المرأة والمجتمع وعدم إلزاميتها - نادين السيد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المرأة والمجتمع وعدم إلزاميتها

نشر فى : الأحد 11 سبتمبر 2022 - 7:30 م | آخر تحديث : الأحد 11 سبتمبر 2022 - 7:30 م

«المرأة غير ملزمة بالطهى» و«غير ملزمة بالرضاعة»، إطلاقا مطلقا. المرأة فى مجتمعنا ملزمة بالطهى والرضاعة وتربية الأطفال وتجديد الأوراق الرسمية للأسرة بأكملها، والمذاكرة والمشاوير والتطعيمات الدورية وقميص زوجها المكوى وأزراره الناقصة وتدريبات الأطفال وكورس الإنجليزى ولانش بوكس المدرسة.
المرأة المصرية ملزمة إلزاما كاملا بكل ما يخص أبناءها وزوجها وبيتها، بل وأن ٣٠% من السيدات ملزمة أيضا كليا بمصاريف الأسرة وتعتبر العائل الأول لأسرتها.
وبالرغم من أن ثلث الأسر المصرية على الأقل تعتمد بشكل رئيسى على دخل المرأة، ونسبه كبيرة أخرى تعتمد على دخلى الأب والأم معا، فالواقع الذى نعيشه الآن بعيد كل البعد عن المشاركة العادلة بين الزوجين الذى يتطلبه الواقع المعاصر من احتياجات الأسرة، وفى الوقت ذاته فهو بعيد كل البعد أيضا عما نصه الإسلام من إعالة المرأة وكون الرجل قواما. فلم نطل سيدة المنزل التقليدية، ولا الشريكة الكاملة المعاصرة، ولا حتى strong independent woman (أو السيدة القوية المعتمدة على نفسها) حرة نفسها.
فبمعرفتى بالكثير من الأمهات المصرية أكاد أجزم أن طموحهن فى الحقوق المنزلية أبسط بكثير وأبعد بكثير عن المطالبة بأجر رضاعة أطفالهن، فالكثير من النساء المصريات تتحملن مسئوليات المرأة الغربية المعاصرة خارج المنزل – من متطلبات العمل وحتى المشاوير اللامتناهية التى كانت تقضى من قبل رب الأسرة قديما وأصبحت من اختصاصها لكونها امرأة معاصرة وما إلى ذلك ــ وفى الوقت ذاته تتحملن مسئوليات المرأة التقليدية أيضا كاملة، من حيث العمل المنزلى وخدمة الزوج والأسرة، فى الأغلب بدون أى مساعدة أو حتى مساندة من الزوج أو المجتمع أو سوق العمل.
فأصبحت المرأة الآن القائم بأعمال الأب المعيل فى سوق عمل لا يرحم بل ويميز ضدها لكونها أما أو زوجة، دون أن تستغنى عن مهنتها التقليدية كربة منزل فى بيت يتوقع منها القيام بكافة أموره بدون تنازلات لتثبت أن عملها – الذى بات ضرورة مادية للأسرة وليس رفاهية – لم ولن يؤثر على واجباتها المنزلية. فتحملت المرأة حملا فوق حملها الأول، وأصبحت دائما فى محاولات مضنية للسير يوميا بهذا الحمل الثقيل وسط جمهور من زملائها فى العمل والأهل والأقارب والزوج والأولاد وحتى السوشيال ميديا يترقبون كيف تعادل بين العمل والبيت والمشاوير وما إذا سيقع منها حبة متناهية الصغر من ذلك الحمل التى أجبرت عليه لينصبوا لها المشانق.
أجرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة دراسة فى مصر بينت أن نحو ٨٧ بالمائة من الرجال ونحو ٧٧ بالمائة من النساء مؤمنون أن الاعتناء بالأطفال ومهام المنزل تقع مسئوليتها كاملة على المرأة بدون أى مسئولية على الأب. ومع ذلك، فالنساء يمثلن ٢٤ بالمائة من القوى العاملة. ففى نظرة المجتمع، المرأة هى المسئول الأول والأخير عن البيت والأولاد. وفى واقع المجتمع، المرأة لا تمتلك رفاهية عدم العمل فالكثير من النساء فى احتياج لذلك العمل، ليس من باب النسوية وحقوق المرأة – مع أن هذا حق مشروع تماما حتى فى حالة عدم الاحتياج – ولكن لتلبية حوائج أسرتها المادية ومشاركة الرجل فى الحمل، حتى وإن لم يشاركها نفس ذات الرجل حملها هى. وتلك الحرب تستمر داخل وخارج البيت، من حيث ضياع الكثير من فرص العمل على السيدات لرفض الزوج طلبات بسيطة يمكنه أن يقدمها لتسهيل الأمر على زوجته العاملة: مثل مثلا توصيل الأولاد إن سمحت ظروف عمله. فطالما يكون الرد بأن هذا اختيارك ويجب عليك تحمله وحدك. هذا بجانب طبعا الحرب لمكافحة التمييز فى الكثير من الأشغال ضد عمل المرأة وخصوصا المرأة المتزوجة أو الأم للتخوف من عدم إمكانيتها الموازنة بين أسرتها ومسئوليات عملها، لذا فكثيرا ما يتخطاها المديرون فى الترقيات أو يفضل المرشح الرجل، حتى وإن كان أبا، لضمان تفرغه.
وإن فكر لا قدر الله زوج أن يشترك فى الاعتناء بأولاده أو حتى فى المهام المنزلية، لا يسلم جانبه من النقض والتنمر والسخرية من الأقارب والأصدقاء، لكونه يقوم بمهام «نسائية» أجبرته زوجته العاملة القيام بها برغم أنفه – فى وجهة نظرهم طبعا – وليس لأنه والدهم تماما مثل ما هى والدتهم. فحتى وجود أب على جروب الواتساب للفصل مثلا أصبح شيئا شاذا ومجال نقد لأنه يسمح لزوجته بالعمل ويشارك هو، حاشا الله، فى مسئولية تربية أبنائه.
وذلك العبء يعنى أن كثيرا من النساء يجدن نفسهن غير قادرات على الموازنة، وبالتالى تصبح معتمدة ماديا كليا على زوجها، وفى حالة الانفصال، تجد نفسها فجأة بلا دخل ولا ادخار ولا أى ممتلكات باسمها لتصبح تحت رحمة النفقة التى كثيرا ما تضطر اللجوء إلى أحكام قضائية والانتظار شهورا كثيرة لأخذها، إن قدرت على تحمل المصاريف القضائية وانتظار محكمة الأسرة.
معظم السيدات لا ترغبن فى أجر لرضاعة أبنائهن، ولا خطر على بالهن، معظم السيدات يرغبن فقط فى عيشة كريمة لهن ولأولادهن، ومشاركة أزواجهن فى أمور أسرتهن وبيتهن، تماما مثلما تشارك الكثيرات منهن فى الأعباء المادية لأسرتهن.
أستاذ مساعد بقسم الإعلام فى الجامعة الأمريكية

نادين السيد أستاذ مساعد بقسم الإعلام في الجامعة الأمريكية
التعليقات