مواجهة الزيادة المستمرة لأسعار الدواء - صفوت قابل - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مواجهة الزيادة المستمرة لأسعار الدواء

نشر فى : الإثنين 13 فبراير 2017 - 10:20 م | آخر تحديث : الإثنين 13 فبراير 2017 - 10:20 م
كما كان متوقعا رضخت الحكومة لضغوط شركات الأدوية فى زيادة أسعار 3000 صنف دواء بنسب من 30 % إلى 50 % بعد تصريحات لوزير الصحة برفض زيادة الأسعار ثم التراجع والتفاوض حول نسب الزيادة. ففى النهاية وكما صرح وزير الصحة فى مؤتمر إعلان زيادة الأسعار أن الشركات وافقت على العرض النهائى بعد إلحاح الوزارة والحكومة (لاحظ تصريح الوزير بموافقة الشركات بعد إلحاح الوزارة والحكومة، وهو ما يوضح أن الشركات هى الطرف الأقوى وأن الوزارة بل الحكومة كلها لا تملك إلا الإلحاح).

المشكلة ليست فى هذه الزيادة فى الأسعار، فلقد تعود المصريون على ذلك، فمع كل يوم هناك زيادات لأسعار كل السلع، ولكن المشكلة أن هذه سلعة ضرورية لا يملك المريض الامتناع عن شرائها أو خفض الكمية التى يقتنيها منها. بل إن هناك نية معلنة بأنه ستكون هناك زيادة أخرى فى الأسعار بعد ستة شهور، مع التذكرة بأن أسعار نحو سبعة آلاف نوع من الدواء قد زادت فى مايو الماضى؛ أى إننا أمام حقيقة مؤلمة بأن أسعار الدواء ستزداد كل شهور قليلة، وهو ما يعرض ملايين الفقراء للموت نظرا لضيق ذات اليد، ولعدم وجود نظام علاج حكومى يخفف عنهم بعض الأعباء، فكلنا يعرف أن المستشفيات الحكومية تطلب من مرضاها إحضار علاجهم على نفقتهم ويكفى أنها وفرت لهم طبيبا يتمرن عليهم.

لذا ففى ضوء هذه الأزمة علينا مواجهة خمس حقائق فى مشكلة الدواء:

أولا: أن هناك زيادة مستمرة فى أسعار الدواء بما لا يقوى عليها متوسطى الحال فضلا عن الفقراء.
ثانيا: أن شركات الدواء «المحتكرة للدواء» هى الطرف الأقوى وتستطيع وقف الإنتاج وتجفيف الأسواق من الدواء وقتما تريد حتى يزداد صراخ المرضى الباحثين عن الدواء، فتصبح هناك أزمة لا تملك الحكومة أمامها إلا الرضوخ لمطالب تلك الشركات.

ثالثا: أن الحكومة لا ترغب أو لا تقدر على مواجهة احتكارات الدواء، ودائما ما يكون رد فعل الحكومة على تلاعب الشركات بسوق الدواء أن تقوم أولا برفض زيادة الأسعار ثم تعود لتقبل بالتفاوض ثم تقبل بعدها بزيادة الأسعار. وهذا لأنها لا تملك سيطرة على سوق الدواء بعد أن عملت من قبل على تدهور أحوال شركات الدواء الحكومية؛ فبعد أن كانت الشركات الحكومية تنتج نحو 80% من الدواء انخفض نصيبها من سوق الدواء إلى أقل من 5%.

رابعا: لا يوجد نظام علمى لتسعير الدواء، فهل يتم التسعير وفقا لتكلفة كل دواء، أم يتم التسعير وفقا لتشغيل كل الأدوية التى تستخدم نفس المادة الفعالة، حيث إن المادة الفعالة تدخل فى إنتاج عدة مستحضرات بعضها مرتفع السعر عن البعض الآخر، أم هل يتم محاسبة الشركة على مجمل التكاليف مقارنة بمجمل الأرباح وبالتالى فمن المقبول أن تخسر الشركة فى بعض الأصناف مقابل أرباحها المرتفعة للعديد من الأدوية الأخرى، وهو ما عبر عنه وزير الصحة بأن الشركات تربح أكثر من 300 %.

5ــ إن الحقيقة الأساسية فى هذه المشكلة أن صناعة الدواء لدينا هى مجرد صناعة تعبئة وتغليف فكل مكوناتها مستوردة من الخارج، وبالتالى تتأثر بسعر العملات الأجنبية والتى تزداد فى السوق المحلى، ورغم أنه من الطبيعى أن يدفع ذلك الشركات لمحاولة الإنتاج محليا لكل ما يمكن استبداله بما تستورده، إلا أن الأرباح الهائلة التى تحصل عليها نتيجة الاستيراد تجعلها لا ترغب فى محاولة الإنتاج المحلى، ما دامت لها السيطرة على السوق وتستطيع فرض ما تريد من أسعار بل وتحقيق ما تريد من أرباح.

***
بعد هذه الحقائق يكون السؤال ما العمل؟ ونعرض فيما يلى مقترحا لمواجهة هذه الزيادات المستمرة لأسعار الدواء:

أولا: لابد أن يكون هناك دور مؤثر للدولة فى سوق الدواء، وهو ما يتطلب أن ترتفع حصة الشركات الحكومية فى السوق، مما يستدعى إعادة هيكلة هذه الشركات للقضاء على ما أصابها من فساد وسوء إدارة، وضخ ما تحتاجه من استثمارات للتجديد والتطوير، ويمكن أن يتم ذلك من خلال طرح حصة لاكتتاب المصريين، بشرط تطهير هذه الشركات من الفساد وسوء الإدارة والمحسوبية.

ثانيا: ضرورة أن يكون هناك انتاج محلى للمواد الفعالة، فغالبية هذه المواد لا يوجد احتكار للملكية الفكرية لها، وكل ما تحتاجه للإنتاج المحلى هو مجموعة من الكيميائيين المهرة وأدوات إنتاج يمكن توفيرها بسهولة. ولكن كى يتم ذلك لابد من توافر الإرادة السياسية لتشجيع هذا الاتجاه بدلا من الاكتفاء بدور الوسيط وترك المجال لوكلاء الشركات العالمية والمحتكرين لتوريد الاحتياجات.

ثالثا: وضع دراسات جدوى حقيقية لمشروعات يمكنها إنتاج مستلزمات الأدوية بدلا من استيرادها؛ مثل طباعة النشرات الدوائية وعبوات الدواء، وإتاحة تلك الدراسات للشباب الراغب فى إنشاء مشروع صغير ومغذى لصناعة الدواء.

رابعا: وضع نظام لتسعير الأدوية بعيدا عن مجاملات الشركات الكبيرة وتبادل المصالح.
خامسا: تحديد آليات واضحة ومعلنة وعقوبات للشركات التى تتوقف عن الإنتاج للضغط من أجل زيادة الأسعار.

***

إذا بدون العمل على تحويل صناعة الدواء إلى صناعة حقيقية يزداد فيها المكون المحلى، سنظل أسرى لاحتكارات الدواء والشركات التى تفرض أسعارها ولا تستطيع الحكومة غير الإلحاح عليها بأن تأخذها الرأفة بأحوال المرضى، فمتى يدرك من بيدهم السلطة ذلك؟
أستاذ الاقتصاد ــ عميد تجارة السادات سابقا
صفوت قابل أستاذ الاقتصاد عميد تجارة المنوفية السابق
التعليقات