أكبر من أمريكا والمجتمع المدنى.. إنها حول من يدير مصر - بهي الدين حسن - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أكبر من أمريكا والمجتمع المدنى.. إنها حول من يدير مصر

نشر فى : الأربعاء 14 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 14 مارس 2012 - 8:00 ص

رغم السماح بسفر المتهمين غير المصريين فى قضية المنظمات الأجنبية، فإن العلاقات المصرية ــ الأمريكية ما زالت تواجه أكبر أزمة منذ يونيو 1967، التركيز على الأسباب المعلنة لهذا التأزم المتسارع لا يساعد على فهم ما يجرى.

 

القول بأن السبب يرجع إلى أن المنظمات الأمريكية قد مارست نشاطها فى مصر بدون ترخيص، غير مقنع؛ لأن ذلك كان يمكن وقفه بقرار معلن من الحكومة المصرية. كما أن هذا لا يفسر لماذا لم يتخذ نفس الموقف إزاء عدد أكبر من المنظمات الأوروبية والأمريكية التى تعمل فى مصر بدون ترخيص قانونى، أو انتهى ترخيصها منذ سنوات، ولم يجدد، ومع ذلك لم تقم الحكومة بمداهمة مقارها، ولا التحقيق معها، ولا حتى لفت نظرها شفاهة أو كتابة؟ فضلا عن أن اثنتين من المنظمات الأمريكية التى دوهمت مقارها وأحيلتا للمحاكمة، قد جرت دعوتهما رسميا من الحكومة قبل المداهمة بأيام لمراقبة الانتخابات البرلمانية، واستقبلت وفودهما بشكل رسمى، وتلقت تسهيلات من الحكومة أفضل مما حصلت عليه المنظمات المصرية!

 

تفسير المشكلة بما قاله محققا القضية عن ممارسة هذه المنظمات لأنشطة تجسسية، وتهدد وحدة البلاد! لم يأخذه المحققان أنفسهم بجدية، فقد حصروا الاتهام الرسمى فقط فى العمل بدون ترخيص قانونى. بينما يبدو أن تلك الاتهامات السياسية الأخطر قد جرى تصميمها ليس للمحكمة، بل من أجل تنمية شعور الرأى العام بالتهديد الخارجى ــ دون مبرر موضوعى ــ جنبا إلى جنب الشعور بالتهديد الداخلى الناجم عن الفراغ الأمنى غير المبرر، الأمر الذى يساعد فى النهاية على التفاف رجل الشارع المذعور حول المؤسسات الأمنية. راهنت الحملة القضائية/ الأمنية/ الإعلامية على القارئ غير المدقق، وعلى أن العاطفة الوطنية لبعض المصريين يمكن أن تغيب عقولهم تماما، بما فى ذلك تقبل إمكانية تحول مصر بين ليلة وضحاها من خادم ذليل للاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة، إلى متمرد عليها!

 

●●●

 

التركيز المفرط فى الإعلام الأمريكى على «شيطنة» الوزيرة فايزة أبوالنجا، لا يساعد أيضا على فهم لماذا اشتعلت هذه القضية دون مبرر؟ فالحملة على المنظمات الحقوقية المصرية كانت مشتعلة قبل ثورة 25 يناير، بدون مشاركة أبوالنجا، بل إن مداهمة الجيش الأولى لمنظمات حقوق الإنسان، جرت أيضا بدونها فى 3 فبراير، أى فى اليوم التالى لموقعة «الجمل».

 

وفقا لمصدر موثوق، فإنه فى اجتماع لمجلس الوزراء المصرى، حذرت أبوالنجا من أن على الحكومة المصرية أن تعد نفسها لمواجهة ثورة جديدة، وقالت إذا كان فى ظل تقييد التمويل الأمريكى حدثت ثورة 25 يناير، فماذا تتوقعون إذا أزيلت هذه القيود؟! لم يستطع بعض الوزراء هضم السؤال، فقد كانوا يعتبرون أنفسهم حكومة الثورة، التى يفترض أن ترحب بالثورة ولا تخشاها! ولكن حديثها كان يخاطب فى واقع الأمر أعمق هواجس المجلس العسكرى، والأجهزة الأمنية التى ظلت على حالها حتى بعد رحيل الرئيس.

