معضلات المرحلة الثانية من خطة ترامب لغزة والحلول المقترحة - أحمد فاضل يعقوب - بوابة الشروق
الجمعة 12 ديسمبر 2025 8:19 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما تقييمك لمجموعة المنتخب المصري في كأس العالم برفقة بلجيكا وإيران ونيوزيلندا؟

معضلات المرحلة الثانية من خطة ترامب لغزة والحلول المقترحة

نشر فى : الجمعة 12 ديسمبر 2025 - 6:35 م | آخر تحديث : الجمعة 12 ديسمبر 2025 - 6:35 م

حان الوقت لتنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب لغزة، والمتضمنة فى قرار مجلس الأمن رقم 2803 الصادر فى 17 نوفمبر 2020، ويبدو فى الأفق عدة صعوبات بل قد تكون معضلات فى طريق تنفيذ هذه المرحلة الثانية، أخذًا فى الاعتبار أن تنفيذ المرحلة الأولى بدورها لم يمر بدون انتهاكات جسيمة كذلك من الجانب الإسرائيلى، وقد تمثلت فى استمرارها فى انتهاكات وقف إطلاق النار مما أدى لمئات القتلى والجرحى، كما استمرت فى محاولاتها تهجير الفلسطينيين سواء إلى دول إفريقية مثل جنوب إفريقيا، أو حتى سعيها لفتح معبر رفح من جانب واحد وهو ما رفضته مصر، إضافة إلى التلكؤ فى إدخال المساعدات بشكل كامل، وإعادة تهيئة المستشفيات والمخابز والمياه والكهرباء.
معضلات المرحلة الثانية
تتضمن المرحلة الثانية إنشاء عدة مؤسسات مهمة فى إطار تحقيق أهداف عاجلة تتعلق بثبيت وقف إطلاق النار ومراقبته، وتحقيق الأمن فى غزة، وإعادة الإعمار، والانسحاب الإسرائيلى المتدرج، وصولا إلى الأهداف على المدى الأطول وهى عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة بعد تحقيق إصلاحات، ثم الطريق الموثوق نحو تقرير المصير وإنشاء الدولة، وقد تبين وجود معضلات فى إنشاء هذه المؤسسات كما يلى:
أولا: إشكاليات إنشاء مجلس السلام (BOP)
تبدو أهميته فيما نص علية قرار مجلس الأمن (بصفة مجلس السلام إدارة انتقالية ذات شخصية قانونية دولية، تضطلع بوضع الإطار وتنسيق التمويل لإعادة تطوير غزة وفقا للخطة الشاملة، وبما يتسق مع مبادئ القانون الدولى ذات الصلة، كما يطلع بدوره فى الاستئناف الكامل للمساعدات الإنسانية)، كما سيكون مناطا به إنشاء قوة تحقيق الاستقرار الدولية (ISF). وهو بذلك السلطة العليا لإدارة كل ما يتعلق بغزة خلال العامين القادمين، وإلى أن تتسلم منه السلطة الفلسطينية.
تبدو الإشكالية الأولى فى أن هذا المجلس لم يعلن عن أعضائه حتى الآن، وإن كان ترامب قد أعلن أنه سيترأسه شخصيا، كما تضمنت خطته فى نقاطها العشرين قيام تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى الأسبق بدور فيه.
ونظرا للدور الرئيسى الذى سيقوم به هذا المجلس فى تسيير حاضر غزة ومستقبلها، ومن ذلك الإشراف على دخول وخروج الفلسطينيين، وإعادة الإعمار، والانسحاب الإسرائيلى، فمن المهم مشاركة الدول العربية والإسلامية الثمانية التى قامت بدور رئيسى ومهم مع الرئيس الأمريكى، فى الوصول لخطته ثم إصدار قرار مجلس الأمن، منذ اجتماعها معه فى نيويورك فى 23 سبتمبر 2025، وأن تبادر بالانضمام لهذا المجلس ومعها ممثل عن جامعة الدول العربية، وممثل عن السلطة الفلسطينية، بما يضمن المشاركة فى قرارات المجلس المصيرية الخاصة بالقطاع، كما سيؤدى ذلك لكسب ثقة الفصائل الفلسطينية والشعب الفلسطينى بشكل عام، ويقلل من شكوكهم، التى لهم حق فيها، بأن هذا المجلس هو سلطة وصاية أو احتلال جديدة.
ثانيا: أهمية أن يكون مقر مجلس السلام فى مصر
