السياسة والحجاب - امال قرامى - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 7:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة والحجاب

نشر فى : الثلاثاء 10 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 10 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

من فرط تعلق الإخوان بالحجاب ساسوا الناس من وراء حجاب برعوا فى إظهار أشياء وتفننوا فى إخفاء أخرى.. وما خفى كان أعظم.

وحين ندرك أن الحجاب فى أصله، وسيلة للتمييز بين الحرائر والإماء، لا نستغرب أن ترسى العلاقة بين القياديين والأتباع على أساس التراتبية الهرمية التى تميز بين الذين يعلمون واللذين يحجبون عن رؤية خفايا الأمور وإدراك كنهها.

ولأن الأتباع منضبطون فإنهم لا يسألون حتى لا تبدو لهم أشياء قد لا تسرهم أو تزعزع قناعاتهم أو تربك هواماتهم.. يقبلون أن يسدل الحجاب عن حقائق لا يجب أن يعلمها إلا المقربون من المرشد. ولا يختلف الوضع مع العوام الذين يساقون قسرا ولا يتساءلون. أما المخالفون فيتم التعامل معهم وفق منطق الحجب. فأنى للمرء أن يكشف نواياه للعدو؟

●●●

بالطبع تحتج المعارضة وتتهم قيادى الإسلام السياسى بازدواجية الخطاب وعدم الإيفاء بالوعود والمواثيق والتنكر للالتزامات، ويتكفل المحللون السياسيون ببيان أسباب لجوء قياديين فى حركة الإخوان أو حركة النهضة أو غيرها إلى «التقية». ولكن فات هؤلاء أن أدبيات الإخوان ترتكز على نسق رمزى لا يزال يفعل فعله فى متخيل الجموع كتفسير الرؤيا والأحلام فمن «رأى أن الله يكلمه من وراء حجاب، حسن دينه وأدى أمانة إن كانت فى يده، وقوى سلطانه. وإن رأى أنه يكلمه من غير حجاب، فإنه يكون خطأ فى دينه، لقوله تعالى: «وَمَا كَانَ لبَشَرِ أن يُكَلِمَهُ الله إلا وَحْيا أوْ مِنْ وراءِ حِجَاب» هذا ما فسره ابن سيرين بشأن دلالة الحجاب، والعهدة عليه، وتحليل ما وراء الكلام شأننا، فالسياسة تقوم من هذا المنطلق، على الحجب إذ به وعليه تتأسس السلطة وتتكرس الهيمنة وتصان المصالح ويغض الطرف عن التجاوزات فى الصفقات وغيرها.

وحين نعلم أن فضائل الحجاب لا تحصى ولا تعد كدفع أسباب الريبة، وستر العيوب.. لا نستغرب اعتماده قاعدة فى إدارة الشأن السياسى. ولكن هل أدرك الإخوان الحكام أن التوسل بالحجاب فى تسيير شئون البلاد قد أوقعهم فى شراكه فحجب عنهم حقائق جمة من ذلك سوء التسيير، وغياب التصور، وانعدام توفر منوال اقتصادى اجتماعى لحل الأزمات.. وبذلك ما كان بإمكانهم الاعتراف بالفشل وقلة الخبرة وسوء تقدير عاقبة الخيارات التى دافعوا عنها فباتوا غير قادرين على رؤية ذواتهم دون حجاب.

●●●

ولئن كان الحجاب لدى العلماء داعية إلى طهارة قلوب المؤمنين والمؤمنات، وعمارتها بالتقوى وحصانة ضد المفاسد فإن أصحاب الإسلام السياسى ما نجحوا فى إبراز المنظومة الأخلاقية حين اعتلوا سدة الحكم بل سقطوا ضحية فتنة السلطة وغواية الملك فانكشفت على مر الشهور عوراتهم، فما جدوى اعتماد الحجاب حينئذ؟

أليس من العبث تشدق الإخوان بتمسكهم بالحجاب الشرعى وتحويله إلى رمز دال على الهوية الإسلامية، وعلامة على سمو المرجعية الإسلامية لأحزاب سياسية والحال أنهم تقلبوا ذات اليمين وذات اليسار وجربوا مختلف النماذج الحجاب التركى والحجاب العلمانى، وحجاب التبرج.. ليفضى بهم الأمر فى النهاية، إلى اختيار البرقع والنقاب فهو الخيار الأوحد والأكثر ملاءمة لسياق جردهم من فضائل ادعوها، وانتزع منهم شرعية نافحوا عنها بلا هوادة وحتى الرمق الأخير، وكشف عوراتهم.

وحين لا يملك الإخوان الشجاعة الكافية لمواجهة الذات والاعتراف بالمسئولية عن ارتكاب الأخطاء والتورط فى العنف ونشر الإرهاب فى البلدان.. لا يبقى أمامهم إلا اللجوء إلى النقاب: وسيلة تنم على مزيد التعنت فى حجب الحقائق وعلامة دالة على ثيوقراطية الحكم وفاشية الأساليب.

وإلى أن يتخذ الإخوان قرار نزع الحجاب وإدارة السياسى بمعايير المسئولية والشفافية والحوكمة الرشيدة وغيرها من الأساليب الديمقراطية نقول: اللهم قنا فتنة الحُجب.

 

أستاذة بالجامعة التونسية

التعليقات