هل لديك كتاب لعلاء عبد الفتاح؟ - بهي الدين حسن - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل لديك كتاب لعلاء عبد الفتاح؟

نشر فى : الثلاثاء 8 نوفمبر 2011 - 8:20 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 8 نوفمبر 2011 - 8:20 ص

كانت هذه توصية علاء عبدالفتاح الأخيرة لزوجته ـ ابنتى منال، فى ختام زيارته فى مكان «أسره» بسجن طرة. فعلاء يلتهم الكتب التهاما باللغتين العربية والإنجليزية، فضلا عن أنه ملم بالفرنسية، وهو يوشك على الانتهاء من رواية للمنسى قنديل، ولذا طلب من منال إرسال بقية الروايات الأخرى التى كانت مرشحة لجائزة «البوكر»، وشراء أى كتب جيدة يقترحها أصدقاؤه، خاصة أمه د.ليلى سويف أستاذة الجامعة، ودينامو حركة 9 مارس لاستقلال الجامعة.

 

أقترح على الأستاذ إبراهيم المعلم أن يهديه مجموعة من إصدارات الشروق الأدبية، حيث إنه من المتوقع أن من قاموا بإصدار القرار بأسر علاء، لن يطلقوه قريبا، بل على الأرجح سيواصلون الحفر تحت أقدامهم، ومواصلة المهزلة غير المسبوقة منذ مذبحة دنشواى، أى بتحويل الضحايا وأنصارهم إلى جناة، بوهم أن ذلك قد يساعد على محو الجناة الحقيقيين من ذاكرة الناس بشكل تدريجى.

 

لم أستطع إطالة النظر فى عيون علاء، فلدى شعور عميق بالذنب، كان لدى يقين داخلى منذ عدة شهور، بأنهم سيختطفونه من بيننا، بصرف النظر عن المبرر ـ التهمة، ولكننى أشعر أننى لم أبذل ما يكفى من الجهد لتجنيبه هذا المصير المرجح، أى بإقناعه بالبقاء خارج مصر.

 

منذ المرة الأولى التى قرأت فيها مقاله الشجاع «أنا بقى مشكلتى مع الجيش»، فى وقت كانت تتبارى فيه أبرز الأقلام ـ بحسن أو سوء نية ـ بتكرار التحذير الأمنى «الجيش خط أحمر»، تيقنت أنهم لن يتركوه. وعندما جرت حملة التطهير الأمنية لميدان التحرير فى آخر يوليو، علمت أنهم كانوا يبحثون عنه بالاسم متنقلين من خيمة إلى أخرى، ليس فقط بسبب هذا المقال، ولكن بسبب ديناميكيته الحركية وسط المعتصمين بالتحرير وأهالى الشهداء وجماعات سياسية متعددة المشارب، وقدراته اللامحدودة على التحريك والابتكار، التى كان أبرزها فى ذلك الوقت «تويت ندوة». كان ذلك قبل أيام قلائل من عودته إلى عمله فى جنوب أفريقيا مع منال، وكنت على نفس الطائرة مع زوجتى وبناتى الأصغر سنا فى إجازة عائلية، كان يلح علاء ومنال علىّ للقيام بها. فى مطار القاهرة وقفت أترقب ضابط الجوازات، متوقعا أن يتم منعه من السفر، ولكن لحسن حظ علاء لم يكن قد عاد العمل بالقوائم السوداء بعد، وفق ما أبلغ ضباط الجوازات الصديق عمرو الشوبكى عندما تم احتجازه بمطار القاهرة مؤخرا، بعد إعادة العمل بها.

 

فى جنوب أفريقيا تحدثت أكثر من مرة مع علاء ومنال حول ضرورة إرجاء عودتهما، ولكننى لم أفلح فى إقناعهما، رغم قناعتهما النسبية بوجاهة مبرراتى. كانت هناك أيضا عوامل أخرى، منها أن منال تفضل أن تلد خالد (من خالد سعيد) فى مصر، بين أحضان الأهل، ولكن الميلاد المرتقب خلال أيام سيحدث على الأرجح فى غياب الشخص الأهم، أبو خالد.

