هل ستشهد مصر نسخة معدلة من ناصرية «الخمسينيات»؟ - محمود عبد الفضيل - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 11:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل ستشهد مصر نسخة معدلة من ناصرية «الخمسينيات»؟

نشر فى : الإثنين 10 مارس 2014 - 5:55 ص | آخر تحديث : الإثنين 10 مارس 2014 - 5:55 ص

كثر الحديث منذ بزوغ نجم المشير عبدالفتاح السيسى على أنه أقرب إلى الرؤية الناصرية فى مجال الاستقلال الوطنى والعدالة الاجتماعية والبناء الاقتصادى التنموى. وفى مقابل هذا التوقع الرومانسى لدى بسطاء الناس من الجماهير المصرية بأن المشير السيسى سوف يجسد هذه الرؤية فى الواقع المصرى المعاصر، فقد كثرت التحليلات التى تشكك فى هذا التصور الشعبى نتيجة اختلاف الظروف الموضوعية على الصعيدين المحلى والعالمى، ولعل أحدث هذه التحليلات المقال المهم الذى كتبته الدكتورة رباب المهدى بعنوان «السيسى ليس عبدالناصر» (الشروق ــ عدد 26 فبراير 2014) وتناولت فيه الأسباب الموضوعية والذاتية فى هذا الخصوص.

وأود أن ألفت النظر هنا إلى أن ظاهرة «عبدالفتاح السيسى» إنما هى فى حقيقة الأمر انعكاس لرأى عام سائد لدى ضباط القوات المسلحة المصرية. وأبنى شهادتى هذه على تجربتى فى التدريس فى دوراتٍ متعاقبة فى كلية الدفاع الوطنى لأكاديمية ناصر العسكرية منذ سنواتٍ بعيدة. فقد دعيت لإلقاء محاضرات فى عدة دورات حول قضايا النفط والتنمية فى بلدان جنوب شرق آسيا بصفتى أستاذا للاقتصاد. وكان يحضر فى تلك الدورات ضباط فى الخدمة برتبة مقدم وعقيد وعميد، وكانت المناقشات تدور بحرية وجرأة وتتناول جميع القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

•••

ومن خلال تلك المناقشات المتعددة داخل قاعة المحاضرات وخارجها، استقر فى ذهنى أن التيار الرئيسى بين الضباط يميل إلى نقد ركنين أساسيين من أركان سياسات نظام مبارك:

1ــ السياسة الخارجية التى تقوم على التبعية الكاملة للولايات المتحدة الأمريكية وأن الموقف الصحيح يقتضى إعادة التوازن فى العلاقات الخارجية لمصر على الصعيدين السياسى والعسكرى. كما كان هناك شعور بالحزن لعدم نهوض مصر بالتزاماتها العربية بعد اتفاقية كامب ديفيد، بل كان هناك شعور بالأسى لقيام إسرائيل بغزو بيروت عام 1982 دون أن تحرك مصر ساكنا.

2ــ الاعتراض على السياسات الاقتصادية المطبقة فى ظل سياسة الانفتاح الاقتصادى، وانحيازها إلى كبار رجال الأعمال على حساب الطبقة الوسطى والفئات محدودة الدخل. وأن الأمر يحتاج إلى مراجعة وتهذيب لتلك السياسات لتكون أكثر عدالة وتحقق العيش الكريم للمواطن.

وفى تقديرى، أن هذا التوجه الغالب فى صفوف الضباط كان تعبيرا عن الأزمة التى تعيشها الشرائح الوسطى للطبقة الوسطى فى المدن التى يشكل هؤلاء الضباط جزءا منها. ورغم صحة القول بجفاف الحياة السياسية والثقافية فى فترة حكم نظام مبارك، مقارنة بالوضع فى الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى، حيث كانت التيارات السياسية المتلاطمة تستقطب الطلاب وهم فى المدارس الثانوية قبل دخول الكلية الحربية (كما حدث مع ضباط يوليو)، إلا أن الحراك السياسى الذى بدأ فى مصر منذ عام 2005 وظهور صحف غير حكومية مثل المصرى اليوم والشروق، بما تحفل به من كتابات سياسية معارضة وانتشار البرامج الحوارية فى الفضائيات الخاصة، كل ذلك كان له بلا شك انعكاساته على وعى الضباط الذين لا يعيشون فى معسكراتٍ منعزلة.. بل هم يحيون فى مجتمع، وداخل أسر بدأت تعلو لديها نبرة النقد والسخط الشعبى.

