خلطبيتة بالصلصة - داليا شمس - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خلطبيتة بالصلصة

نشر فى : الأحد 13 يناير 2013 - 8:30 ص | آخر تحديث : الأحد 13 يناير 2013 - 8:30 ص

منذ أيام أعلنت مجموعة روبرت ميردوخ الإعلامية «نيوز كورب» توقف جريدتها الصادرة قبل حوالى عام بحماسة شديدة ودعاية هائلة. الجريدة اليومية الرقمية «ذا ديلى» كانت قد تم تصويرها لدى تسويقها كصحيفة القرن الواحد والعشرين بلا منازع، إذ صممت خصيصا للأجهزة اللوحية الرقمية مثل «الآى باد»،

 

 

واستثمر فيها ميردوخ 30 مليون دولار متوقعا أن يصل عدد مشتركيها إلى 500 مليون شخص، لكنها لم تتحصل سوى على 100 ألف مشترك فى نهاية الأمر، لذا وجب إغلاقها فى منتصف ديسمبر الماضى. ومع كل الخبرة التى يتمتع بها صاحب المجموعة ومعاونوه لم يتمكنوا من التوصل لشكل ناجح للجريدة الرقمية والتى اتهمها البعض بأنها « وصفة قديمة فى قالب هاى ــ تك».

 

•••

 

كل يوم تطالعنا محاولات دؤوبة للبحث عن شكل جريدة القرن الواحد والعشرين وكأن الصحافة بدأت تاريخا جديدا فى ظل نظام الإنترنت، فقبل سنة الألفين لم تكن كلمات مثل تويتر وفيس بوك وأندرويد ويوتيوب وآى تيون إلى ما غير ذلك قد دخلت قواميسنا العالمية وأصبحت تستخدم دون الحاجة إلى ترجمة. ثورة معلوماتية قادت إلى أخرى اجتماعية بما أن الأفراد ومستخدمى انترنت وجدوا أنفسهم منتجين أيضا للمواد الإخبارية والمعلومات، بل ومشاركين فى الحدث ومنظمين له، وليسوا مجرد متلقين كما فى السابق، ثم جاءت تجليات ذلك فى هيئة انتفاضات سياسية وطرق مختلفة للرفض والاعتراض. وأصبح من العادى أن يسمع القارئ مثلا خلال الثورتين المصرية والتونسية عن مجموعة مثل «آنونيمس» أو «قراصنة بدون اسم»، وهى مجموعة من الهاكرز غير معروفى الهوية نشأت سنة 2004، قام 9000 ناشط من أعضائها حول العالم بمهاجمة المواقع الرسمية التونسية لإصابتها بالشلل، ثم يسمع بعدها أنهم دشنوا «عملية مصر» لاستهداف المواقع الحكومية أيضا ومساندة الثوار تقنيا للتغلب على حالة التعتيم الاعلامى وقطع نظام مبارك لوسائل الاتصالات. ثم فى خضم الأحداث نتعرف أكثر على العديد من الحركات اللامركزية، الافتراضية، غير الربحية.. التى تضخ المعلومات بواسطة مواطنين عاديين وأحيانا متبرعين، ويظهر من خلالها نجوم إعلاميون غير تقليديين، كما هو الحال مثلا بالنسبة لشبكة «أصوات عالمية» التى ظهرت أيضا فى عام 2004 بجامعة هارفرد، حيث نشأت تحديدا بمركز بركسمان للإنترنت والمجتمع. هذه الشبكة المنتشرة فى دول عدة، منها حتى السعودية وسوريا والبحرين، تضم أكثر من 500 مدون ومترجم (إلى أكثر من 20 لغة) تطوعوا لنقل الأخبار والآراء والدفاع عن المدونات والصحافة الشعبية حول العالم، ولا يلتقى أعضاؤها وجها لوجه سوى من خلال المؤتمرات، فالشبكة ليس لديها مكتب وإن كان مقرها فى هولندا كمؤسسة غير هادفة للربح تعتمد على التبرعات والمنح والرعاة لتغطية نفقاتها.

 

•••

 

قد يكون بروز ظاهرة صحافة المواطن كشكل للممارسات الصحفية غير المهنية هو من أهم تطورات المجال الإعلامى، وتتداخل التعريفات والمصطلحات للإشارة إليها، فتارة نستخدم «صحافة المواطن» ومرة «الصحافة الشعبية» أو «صحافة الشارع» وكذلك «الصحافة التشاركية» و«الإعلام مفتوح المصادر» و«الإعلام الديمقراطى» و«الإعلام البديل».. كلها مفاهيم تدعو إلى إشراك القراء أو المشاهدين فى إعداد التقارير ونشر الأخبار، إذ يوظف عامة الناس من الجمهور ما لديهم من أدوات صحفية لإخبار مواطنين آخرين عن ما حدث. قرر هؤلاء الصحفيون الشعبيون أن يلعبوا دور شاهد العيان المتجول والمدقق، سواء كانوا مدونيين، ناشطين، أو مجرد هواة تصوير ينشرون صورهم على فيس بوك وخلافه. وظلت مساعيهم تتبلور منذ بداية الألفية الثانية حتى أصبحت أكثر نضجا عام 2008 حين انتشرت حولها الدراسات والأبحاث، واعتبرها البعض حلا أو ردة فعل أمام تراجع وسائل الإعلام التقليدية، المطبوعة أو المذاعة، فهناك إقبال شديد من المواطنين على المشاركة فى التفاعل وتغطية الأحداث كما تشير الدراسات (37 % من مستخدمى الإنترنت بالولايات المتحدة الأمريكية مثلا يعتقدون أنهم يشاركون فعليا فى نشر الأخبار وتحليلها على المواقع، كما تؤكد الأرقام أيضا أن تويتر أصبح مصدرا للأخبار بالنسبة لخمسين فى المائة من الصحفيين التقليديين، أما فى السعودية فيستقبل حوالى 400 ألف شخص تغريدات «مجتهد» التى تنتقد العائلة المالكة السعودية وتتناول أخبارها).

 

•••

 

وفى الوقت نفسه الذى ينتشر هؤلاء بيننا كدليل حى على التطور التكنولوجى الهائل، يظل مفهوم العمل الصحفى التقليدى موضع نقاش وتقييد، ويظل القائمون عليه يبحثون عن وسائل دعم مادية غير الإعلانات والرعاة، ويزدهر سوق القنوات التليفزيونية الدينية (القليلة التكلفة إذا ما قورنت بمثيلاتها الإخبارية) والتى تلعب قطعا دورا سياسيا.. حجم التناقض والاضطراب هائل، وكل طرف يسعى لفرض ضوابط مختلفة إلى اللعبة، فنحن نتذوق الآن «خلطبيتة بالصلصلة».. والثورة التى بدأت معلوماتية ثم اجتماعية ــ سياسية يجب أن تسفر عن ثورة إعلامية قد تختلط فيها المعايير حاليا لاختراع شىء مدهش.. فكل طعم له إحساس فريد، ولإيجاد المواصفات اللازمة للطبخة الصحفية الجديدة نحتاج لشجاعة وإبداع، وهو غير المتوافر ربما لدى من يفكرون بمنطق الصحافة التقليدية حتى وإن كانوا فى منتهى المهنية، لذا أتت وصفتهم «قديمة فى قالب هاى ــ تك» وفشلت فى اجتذاب القراء، خاصة مواليد عصر الديجيتال بين 10 و30 سنة.

التعليقات