 

تتمتع ابنتى الأصغر «إلزا» (هذا هو الاسم الذى منحها إياه صديق عمرى محمد السيد سعيد، تيمنا بديوان «عيون إلزا» للشاعر الفرنسى المعروف أراجون) بحساسية سياسية لا تتناسب مع عمرها (خمس سنوات ونصف السنة). عندما صدر القرار بحبس علاء 15 يوما على ذمة التحقيق، قالت بوضوح قاطع، إن «علاء قد أخطأ بنقده الجيش علنا، كان يجب أن يكتفى بنقده فى السر فقط»! ثم تحولت لتحذر أمها من أننى قد ألقى مصير علاء، إذا لم أتبع نصيحتها!، برغم أنها لا تتورع أحيانا بمشاركة أختها الأكبر عن الهتاف علنا فى النادى بسقوط حكم العسكر!

 

خصصت المدرسة إحدى الحصص الخالية، لكى يتحدث الأطفال عن كيف قضوا إجازاتهم الصيفية، وعندما جاء الدور على ابنتى الأكبر (7 سنوات) ـ وهى شغوفة للغاية أيضا بعلاء ـ حدثتهم عن إجازتها فى جنوب أفريقيا مع منال وعلاء، وعن الحيوانات العديدة التى رأتها لأول مرة فى حديقة مفتوحة. ثم تحولت لتحدثهم عما يحدث مع علاء الآن، لتنهال أسئلة الأطفال حول «ما هى الجريمة التى ارتكبها علاء»؟، «ولماذا يحكم الجيش مصر؟»، «وهل هذا يحدث فى بلاد العالم الأخرى»؟

 

بعد أن قرأت زوجتى القصص المسلية لطفلتينا قبل النوم، وبدأتا يستسلمان للنعاس، استعدت زوجتى لمغادرة غرفتهما، ولكن إلزا المهمومة دوما بعلاء، هبت فجأة لتسأل، «كيف استطاعت منال إدخال البطاطين لعلاء فى السجن، بينما هى لم تقابله»؟! لم تكن المهمة سهلة مع إلزا التى لم يسترخ عقلها، رغم استسلام جسدها للنوم، فهى لم تستوعب أنه يمكن لأسر المحبوسين أن يرسلوا إلى ذويهم فى غير وقت الزيارة، ملابس أو أغطية أو طعام، يُعرف فى السجن باسم «الطبلية». بالمناسبة استولى «مجهولون» آخرون على «الطبلية» قبل أن تصل إلى علاء فى سجن الاستئناف!

 

خلال ساعة استغرقتها زيارة علاء، لم أشعر لحظة واحدة أن علاء سجينا ـ أسيرا، وحتى عند نهاية الزيارة وتوديعه، لينصرف كل فى طريقه، كان يبدو لى الأمر كما لو كنا نودع بعضنا البعض فى نهاية أحد اللقاءات العائلية فى شقتى أو شقته. كان علاء مفعما بروح المرح والود، حتى أننى لم أكن متأكدا من منا فى طريقه للسجن، ومن إلى خارجه! كم بدت قامته شامخة، وكم بدت قامة سجانيه فى الحضيض.

 

لا أعنى بسجانيه الضباط المسئولين فى السجن، فقد تعاملوا باحترام ومهنية، حتى وهم يقومون بمراجعة الخطابات التى أعطاها علاء لزوجته أمامهم، منه ومن مسجونين آخرين يطمئنون من خلالها ذويهم. وعندما علم العقيد أحمد أننى أدير مركزا لحقوق الإنسان، سألنى عما إذا كنت مقتنعا برواية أن الشرطة قد بادرت بفتح السجون أثناء الثورة؟ اعتذرت له بأن تقصى الأوضاع فى السجون لا يدخل فى اختصاص مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ولكننى أوضحت أنه من خلال اللقاءات التى أتيحت لى مع ضباط شرطة ومسئولين بوزارة الداخلية، واطلاعى على تقارير المنظمات المصرية المتخصصة فى هذا المجال، لدى قناعة بأن ذلك حدث بالفعل فى سجن أو أكثر، وأنه فى المقابل، تعرض سجن أو أكثر لعملية اقتحام مسلحة مخططة من خارجه. وأشرت إلى أن إحدى المنظمات المصرية أصدرت تقريرا عن عملية قتل جماعى فى سجن واحد على الأقل، وأن وزارة الداخلية قد وعدت بالتحقيق، ولكنها لم تعلن شيئا. علق ضابط آخر كان موجودا أثناء الزيارة، بأن وزارة الداخلية لا تهتم بالدفاع عن ضباطها. قالها بأسى دون اصطناع، وبدا على وجوه الضباط الآخرين ملامح تدل على تبنيهم لهذه الإدانة الجماعية.

