الطابع الإكراهى للدستور الإخوانى وانحسار الشرعية - حامد الجرف - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 7:41 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الطابع الإكراهى للدستور الإخوانى وانحسار الشرعية

نشر فى : السبت 12 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 16 مايو 2022 - 8:07 م

فى تعقيب على رأى الكاتب الكبير الأستاذ هيكل بأن الدستور قد تم تمريره بالإكراه، قال الدكتور عصام العريان بأن الحديث عن الإكراه كذب وافتراء، مذكراً بقول الحق سبحانه وتعالى «كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً» فهل حقاً ما قال؟ أم أن الآية الكريمة التى ذكّر بها قوله تعلق عليه وترتد إليه؟

 

• ويقولون ــ شرعاً ــ إن الإكراه هو كل ما صدق عليه الإلزام بالضرورة الملجئة إلى قول أو فعل على غير إرادة صاحبه، متى كان الإكراه من ذى قدرة عليه. فإن كان ذلك، فإن حكم ما يصدر من قول أو فعل للمكره بعكس إرادته ومعتقده، أنه لا ينتج أثره لتعيب رضاه، يقول الحق سبحانه (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان).

 

•وجميعنا يتذكر، (1) بأن جمعية الغريانى التأسيسية قد قضى بحل سابقتها لمعايب لم تسلم هى منها، (2) وأنه لم ينظر فى أمر إعادة تشكيلها نكثاً لوعد قطعه صاحبه، (3) وأنه جرى اصدار قانون بمشروع اتخذه مجلس منحل وبعد انحلاله، بقصد شرعنة معايير اختيارها، (4) وأن ثمة دعوى أقيمت بطلب حل تلك التأسيسية هى الأخرى (5) وجرى تعطيل تلك الدعوى بكل حيل الإعاقة الممكنة، (6) وصرح بعض أعضاء تلك التأسيسية بأنها حتى لو حلت، فإن رئيسهم سيعيد تشكيلها بذات أعضائها!!، (7) وأُستبق الحكم فى دعوى حلها بإعلان غير دستورى بتحصينها (8) وتضمن ذات الإعلان من الأحكام ما يكرس سلطة استبداد فرعونية غير مسبوقة بما يجعل منه فى مجمله سيفاً مسلطاً على الناس حتى استفتائهم على ما طرح عليهم (9) وإذ ألغى ذلك الإعلان غير الدستورى، أُستبقيت آثاره رغم عوارهما معاً، (10) وحوصرت المحكمة فلم تتدخل  الدولة وبمقتضى نص ذلك الإعلان غير الدستورى، من فك أسرها من بعد أن عطل الحصار أدائها لدورها المنوط بها، (11) وإذ أزف موعد إنهاء التأسيسية لعملها، ُتمهَل بذات الإعلان لإتمامه (12) ورغم انسحاب كل ما عدا الإسلاميين منها، فإذ بها تُصعِد من تسد بهم خلة نقص تشكيلها (13) وإذ تغيب الكنيسة، يزعم أحدهم أنه ممثلها!!، (14) وإذ بتلك التأسيسية تنهى مهمتها بليل فى سابقة ماراثونية تؤرخ (15) وإذ بالأمر يرفع لمن ينتظره فيدعو للإستفتاء عليه فى اليوم المتمم لمهلة الدعوة إليه، (16) وإذ يواجهون إمتناع القضاة عن الإشراف على الاستفتاء، يلجئون لتجميع الصناديق بما يستحيل معه الإشراف القضائى لمجرد استتمام للشكل.

 

•••

 

• كل ذلك بالإضافة لملابسات أخرى للاستفتاء منها: (17) المواجهات العنيفة من تشكيلات إخوانية مدربة ومسلحة أوقعت قتلى ومصابين بمحيط القصر الرئاسى (18) والتكثيف الدعائى السابق على الاستفتاء توظيفاً لتقنية الفتوى الدينية بوصم الآخرين بالكفر، (19) واستغلال المساجد فى العمل السياسى خلافاً لصحيح الحديث الشريف (إذا رأيتم من ينشد ضالته فى المسجد فقولوا: لا رد الله عليك ضالتك، فإن المساجد لم تُبن لهذا) فإن كان لا يجوز نشدان الضالة بالمسجد، أفيحق لهم فيه دعوى الضلال؟ (20) فضلاً عن خروقات عدة رصدتها جهات حقوقية عديدة فى إجراءات الاستفتاء ذاته، (21) ومن بعد إعلان نتيجته يكشف لقاء مصور لأحد أهم متحالفى الإخوان جوهر المؤامرة التى لم تغب للحظة عن كل مراقب منذ بداية عمل التأسيسية وما تسرب عنها من صياغات ملغومة، ليؤكد المعادل الموضوعى للإكراه، وهو الجوهر المعيب للموضوع المستكره عليه.

 

•••

 

• هذا كله فضلاً عن النقد الكلاسيكى المتواتر طعناً فى نتائج الاستفتاءات الدستورية فى بلدان العالم النامى وإهداراً لقيمتها كآلية وحيدة لشرعنة أى إجراء.

 

• أبعد تلك التجليات الإكراهية كلها، وبعد اشهار سيف الاستبداد الفرعونى بإعلان 21 نوفمبر غير الدستورى، والحركة الخشنة على الأرض، والتسارع الأدائى إلى حد العجلة الجهول، ليس ثمة إكراه على الاستفتاء وليس ثمة طابع إكراهى للمستفتى عليه، بما يناقض طبيعته باعتباره عقداً اجتماعياً جامعاً للجماعة الوطنية؟!

 

• وأُذكر العريان بأمرين أولهما: أن استتمام الشكل وحده لا يقيم شرعية، ولا يسند ادعاء، ولا يثبت حقاً، وثانيهما: أن الإنكار المجرد لا يعد نفياً ولا يزيل ثابتاً، فالنفى فى جوهره نشاط إيجابى يقوم على تفكيك بنية المثبت وإقامة ما يناقضه وتقديم الدليل المقنع على وجوده، والبرهان المؤكد لصحته. وعليه فلا الإنكار يزيل ما تصور نفيه له، ولا استتمام الشكل كاف للقول بشرعيته.

 

• وإذا كان الحق ما شهدت به الأعداء فإن تدوينة د.سيف عبدالفتاح التى قال فيها: بأن (نعم لم تكن بالقوة التى تدل على التوافق، وأن لا كانت من التأثير بما يشير للإنقسام والاستقطاب) تغنينا فى نفى التوافق عنه، أما إلصاق الطابع الإكراهى به، فليس أدل عليها مما سقناه. ونعود لنذكر بالأرقام فإن 35 مليوناً تخلفوا عن التصويت، منهم ثلثيهم على الأقل شاركوا فى الانتخابات السابقة، كما وأن ثلثى المصوتين اعترضوا صراحة بلا، وصوت ثلثيهم بنعم بما إجماليه حوالى عشرة ملايين ناخب، ويشكلون وفقاً لنتيجة الإنتخابات الرئاسية السابقة ضعف القوة التصويتية لجماعات الإسلام السياسى مجتمعة، بما معناه أن لدينا ثلث من ذهبوا للاستفتاء قد حُشدوا كَرهاً عنهم، وثلثهم صوتوا صراحة بلا، كما وأن لدينا ثلثى الهيئة الناخبة فى مجملها، أحبطتها تجليات الإكراه السابقة على الاستفتاء فامتنعت عن المشاركة فيه.

 

•••

 

• ولا ينبغى لمؤيدى النظام أن يتغافلوا عن تآكل شرعيته كأثر حتمى لكل ما سبق، فإن كان السند الدستورى والديمقراطى الوحيد لشرعية النظام القائم، هو ما أسفرت عنه الانتخابات الرئاسية الماضية، فإن النسبة التى انتخب بها الرئيس ــ وقد كانت على حرف ــ قد تراجعت لما دون ذلك بما يجعل شرعية النظام كله أدنى من الحد الذى يؤمِن الحركة السلمية للوطن نحو المستقبل.

 

• وإذا كانت شرعية النظام قد تراجعت يقينا فإن اصدار الرئيس الحالى لما أسمى بالاعلانات الدستورية بعد انتخابه، تجاوزاً لصلاحياته الدستورية التى انتخب على أساسها، قد أعاد سلطته لما كانت عليه سلطة المجلس الأعلى السابق عليه، فكلاهما يعد من قبيل «الحكومة الواقعية» وهى تلك التى تحكم دولة ما فى ظروف استثنائية غير معتادة إبان حرب أهلية أو احتلال أو عقب انقلاب أو ثورة، والتى تصل للسلطة بغير الطريق المقرر بالدستور السابق عليها، أو تنقلب هى على الإطار الدستورى الذى أتت فى إطاره للحكم فتتجاوزه فى صلاحياتها، فتنحسر شرعيتها الدستورية عنها وتستحيل بذلك  لحكومة واقعية ولا ترتد الحكومة الواقعية لتعود سيرتها التى تنبغى لها كحكومة دستورية إلا بالأحتكام لحمى دستور صحيح، ذلك أن النظام الذى ينتخب بناءً على إعلان دستورى سابق عليه، ثم يتجاوز صلاحياته المقررة به ويستلب لنفسه دون سند اختصاصات تأسيسية باصدار إعلانات يسميها دستورية، ينحدر من مصاف النظام الدستورى لمستوى الحكومة الواقعية على الرغم من وصوله للحكم بالانتخاب، فما بالنا والنظام القائم تجاوز ذلك بجمعه سلطتى التنفيذ والتشريع، وبوضع نفسه فى عداء سافر مع سلطة القضاء، واعتدى على نحو فج على مبدأ خضوع الدولة للقانون، ومارس من التجاوزات ما استهدف به فرضاً لما اعتبره دستوراً للبلاد؟!.

 

•••

 

• ولذلك فإن النظام القائم يعد من قبيل الحكومة الواقعية التى لا يمكن اسباغ أى شرعية دستورية عليها إلا بعد أن  تتمكن المحكمة الدستورية من اصدار أحكامها فى الدعاوى المطروحة عليها من قبل الاستفتاء طعناً فى دستورية قانون انتخاب الشورى والتأسيسية مع ما يترتب على ذلك من آثار، وانصياع النظام طوعاً لمقتضى تلك الأحكام، ثم تشكيله لتأسيسية جديدة بدلاً من استمراره فى تجديفه الذى هو عليه. ومن نافلة القول أن الاستفتاء الأخير لا يصحح عملاً صادراً عن تاسيسية منحلة من أصل خلقتها وباطلة منذ كانت، هى ومجلس الشورى الذى يراد فرضه كمجلس تشريعى بهتاناً وزوراً، وقى الله مصر مما يراد بها.

 

 

 

رئيس محكمة استئناف أسيوط سابقًا

حامد الجرف قاضٍ مصري سابق
التعليقات