•••

وباختصار فإنه وإن كان من الصعب استنساخ التجربة الناصرية فى ظل الظروف المحلية والدولية الراهنة، لأن هناك مياها كثيرة قد سالت فى النهر وتكونت مصالح اقتصادية جديدة مرتبطة بمسارات العولمة، إلا أن هناك نافذة يمكن من خلالها استلهام روح الخمسينيات فى مجال استعادة التوازن فى مجالين أساسيين: إستعادة التوازن فى السياسة الخارجية، وتقليص درجة التبعية الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية من ناحية، ومراجعة السياسات الاقتصادية المطبقة منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضى من ناحيه أخرى. وذلك من خلال عدم الانصياع لما عرف بتوافق واشنطن القائم على تحرير الأسواق وخصخصة المنشآت العامة والانخراط فى مسارات العولمة، وبدلا من ذلك استلهام تجارب دول مثل البرازيل التى سعت إلى مواجهة الفقر وإقرار سياسات توزيعية أكثر شمولا وعدالة، وفتح الطريق أمام مسار تنموى جديد يعظم القدرات الإنتاجية للمجتمع ويقلص من طوابير البطالة فى صفوف الشباب.

ورغم كل ما أحاط بالحقبة الناصرية من قمع وتضييق على الحريات ومصادرة للحياة السياسية، فإن فترة الخمسينيات اتسمت بانفراجة سياسية فى أعقاب تأميم القناة والالتفاف الشعبى حول النظام فى أعقاب العدوان الثلاثى عام 1956، وقد انعكست تلك الانفراجة خلال الفترة 1957 ــ 1959 وهى الفترة التى أسميتها الربيع الديموقراطى، خلال الحقبة الناصرية وتجسدت فى الانتخابات النيابية عام 1957، حيث اتسمت تلك الانتخابات بقدر من التنافسية بين التيارات السياسية المختلفة كما تمثلت على سبيل المثال فى دائرة شبرا بين الدكتور فايق فريد (ممثلا لليسار) وحكيم مرجان (ممثلا لليمين والمصالح الرأسمالية) وكذلك فى دائرة الجيزة بين أبوالفضل الجيزاوى (ممثلا لليسار والقوى التقدمية) ومنافسة من القوى الرجعية، وفى دوائر أخرى كثيرة.

•••

خلاصة القول هنا، أن هناك فرصة تاريخية سانحة لإحداث تغييرات جدية فى السياسة الخارجية والسياسات الاقتصادية والسياسات التنموية، التى لابد من تحصينها من خلال حياة ديموقراطية تقوم على تقوية الأحزاب وترسيخ قواعدها الشعبية، وتعميق الممارسات الديمقراطية، فى إطار النقابات المهنية والنقابات العمالية وذلك لتوفير الظهير الشعبى اللازم لمواجهة المصالح الضالعة فى الداخل والخارج.

وقد سادت فى أواخر الخمسينيات بعض المقولات حول «الرأسمالية الموجهة» و«الديموقراطية الموجهة» كما جاءت فى باب القضايا النظرية التى كانت تنشرها مجلة صباح الخير تحت رئاسة الصحفى الكبير الراحل أحمد بهاء الدين فى محاولة لتعديل تلك المبادئ الوافدة من الغرب لتتلاءم مع ظروف البلاد النامية. ويقوم نموذج «الرأسمالية الموجهة» على محاولات الحكومات توجيه الأسواق والتأثير فى تخصيص الموارد عن طريق ملكية مؤسسات حاكمة لحركة الاقتصاد مثل «المؤسسة الاقتصادية» فى خمسينات القرن الماضى فى مصر والتى كانت تتولى توجيه الاستثمارات العامة، دون المساس بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.

•••

من ناحية أخرى تم طرح مقولة «الديمقراطية الموجهة» مقابل مفهوم الديمقراطية الليبرالية الغربية، وكان من أهم من طرحوا هذه المقولة ــ على الصعيد العملى ــ سوكارنو فى إندونيسيا من خلال بناء توافق يقوم على التشاور ليس فقط بين الأحزاب الرئيسية وإنما عن طريق القوى الاجتماعية الفاعلة التى تمثل: عمال المدن والمزارعين فى الأرياف، والمثقفين، ورجال الأعمال، والجمعيات الدينية، والقوات المسلحة، ومنظمات الشباب والتنظيمات النسائية.

وفى كل الأحوال يحتاج أى تغيير فى السياسات الاقتصادية والاجتماعية والخارجية إلى بناء تحالف طبقى جديد تسانده قوى سياسية ونقابية للتعبير عن التوجهات الجديدة ومقاومة الضغوط التى تمارسها جماعات المصالح على الصعيدين المحلى والعالمى. وفى هذا الصدد لابد من إعادة النظر فى تكوين «جبهة 30 يونيو» لكى تكون سلطة 3 يوليو بمؤسساتها الجديدة فى الرئاسة والمجلس النيابى والحكومة المنبثقة عنه تعبيرا عن حلقة جديدة فى مسيرة ثورة 25 يناير.

التعليقات