 

إنها مرة أخرى مشكلة «الحقيقة» التى بح صوت منظمات حقوق الإنسان من المطالبة بالتحلى بالحد الأدنى من الشجاعة والمهنية للعمل على إظهارها، ليس فقط فيما يتعلق بما حدث فى السجون أو أقسام الشرطة المحترقة، ولكن ما حدث أيضا للشهداء، وليس فقط خلال الأسبوع الأول للثورة، ولكن أيضا البحث لإظهار حقيقة الجرائم التى ارتكبت خلال العقود الثلاثة أو الستة السابقة.

 

نعود إلى علاء وسجانيه أو آسريه الحقيقيين، وليس «الموظفين» الذين يحرسونه.

 

لدينا فى ماسبيرو جريمة متكاملة الأركان، والمتهم الأول فيها لا فكاك له من المسئولية حتى لو أثبتت تحقيقات أكثر هيئات التحقيق استقلالية ونزاهة (سواء كانت هيئة محلية أو دولية) أن الشرطة العسكرية لم تطلق النار على المتظاهرين، ولم تدهسهم بالمدرعات. فالوحدة العسكرية المسئولة عن تأمين المنطقة تظل مسئولة قانونا على الأقل عن عدم قيامها بواجبها فى حماية المتظاهرين من الجهة التى يريد البعض لها أن تكون مجهولة، والتى ينسب إليها قتل المتظاهرين بالرصاص وربما دهسهم بالمدرعات أيضا.

 

وبالتالى فإن هذه الوحدة العسكرية وقائدها لن يفلتوا من الحساب يوما ما، إن لم يكن بواسطة محاكم مصرية، فمن المحتمل من خلال محكمة دولية، مثلما حدث فى مذبحة رواندا الأكثر هولا من حيث عدد الضحايا، ولكنها تتشابه مع مذبحة ماسبيرو فى بعض الجوانب، وعلى رأسها الدور الإجرامى للإعلام. علينا أن نتذكر فى هذا السياق، أن المحكمة الجنائية الدولية، قد تعاملت مع المذيعة الرواندية التى قامت بالتحريض على القتل، باعتبارها شريكا مساويا فى الجريمة، للذين أصدروا الأوامر بالقتل أو قاموا بإدارة المذبحة، وعوقبت المذيعة بنفس العقوبة، وهى الأقصى «السجن مدى الحياة»، فالمحاكم الدولية لا تقر عقوبة الإعدام.

 

هناك أمور قليلة جدا أنا على يقين منها، واحدة منها أن المسئولين عن هذه المذبحة أو الجرائم السابقة عليها لن يفلتوا من المحاسبة والعقاب، ولن يفيدهم على المدى المتوسط قبل البعيد، الدعم السياسى الأمريكى الأعمى للإدارة الحالية للمرحلة الانتقالية، ولن يحول دون هذه المحاسبة إغلاق كل منظمات حقوق الإنسان فى مصر، أو إغلاق مصادر تمويلها، أو حملة التشهير اللا أخلاقية بها التى يقودها مجلس وزراء «الثورة»!

 

باستطاعة المشير محمد حسين طنطاوى أن يضع حدا لهذه المهزلة، بأن يبادر بتقديم اعتذار علنى شجاع للشعب المصرى كله ـ قبل أسر الشهداء ـ عن هذه المذبحة، وعن القتل الجماعى للمصريين، سواء قتلوا بنيران الشرطة العسكرية ومدرعاتها، أو بسبب تخاذلها عن قيامها بواجبها فى حماية المتظاهرين. وأن يصدر قرارا بالإفراج عن المتهمين زورا فى هذه المذبحة، ومحاسبة الذين أعدوا هذا الملف وقائمة المتهمين، الذين يتصدرهم الشهيد مينا دانيال! ربما يحول ذلك دون تحول مذبحة ماسبيرو فى ذاكرة المصريين إلى «دنشواى أخرى».

بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
التعليقات