لم يعد تزويرًا.. إنها أكبر عملية فساد سياسى منظم - بهي الدين حسن - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لم يعد تزويرًا.. إنها أكبر عملية فساد سياسى منظم

نشر فى : الأربعاء 8 ديسمبر 2010 - 9:38 ص | آخر تحديث : الأربعاء 8 ديسمبر 2010 - 9:38 ص
النكتة الشائعة الآن فى مصر ليست جديدة! وهى عن الأطباء الذين يهنئون أنفسهم بنجاح «العملية»، رغم أن المريض مات!

الجديد الوحيد فى النكتة، هو توقيتها، أى الانتخابات البرلمانية فى مصر، التى أفضت نتائج جولتها الأولى إلى إعادة إنتاج البرلمان الناصرى الأحادى الصوت. فاز الحزب الوطنى بنسبة 96.5 % من مقاعد الجولة الأولى، وخرجت أحزاب المعارضة بعدد من المقاعد يتراوح بين صفر ومقعدين، الأمر الذى أدى لانسحاب حزب الوفد وجماعة الإخوان المسلمين من الجولة الثانية.

إن ذبح المعارضة فى الانتخابات بهذه الطريقة المشينة سيؤدى حتما إلى انتعاش الاتجاهات السياسية الراديكالية والنزوع للعنف، داخل وخارج الأحزاب والجماعات السياسية.

نجحت العملية الانتخابية.. وماتت العملية السياسية!

لقد حذرت مبكرا عدة منظمات حقوقية، من أنه لا توجد أى مؤشرات على إرادة سياسية لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. وفى مؤتمر صحفى لملتقى منظمات حقوق الإنسان المستقلة فى 9 نوفمبر، حذر البيان الصحفى الصادر عن المؤتمر من أن المؤشرات تدل على أن الانتخابات ستكون عملية فاسدة تماما. وبعدها بأيام، قال الائتلاف المستقل لمراقبة الانتخابات، إن أعمال تزوير إرادة الناخبين بدأت مبكرا، ولم تنتظر حتى يوم الانتخابات فى 28 نوفمبر.

ولكن إعادة قراءة ساحة الحدث بعد يوم «الاقتراع»، تدل على أن ما حدث لم يكن مجرد تزوير واسع النطاق، بل هو أكبر عملية فساد سياسى منظم جرت فى مصر فى تاريخها الحديث. فاكتساح الحزب الوطنى للانتخابات كان نتيجة جهد منظم ومنسق على أعلى مستوى، يصعب أن تجد له مثيلا فى أى مشروع تنموى تبناه الحزب على مدار ثلاثة عقود.

أسهم فى تنفيذ هذه «العملية»، اللجنة العليا للانتخابات، ووزارات الداخلية والعدل والإعلام والخارجية والتضامن الاجتماعى، والمجلس القومى لحقوق الإنسان. إلى جانب كتيبة من الكتاب والإعلاميين، الجاهزين للهجوم على الخصوم، ولإنكار كل اعتداء على حقوق الناخبين، والاستعداد – تماما مثل المستعمر الأجنبى ــ لتبرير كل ما هو سلبى باعتباره ينبع من ثقافة المصريين، بدءا من رفض الرقابة الدولية على الانتخابات، وانتهاء بأعمال التزوير والعنف خلال يوم الانتخاب.

قبل بدء الانتخابات بنحو شهرين، كانت قد بدأت واحدة من أكبر الحملات المنظمة لتقييد حريات وسائل الإعلام، بمشاركة عدة أطراف (راجع مقال الكاتب بتاريخ 17 نوفمبر).

استهدفت هذه الحملة إبعاد الإعلام عن العملية الانتخابية، وذلك من خلال التحكم فى البث التليفزيونى المباشر من مواقع الأحداث، وحصره فى قبضة وزارة الإعلام، وتوجيه عدد من الضربات المنتقاة ضد رموز إعلامية وصحفية وبرامج حوارية وقنوات فضائية، بما يؤدى لخلق مناخ من الخوف، يساعد على الهبوط بمساحة التغطية الإعلامية للانتخابات، ومضامينها، وتجنب تناول القضايا ذات الحساسية السياسية المرتفعة.

قبل يوم واحد من الانتخابات، صرح «بفخر» رئيس اللجنة التى شكلتها وزارة الإعلام لمراقبة الإعلام وإرهاب الإعلاميين، بأن التغطية الإعلامية خلال انتخابات 2010 أهدأ كثيرا بالمقارنة مع انتخابات 2005. وفى يوم الانتخابات عجزت القنوات الفضائية عن القيام ببث مباشر بعيدا عن رقابة الحكومة، وتعرض لمن قام بذلك من الاستوديو لقطع البث عدة مرات!

العملية «نجحت».. ولكن الإعلام «مات».

بالتوازى قامت إدارة المنظمات غير الحكومية بوزارة الخارجية، بإبلاغ ممثلى المنظمات الدولية الحقوقية المقيمين فى مصر، بعدم اتخاذ أى مواقف نقدية معلنة بخصوص الانتخابات، وإلا فإن طلبات هذه المنظمات لتسجيلها رسميا سيتم رفضها وترحيل ممثليها.