لم يعلن إلى الآن مكان انعقاد مجلس السلام، ولكن أنشأت الولايات المتحدة فى جنوب إسرائيل مركز التنسيق المدنى العسكرى، بهدف مراقبة وقف إطلاق النار وتنسيق المساعدات، وإعداد خطط لمستقبل غزة، وقد نشرت صحيفة الجارديان فى 8 ديسمبر 2025 تقريرا يفيد باتهامات أمريكية للجانب الإسرائيلى بالتجسس على أعماله، وقد يكون من المهم الأخذ فى الاعتبار ألا يكون مقر المركز هو المقر المزمع لمجلس السلام، لأن وجوده فى إسرائيل سيكون محل شكك كبيرة من الشعب الفلسطينى بأن حكم غزة لايزال يدار من داخل إسرائيل، كما أنه سيعوق تمثيل الدول غير المطبعة مع إسرائيل فيه، ولذلك من المهم مطالبة الدول العربية والإسلامية أن يكون مقر مجلس السلام فى مصر وقريبا من الحدود مع غزة، إلى أن تسمح الظروف الأمنية بانتقاله إلى داخل غزة.
ثالثا: إشكاليات إنشاء قوات تحقيق الاستقرار الدولية (ISF)
لم يعلن إلى الآن عن تشكيل هذه القوات، وقد خلا قرار المجلس من تفاصيل حول هيكلها، وقيادتها، وإعدادها، ونوعية سلاحها، والأهم المرجعية التى تستمد منها دورها، وهل هو الفصل السابع الذى يجيز لها استخدام القوة المسلحة لفرض مهامها، أى إنها فى هذه الحالة «قوة فرض السلام»، أم إنها فقط ستعمل وفق الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، ويكون دورها فقط حفظ السلام.
بالإضافة لذلك، فقد أثارت الدول الإسلامية التى كانت قد أبدت استعدادا من قبل للمشاركة بقوات تحفظات على المشاركة فى نزع سلاح حماس، وهى «باكستان، وأذربيجان، وإندونيسيا»، فقد صرح وزير خارجية باكستان فى 2 ديسمبر 2025، وأثناء زيارة وزير الخارجية المصرى لإسلام أباد، بأن باكستان جاهزة للمشاركة بقوات، ولكنها ليست على استعداد لمواجهة حماس والمشاركة فى نزع سلاحها، و«هذه ليست وظيفتنا» وأن المهمة هى حفظ السلام وليس فرض السلام، كما أضاف أن أذربيجان تشارك باكستان نفس المخاوف، كما طالب الوزير الباكستانى بأن تكون هناك مرجعية واضحة لهذه القوات.
أما تركيا فقد تحفظت إسرائيل على مشاركتها نظرا لمواقفها المعادية للإبادة الإسرائيلية، كما صرح وزير الخارجية التركى بأنه يفضل تواجد شرطة فلسطينية أولا قبل إرسال هذه القوات.
وقد تمثلت تحفظات الدول التى كانت تعتزم إرسال قوات فيما يلى:
1- لا تريد أن تظهر أمام الرأى العام فى بلادها بأنها تشتبك مع الفصائل الفلسطينية، وبالتالى تبدو مشاركة فى تنفيذ الأهداف الإسرائيلية.
2- أقلقها استمرار انتهاكات إسرائيل لوقف إطلاق النار، ولا تريد أن يحدث ذلك أثناء تواجدها، فتبدو وكأنها قوات شكلية بلا دور فى حماية المدنيين الفلسطينيين.
3- بعض هذه الدول ومنها باكستان، لا تريد أن تكون مشاركتها بابًا خلفيًا للتطبيع مع إسرائيل، حيث إن من مهام هذه القوات التنسيق مع إسرائيل، خاصة فى موضوعات تسلم الأراضى التى سوف تنسحب منها القوات الإسرائيلية، وفق جداول زمنية مرتبطة بعملية نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وهو ما عبرت عنه، على سبيل المثال، صحيفة Dawn الباكستانية العريقة فى مقال عكس رأى هيئة تحريرها بتاريخ 24 نوفمبر 2025، كما طالبت الصحيفة الدول العربية والإسلامية بإعادة النظر فى تأييد خطة ترامب باعتبارها تضع أولوية لأهداف إسرائيل، ولا تمثل أى طريق واضح لإنشاء الدولة الفلسطينية، كما تفشل فى محاسبة إسرائيل.
رابعا: التعامل مع إشكالية سلاح حماس
فيما يتعلق بإشكالية سلاح حماس، فيبدو أن الجانب الأمريكى بالفعل قد أخذ مصلحة إسرائيل فى أولوياته والتى ضمنها فى خطته بجعل غزة منزوعة السلاح، دون أن يضع إجراءات مماثلة تمنع إسرائيل من تكرار هجمات الإبادة على غزة، وموضوع سلاح حماس فى جوهره له رمزية لدى الطرفين الإسرائيلى من جانب، وحماس والفصائل من جانب آخر، فإسرائيل تدرك أنه فى الظروف الحالية فإن حماس لن تشكل أى تهديد لها خاصة بعد كم التدمير والخسائر البشرية، والوضع على الأرض، ووجود قوات دولية، وقبول لوقف دائم لإطلاق النار، ولكنها فى تمسكها بنزع سلاح حماس تريد تأكيد فرض إرادتها وانتصارها، وإعلاء سرديتها بالقضاء على حماس، أما رمزية السلاح لدى حماس وتمسكها به فهو بالنسبة لها تأكيد لسرديتها بعدم الانكسار ولا الهزيمة رغم كل التضحيات، فالسلاح هو حماس وحماس لا وجود لها بدون السلاح.
