة، للمشاركة فى المظاهرات، والذى يتحدث عن مصر التى تحتاجه، فهو بالتأكيد نموذج مثير للسخرية، ولا يدعو إلى الإعجاب كما يتصور الحجر.

أصبحنا أمام موضوعين تقريبا: فقراء محاصرون بصراعات الجسد وحُرُماته، وثرى رافض للثورة، ويريد أن يواصل استعباد الغلابة، فلما دمج خالد الحجر الفكرتين معا، وقع تشوش حقيقى طال الدراما كلها: ظلت فاطمة حتى النهاية أسيرة خيانتها المزدوجة لحسن ولـ«على»، وكان عجيبا بالفعل أن تصر على الاحتفاظ بطفلها الذى لا تعرف والده (هل هو على زوجها الجديد أم الثرى مراد؟)، فلا هى تمتلك القوة على هذا الإصرار، ولا ضعفها الذى شاهدناه يسمح بذلك، وكان الأغرب أن يرضخ الثرى لهذا الإصرار تحت التهديد (!!)، ولكن الفيلم يريد أن يحوّل الطفل القادم إلى رمز لغنائم المستقبل بين فقراء الوطن وأغنيائه بعد الثورة، هنا اعتساف واضح وفج أدى إلى نتائج غريبة.

فاطمة الحائرة بين الجسد والحب، وبين الحرام واستغلال الأغنياء، تضطرب نفسيا، وتغرق مع «على»، فنحمد الله أنهما تخلصا من الجسد حلاله وحرامه، بينما يحتفظ الثرى مراد بالطفل: على المستوى الواقعى يبدو ذلك أمرا بعيدا عن التصور؛ لأن الأمر بأكمله يمثل لمراد ذكرى مؤلمة يجب دفنها. وعلى المستوى الرمزى فإن الرمز فاسد؛ لأن هذا الطفل ليس غنيمة لما بعد الثورة، وإنما هو ثمرة وحصاد رمزى لفقر وعجز الزوج حسن وإجرام العشيق «على» وانتهاك الثرى مراد.. وبالهنا والشفا لرجل الأعمال الفلول.

طبعا لم يكن الحجر يقصد ذلك، ولكنى أردت أن أوضح كيف اضطربت الدراما إلى درجة بائسة، وزاد الأمر سوءا حوار ساذج يشرح ويفسر ويعيد ويكرر، وثلاثة من الممثلين هم ناهد السباعى وأحمد عبدالله محمود وزكى فطين عبدالوهاب صدَّرُوا إلينا وجها خشبيا جامدا طوال الوقت، رغم ثراء أدوارهم بالانفعالات والتحولات، بل إن الأخير أخذ يلقى الحوار بصورة أقل حرارة حتى من قارئ نشرة الأخبار الذى كنا نسمعه على شريط الصوت، ولولا براعة محمود البزاوى الذى خطف الأضواء من الجميع، ولولا مشاهد قليلة لسلوى محمد على فى دور زوجة مراد، لكنا أمام أداء تمثيلى يذكرنا بمسرحيات الهواة فتورا ومبالغة.
التصوير كان هو العنصر الأفضل، على الرغم من تكرار إضاءة وجوه الشخصيات من خلال الكلوب القابع إلى اليسار، هناك فارق بين أن توحى بمحدودية المكان، وبين أن تُشعر المتفرج بالملل والتعب من المشاهدة، وقد حدث ذلك مع الأسف فى أوقات كثيرة.

حصاد «حرام الجسد»: معالجة مشوشة تأرجحت بين التراجيديا وحافة الميلودراما، وتنويعة ركيكة على الحرام ارتباطا بالفقر والثراء، وتوصيف ساذج لصراعات الثورة ونتائجها.

وهذه ثورة يناير كما قدمها الفيلم: هوجة تفرج عليها الفقراء المشغولون بحرام الجسد، ولعبة كسبها الأثرياء والفلول، ومغامرة قام بها شباب يربطون شعورهم على هيئة ديل الحصان، ويقفزون من البلكونات والنوافذ، إذا أغلقوا عليهم الأبواب.
محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات