بيروت: الحكاية والحقيقة - فيس بوك - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بيروت: الحكاية والحقيقة

نشر فى : الإثنين 10 أغسطس 2020 - 8:00 م | آخر تحديث : الإثنين 10 أغسطس 2020 - 8:00 م

نشر الكاتب الأردنى «لبيب قمحاوى» على صفحته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعى مقالا... نعرضه فيما يلى:

حتى نضع الأمور فى نصابها الصحيح فإن لبنان دولة عربية محتلة ماديا وسياسيا من قبل دول غير عربية، بالإضافة إلى أنها مخترقة استخباريا وأمنيا بأشكال مختلفة من جميع الدول المؤثرة فى المنطقة، كما أنها مشتتة من الداخل طائفيا وبعمق متزايد، والدولة المركزية فيها هى تجسيد فاسد ومهلهل لهذا الواقع المرِ والمؤسف ولا أحد من الجسم السياسى اللبنانى يستطيع بالتالى أن يدِعى العفة والطهارة.
ما حدث فى بيروت قبل أيام هو أكبر من انفجار وأكثر من حكاية ولكنه بالتأكيد لم يكن حادثا عرضيا، ولن تكون نتائجه بالتالى عَرَضية أو تدميرية فقط. ما حدث يشكل الخطوة الأولى نحو شىء جديد وخطير.
قد يبقى جزء كبير من حقيقة ما جرى لبيروت أخيرا فى ضمير المستتر، وقد لا يبقى كذلك بحكم الظروف السياسية أو تضارب المصالح أو كليهما معا. وفى محاولة فهم ما جرى لبيروت أخيرا فإن الحكمة القديمة تعلِمنا بأن نسترشد بدروس وحِكَمْ الماضى وأهمها فى هذه الحالة: «فتش عن السبب» أو «فتش عن المستفيد» وهذا ما سوف نفعله.
***
الطريقة التى تم بها تدمير بيروت قد تكون العدوان الأكثر دمارا والأسرع تأثيرا والأقل كلفة فى القرن الحالى. ولا داعى لإصدار الأحكام جزافا كما لا يجوز إصدار صكوك البراءة جزافا أيضا لأن كلا الموقفين قد يخدمان العواطف، ولكنهما بالتأكيد لن يخدما الحقيقة وهى مفتاح فهم واستيعاب الأهداف الحقيقية وراء ما جرى وما قد يتمخض عنه.
الصراع الرئيسى فى لبنان هو بين حزب الله ومحور المقاومة من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، بالإضافة إلى الصراع فيما بين الطوائف اللبنانية نفسها.
الأطراف المتصارعة الرئيسية على أرض لبنان قد سارعت إلى نفى أى علاقة لها بما جرى، وبالتالى حاولت التنصل من المسئولية المادية والأخلاقية والمأساوية التى نتجت عن تدمير بيروت. وبالرغم عن اختلاف الأسباب والدوافع وراء ذلك النفى إلا أن النتيجة تبقى واحدة وهى الإصرار بكل جهد ممكن على النأى بالنفس عن ما جرى فى مرفأ بيروت والتنصل من مسئولية حدوثه سواء أكانت تلك المسئولية مباشرة أو غير مباشرة. فحزب الله مثلا وفى واحد من أضعف خطابات حسن نصرالله نفى أى تهمة بالتورط أو أى إيحاء بأن ما جرى كان نتيجة ضربة إسرائيلية استباقية أو تأديبية لحزب الله مما قد يجعله مسئولا مسئولية غير مباشرة عن ما جرى. وما دفع الأمور إلى هذا الحد هو قناعة حزب الله المبكرة بوجود محاولة لتحويله إلى عدو المواطن اللبنانى بصفته المسئول غير المباشر عن دمار بيروت نتيجة إما لعمليات تخريب إسرائيلية أو عدوان مدروس انتقاما من حزب الله بعد أن فشل الحصار الأمريكى ــ الغربى فى سعيه إلى الإطاحة بذلك الحزب وما يمثله من نهج المقاومة للكيان الصهيونى. ونتيجة لذلك، فإننا نلاحظ أن حزب الله وهو ينفى أى مسئولية عما جرى لمرفأ بيروت، يمتنع فى الوقت نفسه عن اتهام إسرائيل بفعل ذلك أو بأنها مسئولة عما جرى حرصا فى هذه الحالة على عدم عودة كرة المسئولية غير المباشرة إلى ملعب حزب الله. أما إسرائيل فتحاول التنصل مما حصل لأنه لا مصلحة لها فى الإقرار بأى مسئولية عن هذا الدمار الوحشى والتدمير الشامل لعاصمة عربية وكذلك تدمير المجتمع المدنى فيها خصوصا بعد أن حصلت على ما تريد بصمت وسهولة عجيبة وتكلفة لا تذكر.
***
ماهية الدولة بالنسبة للطوائف اللبنانية المختلفة ابتدأت تأخذ منحى خطيرا تجسَّدَ فى تباين المواقف تجاه الدولة مما قد يؤدى بالنتيجة إما إلى حرب أهلية جديدة، وإما إلى تقسيم لبنان بمساعدة قوى دولية خصوصا إذا انتفت حاجة بعض الطوائف لبقاء لبنان كيانا واحدا مستقلا. فعندما تشعر الطوائف بعدم الحاجة إلى الدولة، أو أن الدولة أصبحت لا تعبر عن مصالحها كطوائف أو أصبحت عاجزة عن فعل ذلك حتى لو أرادت، فإن سقوطها لا يعنى شيئا بالنسبة لهم.
المراقب بدقة للتطور السريع لمواقف بعض الطوائف فى لبنان قد تصيبه الدهشة من سرعة التعبير عن مواقف خطيرة مما يعكس تفاقم حالة الاحتقان لدى تلك الطوائف والتى تعكس غياب القدرة على تغيير الوضع القائم فى لبنان. إن الموقف المعلن مثلا للبطريرك الراعى والمُطالب بإعلان «حياد لبنان» وهو ما يعنى الصلح مع إسرائيل، وما تبعه من تأييد بعض الزعامات المسيحية مثل سمير جعجع، يعكس درجة عالية من التوتر والاحتقان لما آل إليه الوضع فى لبنان نتيجة قناعتهم بهيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية وعدم تملكهم القوة الكافية لوضع حد لتلك الهيمنة، علما أن الأمراض التى يعانى منها لبنان ونظامه السياسى كانت موجودة لعقود سبقـت ظهور حزب الله كحزب سياسى لبنانى. وعلى أية حال فإن الاستقالات المتزايدة للعديد من النواب والمسئولين اللبنانيين هى بمثابة بداية حرب أهلية سياسية ومؤشر على بداية انهيار الدولة.
هنالك ازدياد فى القناعة خصوصا فى الأوساط المسيحية والسنية اللبنانية باستحالة التخلص من حزب الله منفردا ودون المساس بالدولة اللبنانية. ويبدو، وبالقدر نفسه، أن هنالك قناعة لدى أمريكا وإسرائيل والغرب بأن الدولة اللبنانية قد أصبحت فى الواقع دولة حزب الله فى لبنان. وهنا يبرز السؤال الكبير والخطير: هل العالم الغربى بصدد حصار وتدمير الدولة اللبنانية أم دولة حزب الله فى لبنان؟ أم أن الحل قد يكمن فى تفكيك الدولة اللبنانية إلى دويلات خصوصا وأن سوء الأوضاع وتدهورها أصبح يفوق قدرة الدولة اللبنانية والنظام السياسى اللبنانى على معالجتها؟ هل ما خشِيهُ حسن نصرالله فى خطابه الأخير يحصل الآن بالرغم عنه وفى كل الأحوال؟ وهل يشاهد لبنان الآن بدايات ثورة مسيحية على هيمنة حزب الله وبشكل قد يؤدى إلى بدء عملية تقسيم لبنان تحت طائلة اليأس من القدرة على التخلص من حزب الله وهيمنته على الدولة؟
***
وتبقى الخلاصة أن لبنان بلد مقسَّم على أرض الواقع دون الإعلان عن تقسيمه، والمواطنة فيه انسحبت لصالح الطائفية والانتماء الطائفى. فكل طائفة فى لبنان أصبحت دويلة داخل الدولة، وكل طائفة أصبح لها مرجعيتها الخارجية المرتبطة بها دون أى اعتبار لمصالح الدولة اللبنانية، وأصبح النهج التوفيقى أو التصادمى للدولة اللبنانية انعكاسا لهذا الواقع المؤلم.
لبنان لن يبقى كما نعرفه، والمنطقة سوف تعانى من تفكك لبنان وقد يعكس هذا الأمر نفسه على سوريا، وقد نشهد بداية تنفيذ مخطط بلقنة المنطقة وتفتيتها وإعادة رسم دولها وبشكل يُبقى إسرائيل هى القوة الأكبر والمهيمنة على المنطقة وقائدة الإقليم بلا منازع.

التعليقات