محمية ثقافية في الأزبكية - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محمية ثقافية في الأزبكية

نشر فى : الثلاثاء 13 سبتمبر 2022 - 7:05 م | آخر تحديث : الثلاثاء 13 سبتمبر 2022 - 7:05 م
قبل أيام حاولت دخول واحدة من المسرحيات التى كانت تعرض ضمن فعاليات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبى واخترت مسرحية تونسية تعرض على خشبة المسرح القومى فى قلب ميدان العتبة لكنى لم اتمكن لسوء الحظ من الوصول فى الموعد المقرر بسبب الزحام المحيط بالميدان ونتيجة التدافع الجماهيرى إلى داخل المسرح كان من الصعب العثور على مقعد خال.
ولما كنت قد عزمت على مشاهدة عروض المهرجان فقد قررت الذهاب إلى مجمع المسارح المجاور والذى يضم مسرح العرائس
ومسرح الطليعة لمشاهدة أى عرض بديل؛ ومع أن المسافة بين القومى ومجمع المسارح لا تزيد على ٣ دقائق سيرا على الاقدام، الا اننى لم اتمكن من الوصول فى الموعد المقرر.
ولم يكن السبب يتعلق بكسلى أو بطء حركتى وانما تعلق بحاجتى إلى بلوغ (ممر آمن) يمكننى من السير وسط جزر الفوضى التى تملأ الميدان حيث يلزم الوصول إلى المسارح مغامرة حقيقية للهرب من طوفان الباعة الجائلين الذين لا يمكن حصرهم بأى حال من الأحوال ويبيعون كل شىء من الذرة المشوى وحتى بدلة حمادة وشنط المدارس واطنان من الكتب المزورة، زد على ذلك أن أحد هؤلاء الجبابرة نجح فى سد واجهة المسرح القومى بعدد هائل من شنط السفر التى لا ينجح فى تفاديها غير أمهر لاعبى السيرك.
وبناء عليه قررت المغادرة نادما على قرارى بدخول المسرح وفكرت أن مئات المصريين يحسبون الف حساب قبل خوض مغامرة المجىء إلى هنا لذلك يفضلون البقاء فى بيوتهم ضحية لعك يقدم تحت عنوان (مسرح مصر)؛ وبينما كنت ابحث عن وسيلة للخروج، وجدت امامى ممثلا عربيا شابا جاء مثلما جئت، ومر بنفس الخبرة التى مررت بها لكنه اختارنى من بين عشرات الواقفين فى باحة المكان ليسألنى عن أقصر طريق للوصول إلى دار الأوبرا، فنصحته بركوب مترو الانفاق ليصل بسرعة، لكنى تراجعت بسرعة حين تذكرت أن محطة العتبة بالذات تم تصميمها معماريا لغرض تعذيب الركاب، ناهيك عما يمكن للسائح العربى اكتشافه داخلها من محلات تبيع كل شىء بما فى ذلك الملابس الداخلية وقبل ارتفاع الأسعار كانت ترفع شعار بـ(سبعة ونص تعالى بص) فقلت لنفسى (ما يصحش كده).
تذكرت وقتها أن هيئة مترو الانفاق نجحت فى جعل المحطة نسخة طبق الأصل من أسواق وكالة البلح وبكفاءة بالغة أضافت محلات للعصير واكسسوارات للموبايل والطرح بل والسندوتشات، وقلت فى بالى إن مجرد مرور هذا الشاب امام أكشاك سور الأزبكية قد يدمر فى مخيلته الصور الوردية الشائعة عربيا عن المكان وقلت دعه فى الحلم وأمان النوستالحيا وتمنيت من الله ألا يكون من مواطنى البلد الكريم الذى أعلن حاكمه استعداده للتبرع بالمال لتطوير سور الأزبكية وحماية دوره، وبينى وبين نفسى خفت أن يطالبنى الشاب بالأموال التى خصصها الحاكم لهذا الغرض.
ولحماية سمعة السياحة قررت مرافقته حتى أقرب نقطة يمكن بلوغها لركوب تاكسى أو طلب (أوبر) لكى لا يتعرض لحادث يجعله يندم على اليوم الذى قرر فيه المجىء إلى هذه البقعة السحرية.
وخلال سيرنا حول حديقة الأزبكية تبادلنا معا حديثا قصيرا عرف منه مهنتى كصحفى وعرفت منه حجم المعاناة التى واجهها لكى يصل إلى النقطة التى انطلقنا منها وقبل أن أودعه قال لى: يا أخى كيف تقبلون أن يتعرض مبنى المسرح القومى لهذه الإهانة البالغة وهو أعرق وأقدم مسرح فى العالم العربى وربما فى الشرق الأوسط كله.
كيف هان عليكم مسرح الأزبكية الذى شهد مجد أم كلثوم وتألق نجمات ونجوم عززوا مكانة مصر فى قلوبنا. وتركتموه نهبا لهذه العشوائية ؟ثم كيف أصبح مسرح الطليعة الذى يحمل اسم شاعر كبير مثل صلاح عبدالصبور ضحية أوحال الفوضى رغم ما يقدمه من عروض ناجحة، يا أخى كيف ضاع مجد مسرح العرائس الذى أمتع الجميع بعروض (الليلة الكبيرة).
كيف فعلتم ذلك؟ وارتضيتم بهذا المصير البائس لأماكن كان ينبغى أن تكون مصانة بل ومقدسة بحيث تصبح حديقة الازبكية بفضل تاريخها محمية ثقافية لا يجوز المساس بمعالمها المعمارية التى تشكل بذاتها رأس مال رمزى لا يمكن التخلى عنه
وقبل أن أتدبر إجابة على أسئلة هذا الشاب وصل التاكسى وبقيت أحلم لو أن السيد رئيس الجمهورية الذى دافع عن بقاء مقبرة طه حسين فى مكانها اعترافا بالقيمة التى يمثلها تبنى هذا المقترح لتبقى القاهرة التاريخية بعد افتتاح العاصمة الإدارية جديرة بأسباب الحج الثقافى إلى منابرها وساحاتها؟!