عام جديد وعالم جديد - محمود عبد الفضيل - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 11:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عام جديد وعالم جديد

نشر فى : الجمعة 9 يناير 2015 - 8:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 9 يناير 2015 - 8:40 ص

مع نهاية 2014 وبداية 2015، لابد من التنبه إلى التطورات المهمة التى لحقت ببنية الاقتصاد العالمى والعلاقات الاقتصادية الدولية. وأهم تلك التطورات بروز مجموعة دول البريكس (BRICS) التى تبلورت فى يوليو عام 2009 حيث تم الإعلان عن نظام عالمى جديد يقوم على الثنائية القطبية الذى ترتبط بظهور قطب جديد يرتكز على أربع دول: البرازيل وروسيا والهند والصين. وانضمت دولة جنوب إفريقيا إلى هذه المجموعة عام 2010، وكلها دول لها ثقلها السياسى وذات أداء اقتصادى قوى. ومن ناحية أخرى، تشكل مساحة هذه الدول نحو ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقترب من 40% من سكان المعمورة.

وقد اتفق رؤساء دول مجموعة البريكس على التنسيق فى أكثر القضايا الاقتصادية حيوية على الصعيد العالمى، ولاسيما فى قضايا المال والطاقة والقضايا المتعلقة بالأمن الغذائى. ويجمع بين هذه الدول الخمس وجود قيادات سياسية لها مواقف تنادى بإصلاح النظام الاقتصادى العالمى الذى يصادر إمكانيات التنمية فى بلاد الجنوب ويضع العراقيل أمام انطلاق البلدان الآسيوية الناهضة. وخلال القمة التى انعقدت فى البرازيل فى يوليو عام 2014 تم اتخاذ خطوات استراتيجية مهمة فى إطار ما سمى «خطة العمل لمجموعة بلدان البريكس»، التى اتسمت بأنها محاولة لتحدى السياسات الليبرالية الجديدة التى عرفت بما سمى توافق واشنطن (Washington Consensus).

•••

وركز قادة هذه الدول على ضرورة إيجاد معمار مالى عالمى جديد، وأعلنت قمة البريكس هذه عن معالم هذا المعمار المالى الجديد من خلال إنشاء بنك جديد للتنمية مقره بكين. كما تم الاتفاق على أن من سيتولى رئاسة هذا البنك الجديد اقتصادى من الهند، وأن رئيس مجلس الإدارة سيكون من البرازيل وأن رئيس مجلس المحافظين من روسيا وذلك على عكس التقليد السائد فى منظمات Britten Woods حيث رئيس صندوق النقد الدولى يكون دائماً أوروبياً ورئيس البنك الدولى يكون دائماً أمريكى الجنسية.

كما تم الاتفاق على إنشاء ما سمى «تسهيل احتياطى للطوارئ» (Contingency Reserve Arrangement)، وتم الاتفاق فى عام 2013 على وضع 100 بليون دولار تحت التصرف لحساب هذا التسهيل لمعالجة الأزمات التى قد تتعرض لها عملات بلدان البريكس. والهدف بعيد المدى هو تقديم السيولة اللازمة لبلدان البريكس فى حالة مواجهتها أزمات فى مجال الاقتراض الخارجى أو مشاكل فى موازين مدفوعاتها. وهذا الإجراء فى حد ذاته يكسر الاحتكار الذى يتمتع به صندوق النقد الدولى بحكم ميثاق إنشائه عام 1944، ويمثل أيضاً إحياء لمبادرة إنشاء «صندوق نقد آسيوى» الذى طرحته اليابان خلال الأزمة المالية الآسيوية فى أواخر التسعينيات من القرن الماضى وتم إجهاضها بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.

•••

كذلك تم طرح ما سمى «تحالف الطاقة» الذى يهدف لوضع حد لموجات المضاربة التى تتم فى أسواق الطاقة الدولية. كذلك تم التفكير فى إنشاء ما سمى «التحالف من أجل ترشيد الأدوات المالية»، ولا سيما الأشكال المعقدة للمشتقات المالية. وكل هذه المبادرات تساعد على تقويض أدوات السيطرة الخانقة لمؤسسات Britten Woods على بلدان العالم النامى، وتضع نهاية للأحادية التى سيطرت على النظام المالى العالمى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ولم تكن تلك الإجراءات مجرد إطلاق مبادرات عنترية دون تفعيلها على غرار ما يصدر من بيانات القمم العربية ومنظمات العمل العربى المشترك، بل خضعت للاختبار الحقيقى فى ظل الأزمة التى يمر بها الاقتصاد الروسى نتيجة هبوط أسعار النفط وتدهور سعر صرف الروبل. فقد بادرت الصين بمساعدة روسيا للخروج من أزمتها التى كانت مسار شماتة الصحف والدوائر الغربية، إذ خصصت بيكين 24 بليون دولار لبرنامج مساعدة روسيا. كما بادرت الصين بتخصيص قرض لفنزويلا (4 بايين دولار) وخصصت للأرجنتين (2.3 بليون دولار) فى صيغةCurrency Swap لمواجهة بعض المصاعب الاقتصادية التى تواجه تلك البلدان. وتقوم الصين و«تسهيل الطوارئ» الخاص بمجموعة البريكس بتقديم المساعدة والإقراض بدون فرض المشروطية التقليدية لصندوق النقد الدولى، وهذا بدوره يضعف القوة التفاوضية أو بالأحرى التعسفية لصندوق النقد الدولى عند منح التسهيلات للبلدان التى تعانى من أزمات اقتصادية واضطراب فى موازين مدفوعاتها.

•••

وما يساعد الصين على ذلك أنها تتمتع لأول مرة باحتياطيات هائلة من النقد الأجنبى تصل إلى 4 تريليونات دولار. وقد بدأت بعض الكتابات اليمينية تصف هذه المبادرات الصينية بأنها سوف تؤدى إلى تدليل بعض الدول التى تعانى من متاعب اقتصادية دون فرض حزم الانضباط المالى التى تفرضها عادة اتفاقات صندوق النقد الدولى، الأمر الذى يساعد ـ فى تقديرهم ـ على اتباع سياسات اقتصادية تعوق التنمية والسلامة المالية! وهذا يوضح بجلاء طبيعة الصراع الدائر على الصعيد العالمى حول تقديم سياسات «الليبرالية الجديدة» وفرضها باعتبارها السياسات الاقتصادية الوحيدة الرشيدة.

خلاصة القول هنا أن ظهور تجمع البريكس على الساحة الدولية يؤدى إلى ظهور درجات حرية جديدة فى مجال العلاقات الاقتصادية الدولية بما يساعد البلدان الآخذة فى النمو فى آسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية على حل بعض مشاكلها الإنمائية بعيداً عن علاقات الاسترقاق المالى التى تتبعها مؤسسات التمويل الدولية.

التعليقات