• • •
وفى ضوء أهمية إنشاء هذه القوات الدولية لدورها الأساسى فى تنفيذ المرحلة الثانية، وحتى لا يستمر الوضع الراهن بتكريس احتلال إسرائيل لنحو نصف غزة، وحلا لإشكالية سلاح حماس، أقترح ما يلى:
1- حدوث تفاهمات بين الدول العربية والإسلامية الثمانية مع الولايات المتحدة على أن تتم معالجة هذا الموضوع أساسا بالتفاوض مع حماس، حيث لم يفرض القرار نزع سلاحها بالقوة، بل أناطت خطة ترامب ذلك لمراقبين محايدين، ولما كان قرار مجلس الأمن قد ربط الانسحاب الإسرائيلى، وفق جداول زمنية، بعملية نزع السلاح، فيمكن إقناع حماس بتسليم السلاح بشكل رمزى للجنة الفلسطينية التى سوف تتشكل لإدارة القطاع، كما أنها لن تكون فى حاجة لكى يظهر أعضاؤها علانية حاملين أسلحتهم ما دامت إدارة القطاع ستكون من خلال لجنة فلسطينية وشرطة فلسطينية، وفى وجود القوات الإسلامية والعربية، خاصة وقد قبلت حماس ألا يكون لها دور فى حكم القطاع.
2- أهمية الإسراع لذلك فى ترشيح مصر، بحكم معرفتها بغزة، للشخصيات الفلسطينية من غير السياسيين والتكنوقراط المناط بهم تشكيل لجنة إدارة القطاع، كما قد يكونوا من الأساتذة الجامعيين الفلسطينيين المقيمين فى الدول العربية.
3- لما كانت قوات تحقيق الاستقرار الدولية (ISF)، سوف تعمل، حسب قرار مجلس الأمن، مع قوات شرطة فلسطينية جديدة ومدربة للمساعدة فى تأمين المناطق الحدودية واستقرار البيئة الأمنية، ولما كانت مصر قد دربت بالفعل أعدادا مناسبة من الشرطة الفلسطينية، فقد يكون من المهم البدء فى نشر هذه القوات فى غزة بالتنسيق مع الأطراف المعنية ومنها حماس، كمقدمة مشجعة للدول الإسلامية للمشاركة بقوات عسكرية (ISF),
4- من المهم التركيز على المهام الأخرى التى حددها قرار مجلس الأمن لقوات تحقيق الاستقرار الدولية (I S F) والتى لا تقتصر على نزع وتدمير سلاح حماس، وذلك لكى تقتنع الدول المترددة بالمشاركة فى هذه القوات، وهذه المهام هى:
المساعدة فى تأمين المناطق الحدودية، واستقرار البيئة الأمنية فى غزة وحماية المدنيين، والعمل الإنسانى، وتدريب قوات الشرطة الفلسطينية، والتنسيق مع الدول المعنية لتأمين ممرات إنسانية، كما سيكون دورها مهما لتحقيق الانسحاب الإسرائيلى تدريجيا من غزة واستلام المناطق التى ستنسحب منها القوات الإسرائيلية، ومساعدة مجلس السلام فى رصد تنفيذ وقف إطلاق النار.
5- وفيما يتعلق بتخوف بعض الدول الإسلامية من أن تكون مشاركتها بقوات بابًا خلفيًا للتعاون والتطبيع مع إسرائيل، فقد يكون من المهم التوافق على أن قيادة هذه القوات وضباط الاتصال المنوط بهم هذه المهمة، سيكونون من ضباط ينتمون لدول لها علاقات دبلوماسية بإسرائيل مثل مصر وتركيا.
ختاما، فإن التنسيق والتناغم واستمرار التحرك الفعال بين الدول العربية والإسلامية الثمانية، من المهم مواصلته فى إطار الواقعية السياسية التى يتبنونها، إلى أن تتحقق الآمال المشروعة للشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وإنشاء دولته.


مساعد وزير الخارجية سابقا، وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية

أحمد فاضل يعقوب مساعد وزير الخارجية الأسبق وسفير مصر السابق لدى باكستان
التعليقات