فى مرحلة فتح باب الترشيح تكفلت مديريات الأمن فى المحافظات برفض قبول ملفات عشرات المرشحين، دون إبداء أسباب. وعندما لجأ هؤلاء للقضاء الإدارى الذى حكم لصالحهم، كانت اللجنة العليا للانتخابات جاهزة لرفض تنفيذ الأحكام القضائية، بينما قامت وزارة الداخلية بالطعن ضد هذه الأحكام أمام محاكم غير مختصة قانونا، لاستهلاك الوقت.

وعندما طعن المستبعدون أمام المحكمة الإدارية العليا ــ وهى واحدة من أعلى ثلاث محاكم فى مصر ــ وحكمت لصالحهم، فإن اللجنة العليا للانتخابات رفضت مرة أخرى تنفيذ هذه الأحكام القضائية النهائية.

هكذا يولد البرلمان الجديد مطعونا فى مشروعيته القانونية، نتيجة وجود مئات الأحكام القضائية التى لم تحترمها هيئات وأجهزة الدولة، مهمتها الرئيسية هى إنفاذ القانون! وفقا لبعض المراقبين فإن هذا هو أكبر عدد من الأحكام القضائية يحيط بميلاد برلمان فى مصر.

العملية «نجحت».. ولكن مبدأ سيادة القانون «مات»

فى مواجهة المطالبات العديدة بالسماح بالمراقبة الدولية للانتخابات، كان رد الحكومة والمجلس القومى لحقوق الإنسان أنه لا حاجة لذلك فى وجود رقابة منظمات المجتمع المدنى المصرية. ولكن الأمر انتهى بأن حصل المجلس القومى لحقوق الإنسان على أغلبية التصاريح للمراقبين (6130 تصريحا)، وذلك لتوزيعها على عشرات الجمعيات التنموية والخيرية، التى ليس لدى أغلبها أى تجربة سابقة فى مراقبة الانتخابات، فيما حصلت المنظمات الحقوقية على نحو 10% مما طلبته من تصاريح، ولم يحصل الائتلاف المستقل لمراقبة الانتخابات على تصريح واحد!

هذا مثال نموذجى على تكامل الأدوار: وزارة الداخلية تبت فى أى من المراقبين يستحق تصريحا! وتعطى للجنة الضوء الأخضر لمنح آلاف التصاريح لمنظمات غير مؤهلة للمراقبة، وترفض الاتفاقية التى أبرمها الاتحاد الأوروبى لتمويل الائتلاف المستقل لمراقبة الانتخابات، ووزارة التضامن الاجتماعى توقع خطاب الرفض وترسله، واللجنة العليا ترفض منح التصاريح للائتلاف، ثم يعلن رئيس اللجنة أن المنظمات التى تقول إنها لم تتسلم تصريحا بالمراقبة «تكذب». هل شاهدنا من قبل الحكومة المصرية تعزف بهذا التناغم الأوركسترالى؟!

المثير للسخرية أن التصريح لا يعنى السماح بالمراقبة، إنه وفقا للجنة العليا تصريح للمراقب بمقابلة رؤساء اللجان!، الذين من حقهم أن يوافقوا أو يرفضوا ! وقد رفض أغلبهم.

نجحت «العملية».. ولكن الشفافية ماتت!

حتى يوم الانتخابات لم يكن وكلاء المرشحين من غير الحزب الوطنى، قد حصلوا على تصاريح تسمح لهم بالوجود داخل مقار الاقتراع، بينما منحت أقسام الشرطة وكلاء مرشحى الحزب الوطنى التصاريح قبل الانتخابات بيومين. كما اختارت وزارة العدل القضاة للجان العامة، دون استشارة الجمعيات العمومية للمحاكم. يوم الانتخابات جرت أكبر عملية لتسويد بطاقات الاقتراع فى الانتخابات المصرية منذ 15 عاما على الأقل.

نجحت «العملية».. ولكن النزاهة ماتت!

فى اليوم الموعود، جرت الانتخابات بدون ناخبين تقريبا، فالناخب المصرى يقاطعها يأسا منذ أكثر من نصف قرن.

نجحت «العملية».. رغم أن المريض لم يكن موجودا فى «غرفة العمليات»!

للأمانة، لم يسود الحزب الحاكم بطاقات الاقتراع لحساب مرشحيه فقط، بل قام بذلك أيضا لصالح عدد منتقى من مرشحى المعارضة على حساب مرشحيه! كان التسويد كافيا لفوز بعض المعارضين، أو دخولهم جولة الإعادة، بينما لم يكن كافيا للبعض الآخر، فخرجوا. ليجد نظام الحكم نفسه أمام برلمان نظيف من معارضة ذات قيمة، خاصة بعد انسحاب الوفد والإخوان المسلمين.

أحد أهم أهداف هذه الانتخابات البرلمانية، هو تمثيل المعارضة بدرجة تسمح بمشاركة أكثر من «كومبارس» بارع، فى الانتخابات الرئاسية العام القادم، بما يساعد على الإيحاء لجمهور المتفرجين من أغلبية المصريين والمجتمع الدولى، أنها انتخابات وليست استفتاء على شخص واحد. ولكن ذلك صار الآن حلما بعيد المنال.
بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
التعليقات