3 مسائل وجودية لا يمكن لإسرائيل أن تضعها جانبًا - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

3 مسائل وجودية لا يمكن لإسرائيل أن تضعها جانبًا

نشر فى : السبت 8 يناير 2022 - 9:40 م | آخر تحديث : السبت 8 يناير 2022 - 9:40 م

• عاموس جلعاد
•• ميخائيل ميلشتاين
طوال عشرات الأعوام، حكم إسرائيل سياسيون كان الحسم ركيزتهم الأساسية. هؤلاء الزعماء أعلنوا إقامة دولة إسرائيل، مثل بن غوريون، وعرفوا كيف يبدأون حربا، مثل ليفى أشكول، وعقدوا اتفاقات سلام، مثل بيغن ورابين، أو قاموا بتغييرات إقليمية تاريخية، سواء بواسطة اتفاقات، أو بصورة أحادية الجانب. آخر جيل زعماء الحسم كان شارون الذى نفّذ الانفصال عن غزة فى سنة 2005، وأظهر تعارضا أيديولوجيا عميقا مقارنة بمواقفه السابقة.
حقبة القرارات الحاسمة ذهبت وحلت محلها فى العقد ونصف العقد الأخيرين استراتيجيا «إدارة النزاعات». وحلت محل قرارات البدء بالحرب أو إبرام اتفاقات السلام عمليات عسكرية (فى الأساس فى غزة) ــ جزء منها بمبادرة من إسرائيل، وجزء آخر فرضه العدو عليها، مثل عملية «حارس الأسوار»؛ وعمليات عسكرية استراتيجية أو محدودة (على رأسها تدمير المفاعل النووى فى سورية فى سنة 2007)؛ أو توقيع اتفاقات سلام مع دول المنطقة ذات أهمية كبيرة، لكنها لا تتطلب نقاشا حادا داخل إسرائيل بشأن مسائل وجودية أو تقديم تنازلات جوهرية.
وفى الواقع، توجد اليوم 3 قضايا ونصف، المطلوب من الزعامة فى إسرائيل حسمها: النووى الإيرانى، الاندماج المتزايد مع الفلسطينيين فى الضفة الغربية، وضع «حماس» فى غزة، ونصف قضية لا تشكل تهديدا: منظومة العلاقات بين الدولة وبين مواطنيها من العرب.
فى كلٍّ من القضايا الثلاث الأولى، تفضل إسرائيل، أو تضطر، منذ عقد ونصف العقد إلى انتهاج سياسة إدارة النزاع بدلا من الحسم. النتيجة العملية لهذه المقاربة هى استمرار تعاظُم التهديدات التى تنطوى عليها: إيران تسير بثبات نحو الحصول على قدرة نووية عسكرية؛ «حماس» تعزز نفسها على صعيد الحكم وعسكريا وتستعد للاستيلاء على زعامة السلطة الفلسطينية؛ وفى الضفة الغربية يتطور واقع الدولة الواحدة، بالتدريج، من دون تخطيط أو رغبة.
لا جدال فى أنه وقت صعب، بصورة خاصة للقرارات الحاسمة: المجتمع الدولى، وخصوصا الولايات المتحدة، لا يمنح إسرائيل غطاء للقيام بخطوات عسكرية استراتيجية، وعلى رأسها مهاجمة إيران؛ ويتأرجح الفلسطينيون بين عدم الرغبة وعدم القدرة على اتخاذ قرارات مصيرية؛ الحكم والجمهور فى إسرائيل مشغولان بمشكلات داخلية أُخرى صعبة، وفى مقدمتها الكورونا؛ والواقع السياسى المعقد يجعل من الصعب الدفع قدما بقرارات حاسمة عسكرية أو سياسية.
فى كل قضية من القضايا الثلاث، المطلوب قرار حاسم ذو طابع مختلف: وتوقيت التحرك فى كل واحدة هو مختلف، وأيضا التداعيات الداخلية والخارجية.
