القلق الوجودي.. رحلة البحث عن معنى الحياة - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 12:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القلق الوجودي.. رحلة البحث عن معنى الحياة

نشر فى : الأحد 10 مارس 2024 - 9:10 م | آخر تحديث : الأحد 10 مارس 2024 - 9:10 م
نشرت جريدة النهار اللبنانية مقالا للكاتبة منى حمدان، تقول فيه إن القلق الوجودى سببه بحث الإنسان عن معنى لحياته، لذا ترى الكاتبة أن هذا النوع من القلق يترك تأثيرا إيجابيا فى الإنسان بإدراكه لذاته الداخلية وقدراته، إضافة إلى تحفيزه على التطور والنمو... نعرض من المقال ما يلى:
لطالما تسلل القلق الوجودى إلى يومياتنا، ورافقنا دائما فى كل خطوة من رحلتنا المليئة بالمشاعر المتناقضة والتقلبات المبهمة. تغمرنا هذه المشاعر، وتغرينا للبحث عن الحقيقة وعن وعينا وأرواحنا، وإعادة جمع ما انفرط منها لإحيائها من جديد.
القلق الوجودى يسبب غالبا شعورا بعدم قيمة الحياة، وأن الوجود لا يحمل أى دلالة أو معنى أو هدف. كما يجذبنا أحيانا للسعى نحو التحرر من شعور الوجود الذى يرغمنا على مواجهة خياراتنا التى ترافقها المخاطرة دائما، فلا يمكن أن نكون على يقين بأن خيارنا صائب دائما.
وعلى الرغم من أن هذا القلق ليس مرادفا للخوف بالضرورة، إلا أننا قد نجد أنفسنا فجأة معرضين للسقوط فى هاوية غامضة، ومحاصرين فى مكان مظلم ومقفل كأنه قبر الحياة.
فهل يمكن أن يكون القلق الذى يعتبر غالبا مصدرا ومرادفا للألم، مفتاحا للفرح؟ نعم، لأنه يشكل فرصة للبحث عميقا فى دواخلنا وعوالمنا، وتحديد معنى وهدف لحياتنا، ويفتح الأبواب أمام تجارب جديدة.
يضع هذا القلق مرآة أمامنا تحمل تساؤلات حول معنى الحياة والوجود والموت، وتعكس صورة صراعنا الداخلى بين الجزء الذى يتوق إلى الحرية والبحث عن المعنى، والجزء الذى يقف فى طريق تحقيق ذلك.
ما هو القلق الوجودى؟ القلق الوجودى ليس مجرد قلق عابر، بل هو استفهام عن الوجود نفسه. وينشأ نتيجة إدراك الشخص الفعلى لحريته فى اتخاذ قراراته الخاصة. فيسأل نفسه عن معنى وجوده، وكيف يمكنه خلق معنى لحياته الشخصية. ينتج عن ذلك شعور عميق بالقلق والتوتر، والتفكير المستمر فى الهدف والمعنى، شعور من النوع الذى يصعب تجنبه.
وبالتالى، تقع علينا مسئولية إيجاد آليات مواجهة نفسية لنتمكن من التأقلم على العيش معه، خصوصا أن أحداث الحياة الرئيسية قد تستفز القلق الوجودى. كما يساعد دائما التحدث إلى الأصدقاء والصديقات للحصول على الدعم العاطفى، واللجوء إلى العلاج النفسى. فمن خلال العلاج، يمكن أن نتعلم كيفية العثور على معنى لحياتنا والتعامل مع التحديات الإنسانية.
لكن ليس بالضرورة أن تحمل الحقيقة دائما الإجابات التى نبحث عنها، بل وهم المعرفة وثقلها أحيانا هو ما يقتل أى معنى فى داخلنا. ولن ينفعنا بعد ذلك الانغماس فى العمل، للتهرب من الأسئلة والأفكار. فعلى الرغم من أنها خطوة لا تترك مساحة للقلق الوجودى، إلا أنها أيضا لا تسمح بخلق مساحة لحياة حقيقية.
ويمكن للرهبة التى تشعل القلق الوجودى فى أنفسنا أن تجعل الحياة أكثر تحديا، كما يمكنها أن تشكل دافعا للنمو والتغيير والتطوير.
• • •
شهدت السنوات الأخيرة معارك هامة وفرضت علينا تحديات كثيرة، أبرزها التغير المناخى، انتشار فيروس كورونا، النزاعات الدولية، الحروب المتتالية، والعنف الذى لا ينتهى. وجميعها أزمات تستفز لدينا غريزة البقاء، وتدفعنا إلى التصرف على أساس أن الموت آت فى أى لحظة.
ووسط كل ما نعيشه، يتزايد التفكير بمعنى الوجود والغاية منه، وننطلق فى رحلة التساؤلات حول وعينا وتجاربنا وخياراتنا التى شكلتنا، ونقترب من نقطة تحول فى مسيرتنا. وقد نكتشف أن الإجابات عن تساؤلاتنا الوجودية موجودة فى طريق رحلة اكتشاف أنفسنا.
كانت هذه السنوات الأخيرة حزينة ومرهقة فى كثير من الأحيان. أحاطنا الموت من كل صوب، وفقدنا أصدقاء وأقارب وأشخاصا نحبهم إلى الأبد. لذلك، كان من المهم بالنسبة إلى كثرة الحفاظ على توازن نفسى يساعدهم فى معاركهم اليومية الحياتية.
ووسط ضجيج الحياة يتعين علينا غالبا أن نوجه أنظارنا نحو دواخلنا لفهم طبيعة وجودنا وإعطاء معنى لحياتنا بأنفسنا بدلا من الحصول عليه من المجتمع والأديان التى تنصب نفسها المسئول الأول عن تحديد ما هو مهم وما هو أخلاقى.
وإن كنت لا أقدس شيئا أو أحدا، إلا أننى أؤمن بأن القلق ليس مشكلة يجب حلها فقط، بل هو أبعد من ذلك بكثير. إنه جزء لا مفر منه من الحياة سيختبره الجميع، لكنه أيضا أمر إيجابى، يساهم فى تعليمنا دروسا هامة حول الحياة التى يجب أن نعيشها بفرح وحرية.

النص الأصلى:

التعليقات