 

كان الهاجس الأساسى للمجلس العسكرى منذ تنحى مبارك، هو كيف يتجنب 25 يناير آخر؟ لذلك سارع بالتوجه للتحالف مع الإسلاميين، وتغاضى عن جرائم العنف الطائفى المتوالية بعد الثورة، وأصدر عددا من القوانين التى تشدد من تقييد حرية التظاهر والإضراب وعقوبة المشاركين فيه، ووضع عقبات قانونية أمام تحول الجماعات السياسية الشابة إلى أحزاب، ثم تحول لاستهدافها بحملات التخوين والمحاكمات العسكرية، بل توعدها مستشاره بـ«أفران هتلر». وعندما بدأت مقدمات الموجة الثانية للثورة، لم يتورع عن ارتكاب مذابح دامية متوالية لقطع الطريق على تطورها.

 

فى شهادته أمام محكمة مبارك، فسر أيضا عمر سليمان المدير السابق للمخابرات العامة الثورة بتأثير المنظمات الأجنبية فى مصر. المشترك بين شهادة سليمان وتفسير أبوالنجا للثورة، هو أنه لم يكن هناك مبرر أصلا أو أصيلا للقيام بالثورة، وإنما هى وليدة المال والمؤامرات الخارجية، وأن الشعب المصرى غير مؤهل للتمرد، ما لم يجد أحدا يدفع له الثمن!

 

بالنسبة للمجلس العسكرى، تبدأ وتنتهى أهداف الثورة لديه بقطع الطريق على جمال مبارك فى تولى الحكم. ولذلك فإن المجلس العسكرى وجد فى التفسير «المالى الخارجى» الذى تقدمه أبوالنجا إجابة عن سؤال يقلقه ولا يجد له إجابة: «لماذا يواصل هذا الشباب غير الميسور التظاهر والاعتصام والاحتجاج، رغم الثمن الباهظ الذى يدفعه كل يوم من قتلى وجرحى، بعضهم فقد بصره للأبد؟ ولأن المجلس لا يجد مبررا للثورة، وخاصة موجتها الثانية ــ التى اندلعت فى نوفمبر الماضى تحت شعار «يسقط حكم العسكر»، وترفض الخروج «الآمن» للعسكر، أو حصول المؤسسة العسكرية على وضع متميز فى الدستور يضعها فوق المحاسبة أو المراقبة ــ فقد كانت إجابة أبوالنجا هى سر صعودها.

 

المسألة باختصار، أن أى مسئول عن حكم مصر يتوهم بأن «تمويل المجتمع المدنى» هو الذى أطاح ــ دون مبرر موضوعى للثورة ــ بمبارك، فإنه سيعتبرها مسألة حياة أو موت. يتفق فى ذلك الحكام الحاليون (العسكر) والقادمون (الإسلاميون).

 

وفقا للتقارير الصحفية، فإن أجهزة الأمن التى داهمت بعض المنازل بقرب وزارة الداخلية، أثناء مظاهرات الاحتجاج على مذبحة بورسعيد، كانت تسأل السكان الذين هللوا للمتظاهرين، عمن يدفع لهم؟! إنه نفس الهاجس الذى بمقتضاه أيضا، جرى استدعاء بعض الرموز السياسية المشهورة، للتحقيق فى مزاعم بأنهم يمولون المتظاهرين! ولم يشفع لأحد الشخصيات الشهيرة أنه كان قد قدم بلاغا ضد منظمات حقوقية بدعوى تلقيها تمويلا خارجيا!!!

 

●●●

 

وفقا لمصادر موثوقة، فإن الإدارة الأمريكية تعهدت بوقف التمويل المباشر لمنظمات المجتمع المدنى، بل وقدمت اعتذارا شفويا. ولكن ذلك لم يساعد على وقف التدهور، خاصة أنه ليس هناك معلومات عن أن أمريكا اعتذرت عن إلحاحها المتكرر منذ أكتوبر الماضى على تسليم الحكم لسلطة مدنية، باستثناء توقفها عن تكرار المطالبة بذلك.