بالنسبة إلى «ساعة الرمل الإيرانية»، المطلوب من إسرائيل فى هذه المرحلة إعطاء فرصة لاستنفاد الخطوات السياسية والاقتصادية الدولية ضد النظام الإسلامى، من خلال تنسيق وثيق مع الإدارة الأمريكية. وفى موازاة ذلك، بناء سريع للقوة لمواجهة احتمال القيام بعملية عسكرية محتملة فى المدى القريب.
الحسم فى موضوع الضفة الغربية مختلف تماما. فهو يتطلب من أصحاب القرارات نضجا على صعيد الوعى، والتركيز على التفكير العملى بدلا من التركيز على الأحداث الجارية. عمليا، المطلوب أن نفهم أن السياسة الحالية التى تعتمد على مقاربة «سلام اقتصادى»، أو إدارة النزاع، أو تقليصه، تنجح فى خلق هدوء، لكنها ليست بديلا من حل استراتيجى، وهى فى الواقع تُستخدم غطاء للزحف المتواصل نحو واقع الدولة الواحدة. المطلوب ممن يتخذ القرارات البدء بفتح نقاش سياسى وعام بشأن مسألة مصيرية هى الفصل ــ على سبيل المثال، ما هو التعبير الإقليمى لهذه الخطوة، هل يمكن تنفيذه من خلال اتفاق، أو بصورة أحادية الجانب، كيف سيكون وضع السلطة الفلسطينية وصلاحياتها؟
فى موضوع غزة، الاختيار هو بين السيئ والأسوأ: الاستمرار فى السياسة الحالية القائمة على تحسين سريع للوضع المدنى فى القطاع الذى يجعل من «حماس» أمرا واقعا، ويسمح لها ببناء قوتها فى مواجهة المعركة المقبلة (من دون أى ضمانة بألّا تبادر مجددا إلى شن هجوم ضد إسرائيل)؛ أو تبنّى نهج صارم مأخوذ من الإعلان الذى برز فى مايو الماضى أن «ما كان لن يكون». ضمن هذا الإطار، ستتم تلبية كل الحاجات الوجودية فى غزة، لكن إسرائيل لن تبذل جهدها لتحسين الواقع فى غزة، وبالتالى تعزيز وضع «حماس» الاستراتيجى. من المعقول أن تؤدى هذه المقاربة إلى احتكاكات فى القطاع، لكن من المحتمل أيضا أنها ستشكل عائقا فى وجه سعى «حماس» للحصول على قوة عسكرية وسياسية استراتيجية.
هناك «نصف حسم» يتطلب هو أيضا شجاعة وبصيرة بعيدة المدى. فبعد سبعة عقود ونصف على إقامتها، المطلوب من إسرائيل صيغة واضحة ومستحدثة لشبكة العلاقة بينها وبين الجمهور العربى الذى يتأرجح بين أقطاب مثيرى الشغب فى أحداث مايو وبين الاندماج التاريخى الذى يمثله حزب راعام [القائمة العربية الموحدة]. الحسم المطلوب هنا هو صوغ عقد اجتماعى يحدد بصورة واضحة وتفصيلية وضع المواطنين العرب، والحقوق المتساوية التى من حقهم الحصول عليها وواجبات الاندماج المطلوبة منهم. هذا الأمر يمكن أن يساهم فى استقرار الساحة الداخلية.
الوقت ليس جامدا، ولا يسمح بأن نضع القضايا الملتهبة جانبا والعودة إليها عندما تنضج. القرارات الحاسمة التى لا تُتخذ بسرعة ستتحول فى وقت قريب إلى تهديدات ستهبط على إسرائيل فجأة، بينما تكون غير مستعدة لذلك استراتيجيا، ومن المحتمل أن تكبدها ثمنا باهظا. بناء على ذلك، يجب على الأقل البدء بنقاش واعٍ داخل الجمهور الإسرائيلى الذى شهد فى الأعوام الأخيرة جوا من عدم المبالاة والهروب من الواقع واليأس.

الموقع الإلكترونى N12
• رئيس معهد السياسات والاستراتيجيا فى جامعة ريخمان
•• رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية فى مركز دايان
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات