التحرش الجنسى.. ثم ماذا؟ - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التحرش الجنسى.. ثم ماذا؟

نشر فى : الأربعاء 13 يونيو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 13 يونيو 2012 - 8:00 ص

نالت المرأة المصرية جانبا كبيرا من حقوقها السياسية والاجتماعية بعد نضال مجتمعى طويل، اعتمدت فيه على نفسها أحيانا واستعانت بمؤازرة الرجل أحيانا أخرى. وإن كانت نسبة كبيرة من النساء فى الريف والصعيد بقيت حتى الآن محرومة من كثير من حقوقها فى الإرث والزواج والمكانة الأسرية.. فما زال الرجل يفرض سطوته ويضع قوانينه دون منازع.

 

ولهذا السبب لم يكن ما رأيناه فى شوارع القاهرة من مظاهرات التحرش الجنسى غير انعكاس لبيئة لم تتوافر لها أسباب التوازن المجتمعى. فحين خرجت المسيرة النسائية للاحتجاج على ما تلقاه الفتيات المشاركات فى مظاهرات ميدان التحرير من إهانات ومحاولات للتحرش بأجسادهن والعبث بهن من جانب مجموعة من البلطجية وغير البلطجية يوم «جمعة الإصرار»، لم يكن أحد يتخيل أن يشكل المتحرشون حصارا على المسيرة للتضييق على الفتيات والإساءة لهن، والاستفراد بهن دون أدنى حماية أو مساعدة من الشرطة، ولا حتى من شباب الثورة الذين اختفوا تماما. وقالت بعض الفتيات إن بعض هؤلاء الشباب تظاهر بأنه يعمل على حمايتهن ولكنه كان يشارك فى التحرش!

 

فى رأى البعض أن العملية فى جانب منها تبدو ممنهجة، لإكراه البنات على عدم النزول إلى ميدان التحرير، وتخويفهن من المشاركة فى المسيرات والمظاهرات. وادعت صحف أجنبية أن هذه الممارسات استهدفت إبعاد المرأة عن المشاركة فى حركة الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية والمنددة بالمجلس العسكرى.

 

ويستسهل الكثيرون اتهام الدولة بأنها وراء هذه المجموعات المنظمة التى تشن هجماتها على المرأة وتنتهز فرصة الهرج والمرج الذى يسود المسيرات للتحرش بهن على هذا النحو المسىء لسمعة مصر وللثورة التى رفعوها إلى عنان السماء. ولكن ما خلفته المليونيات والمظاهرات وراءها فى ميدان التحرير من أكوام القمامة وخريجى العشوائيات والباعة المتجولين بحيث صارت تجتذب شراذم العاطلين والبلطجية أكثر مما تجتذب شباب الثورة ــ كان لابد أن ينعكس على مسيرة الاحتجاج النسوية ويجعلها  عرضة لإساءات غير محسوبة.

 

وخذ عندك مثالا آخر يدل على ازدواجية المعايير فى مجتمع مفكك تظلم فيه المرأة، وتدفع ثمن مطالبتها بحقوق مساوية للرجل والمشاركة فى الثورة، حتى يسألها البعض: «إيه اللى ينزلك ميدان التحرير؟»، فقد انهمك الرأى العام والإعلام فى فضح الفتاة التى ضبطت مع النائب السلفى فى سيارة على طريق القليوبية فى وضع مخل.. اهتمت النيابة العامة بضبط الفتاة وسؤالها واحتجازها والتحقيق مع أهلها.. أما الشيخ ونيس مرتكب الفعل الفاضح فقد مزق البوليس المحضر لأنه عضو بمجلس الشعب. ولم نسمع شيئا عن ملاحقة النيابة له أو استجوابه. وكأن العملية كانت من طرف واحد هو الفتاة!

 

مثل هذا الحادث لابد أن يثير تساؤلات تشجع على الانحراف وتبرر تصرف الشباب بهذه الصورة التى عكستها مظاهرات التحرش فالفتاة دائما هى المذنبة. أما الرجل فمعفى من الحساب والعقاب. ولذلك أثارت مسيرات التحرش التى جرت فى شوارع القاهرة ووصفتها بعض الصحف الأجنبية بأنها كانت تمثل هجوما وحشيا على المرأة شعورا بالخزى والعار، كان الوحيد الذى عبر عن أسفه واعتذاره له هو الدكتور البرادعى. أما الرأى العام والمسئولون فقد التزموا صمتا مريبا غير مفهوم.

 

لقد كنت دائما من أصحاب الرأى الذين يؤكدون حق المرأة فى الدفاع عن نفسها، دون انتظار لحماية الدولة أو لتدخل الرجل.. ولا يكفى أن تردد المسيرات تلك الشعارات الخائبة والتغريدات التافهة: «اتحرش كمان وكمان.. بكره اقطع إيدك من الميدان». لقد استغنينا بالتغريدات والشعارات عن العمل الإيجابى.. فالمرأة هى التى بوسعها أن تقطع يد المتحرش. وفى أوروبا تستخدم رشاشات «سبراى» تدفعها الفتاة فى وجه المعتدى فتطلق رذاذا يفقده البصر بضع دقائق. هذا إذا لم تكن قد أتقنت فنون المصارعة والجودو للتغلب على من يهاجمها. ولذلك تختفى حالات التحرش عندهم إلى حد كبير.

 

ونحن نرى كيف تشارك الفتيات فى المظاهرات والاعتصامات بأعداد كبيرة جنبا إلى جنب مع الشباب فى الدول الأوروبية. ولا تقع مثل هذه الفضائح التى تلطخ جبين مصر.

 

المرأة أصبحت مطالبة بالعمل الإيجابى.. بالاعتماد على نفسها بدلا من الاكتفاء بكتابة المقالات والتغريدات وإصدار البيانات التى يتجاهلها المجتمع.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات