كثيرة هى دعاوى التظاهر التى جرت منذ 30 يونيو 2013 وحتى اليوم.
فى 11 نوفمبر الماضى جرت دعوة للتظاهر، وقبل ذلك ببضعة أعوام جرت دعوة أخرى فى 20 سبتمبر 2019، قبلها وفى 25 يناير 2016 كانت هناك دعوة أخرى. ما يجمع تلك الدعاوى أنها كانت من قبل جماعة الإخوان المسلمين أو المتعاطفين معهم أو ممن هم معارضين للرئيس من غير المعارضة المدنية المقيمة فى الداخل.
لكن رغم تلك الدعاوى التى ذكرنا توقيت بعضها. إلا أنها فشلت فى أن يتجاوب معها الناس فى مصر. صحيح أن بعضها كان شديد الوطأة كتلك التى جرت عام 2016، إلا أن الاتجاه العام لتلك التظاهرات، أنها لم تلق بالا لدى الغالبية، رغم عدم تصور وجود رضاء كامل عن الأوضاع فى البلاد، لا فى مصر ولا فى غالبية البلدان.
هنا يثور السؤال: لماذا لم تتفاعل الغالبية مع دعاوى التظاهر؟ واقع الأمر أن هناك عديد الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبعض من تلك الأسباب مرتبط بالشأن الداخلى وآخر متصل بالشأن الخارجى.
فأولا، كان الداعى للتظاهرات أحد أهم الأسباب التى أسفرت عن فشل الاستجابة لها. فالجهة الداعية للتظاهر جهة تعمل من الخارج، بمعنى أن الداعين له هم أناس فى نظر من هم بالداخل جبناء، يريدون أن يكون مواطن الداخل رأس حربة لهم، أملا فى عودتهم على رأس المشهد السياسى فى البلاد. إضافة إلى ذلك، يعتبر كثيرون من الناس فى الداخل أن الجهات الداعية للتظاهر هم عملاء لجهات خارجية. كما ينظر هؤلاء للداعين على أن أغلبهم فاسدون سابقون. وقد أقر المقاول المصرى الذى هرب ودعا إلى إحدى التظاهرات عام 2019 بتلك الحقيقة، حيث ذكر صراحة أنه كان جزءا من منظومة فساد، لم ينل حظه منها ماليا بالقدر المرضى له.
ثانيًا، اعتمد الداعون للتظاهرات على ذواتهم، بمعنى أنهم تحركوا بعيدين عن الهياكل التعبوية، من المؤسسات غير الرسمية. فالأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية والنقابات وغيرها، كانت بعيدة عن تلك الدعاوى أو التنسيق معها. وهى عملية على أى حال شاقة كثيرا على دعاة التظاهر، وعلى تعاطيهم مع تلك الكيانات، على فرض أن تلك الكيانات جميعها ستقبل التعامل معهم.
ثالثا، شكلت الأوضاع الأمنية سببا آخر لمنع التظاهر. لكن الملاحظ أن هذا السبب على أهميته لم يكن وحده كافيا لذلك. فحراك 25 يناير 2011، والحراك الأقل شأنا قبله ضمن فاعاليات حركة كفاية فى الشارع، لم تعِ بالا بذلك.
رابعًا، رغم أن دستور 2012 المعدل 2014 قد امتدح «ثورتى 25 يناير و30 يونيو»، إلا أن تكرار الخطاب الرسمى الرافض للحراك الأول، مع استماع الكثير من الناس بجدية لهذا الخطاب، كان له تأثير أيضا على عدم تفاعل الناس مع دعاوى التظاهر وتداعياتها.
خامسًا، كان إدراك الناس لمخالفات سنة من حكم جماعة الإخوان كافيا أن يصيب أغلبية المصريين بنوع من الإحباط على البديل الذى يعد ويؤهل ذاته للوصول لناصية المشهد مرة أخرى.
سادسا، أثر الإعلام المرئى سواء الرسمى أو الفضائى المصرى الذى كان أميل للإعلام الرسمى، بشكل مهم، فى مسألة التعبئة المضادة لدعاوى التظاهر، لا سيما وأنه قد ركز على إنجازات النظام الحالى.
سابعًا، كانت رؤية غالبية الناس لأثر الأوضاع الخارجية كمسألة كورونا وأثر الحرب الروسية الأوكرانية على الأوضاع الاقتصادية فى العالم كله، أثرها فى عدم تحمل مسئولية أى فشل داخلى على النظام القائم.
ثامنًا، أن المشاركة السياسية للمواطن تحتاج إلى تعبئة كبيرة تقنعه بجدواها. لذلك فلا مسألة الخروج للانتخابات مثلا، ولا مسألة الخروج للتظاهر (بعد 30 يونيو) أصبحت تقنعه بأن خروجه سيكون ذا جدوى، بل رأت الغالبية أنها مضيعة للوقت. بعبارة أخرى، وجدت الغالبية أنه من المصلحة عدم التوقف عن تلبية الاحتياجات اليومية للأسرة والمنزل بدلا من المشاركة السياسية أيا كان نوعها. وكل ذلك لا ينفى أن البعض قد اعتبر أن المشكلات الكثيرة التى يعانى منها المواطن، لم تصل بعد إلى الضخامة التى تستحق للمجازفة بالخروج.
تاسعًا، اعتبر البعض أن الدعاوى الرسمية لفتح المجال العام، كاستراتيجية حقوق الإنسان، والحوار الوطنى، والعفو الرئاسى عن سجناء الرأى، كلها أمور رغم عدم اكتمالها فى نظر البعض إلا أنها تؤكد أن الحركة تسير فى طريق تحسين المناخ السياسى فى البلاد.
عاشرًا، وجد الكثيرون فى دعاوى التظاهر دعوة للهدم دون البناء، بمعنى أن خطط عمل الداعين للتظاهر بدت كما لو كانت انتقامية بغرض الإقصاء فحسب، دون أن تكون طارحة لبرامج وسياسات بديلة.