 

عندما صرح بانيتا وزير الدفاع الأمريكى، بأن طنطاوى وعده تليفونيا، بوضع حد لمشكلة المنظمات الأمريكية، فإن أبوالنجا عقدت فى اليوم التالى مؤتمرا صحفيا مشتركا مع وزير العدل، ليعلنا أن القضية ستمضى ولا شىء تغير! وعندما توسط أحد أعضاء المجلس العسكرى لرفع المنع من السفر عن المتهمين الأمريكيين، جاء الرد فى اليوم التالى بالإعلان فى الصحف عن تحويل القضية للمحاكمة! وفى أعقاب زيارة رئيس الأركان الأمريكى لمصر، عقد طنطاوى اجتماعا مع رئيس الوزراء بحضور مدير المخابرات العامة ووزراء الداخلية والعدل وأبوالنجا، ليطلب منهم التحلى بالهدوء فى تناول مشكلة المنظمات الأمريكية، ونشرت الصحف الحكومية تقارير صحفية وصورة للاجتماع. ولكن من تتحدث باسمهم أبوالنجا سربوا فى اليوم التالى لذات الصحف فقرات ملتهبة من شهادتها للمحققين، احتلت مانيشتات الصفحات الأولى، تتهم فيها صراحة الولايات المتحدة بالتآمر على الأمن القومى لمصر!

 

ذلك ليس المؤشر الأول على وجود صراع مكتوم ليس مع أبوالنجا، ولكن مع من تنطق أبوالنجا بلسانهم داخل المجلس العسكرى أو فى المؤسسات الأمنية، فمن العبث تصور أن أبوالنجا أقوى من طنطاوى!

 

فى ديسمبر الماضى جمع أحد أعضاء المجلس العسكرى المراسلين الأمريكيين فى مصر، ليبلغهم أن البرلمان التى بدأت ولم تكن قد اكتملت حينذاك مراحل انتخابه، لا يمثل كل المصريين، وأنه غير مؤهل وحده لكتابة الدستور. وفى اليوم التالى قال عضو آخر فى المجلس أن زميله كان يعبر عن وجهة نظر شخصية. منذ ذلك الحين توقف كلاهما عن الظهور إعلاميا!

 

فى هذا السياق لم يعد السؤال ما إذا كان المجلس العسكرى سيسلم السلطة فى يونيو، ولكن السؤال عمن بيده القرار لتنفيذ هذه الخطوة الحاسمة. هل استعدت الأجهزة الأمنية ــ التى تشبعت لعقود بالعداء للإسلاميين، وما زالت تعتبرهم خصوما ــ لهذا اليوم، بل لليوم التالى الذى سيقوم فيه الإسلاميون بالتطهير الأيديولوجى لهذه الأجهزة؟

 

الإجابة عن هذا السؤال ليست بعيدة عن الأزمة مع منظمات المجتمع المدنى، فهى وثيقة الصلة بالمناخ السياسى الذى يجرى تسخينه بقضية المنظمات الأمريكية، واستعمالها كحطب لتوسيع هامش المناورة أمام المجلس العسكرى، ولاستعادة قدر من شعبيته المنهارة، ولإعداد مسرح العمليات لأهداف أهم كثيرا من هذه الأزمة.

 

●●●

 

تعتبر الشهور الثلاثة القادمة حاسمة بالنسبة لمستقبل مصر، وليس مؤكدا أنه سيمكن الوصول بسلام إلى محطة تسليم الحكم لرئيس مدنى منتخب فى 30 يونيو، خاصة أن أسئلة رئيسية لا تقل أهمية، لم يجب عنها بعد، على رأسها موقع المؤسسة العسكرية فى الدستور، وفى حكم البلاد؟ وحدود سيطرة حزب أو تحالف الأغلبية الإسلامية؟ الأمر الذى يجعل المجلس العسكرى والأجهزة الأمنية حريصة على العمل بدأب لتشكيل أرضية سياسية يمكن أن تتقبل تدخلات غير متوقعة بقدر أقل من المقاومة.

بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
التعليقات