إذا فعلنا ذلك فقد ندمر العالم - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 15 نوفمبر 2025 3:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

إذا فعلنا ذلك فقد ندمر العالم

نشر فى : الجمعة 14 نوفمبر 2025 - 7:40 م | آخر تحديث : الجمعة 14 نوفمبر 2025 - 8:00 م

 

لماذا يخاف بعض الباحثين من الذكاء الاصطناعى؟

ما الحد الفاصل بين الخيال العلمى والحقيقة؟

وهل لا توجد تكنولوجيا متقدمة نخافها إلا الذكاء الاصطناعى؟

فى سبتمبر من هذا العام 2025، نُشر كتاب بعنوان «إذا بناها أحدهم سيموت الكل» (If Anyone Builds It, Everyone Dies)، وعنوان فرعى «لماذا الذكاء الاصطناعى الخارق سيقتلنا جميعا»، من تأليف إليعاذر يودكوفسكى ونيت سورس، وهما مؤسسا جمعية غير هادفة للربح تُسمى «معهد أبحاث ذكاء الآلة». أثار الكتاب الكثير من الجدل والشد والجذب، ولم يمضِ شهران على نشره. إذا نظرت إلى الصفحات الأولى للكتاب، التى تحتوى على التقريظ والمدح، ستجد أساتذة جامعيين فى الفلسفة وعلوم الحاسب ومؤلفين وأفرادا من البنك المركزى الأمريكى وإدارة الأمن القومى الأمريكية، وغيرهم، يشيدون بالكتاب وأهميته. على الجانب الآخر، ستجد مقالات فى بلومبرج والواشنطن بوست والنيويورك تايمز وأتلانتيك وغيرها، تنقد الكتاب نقدا يقترب من الهجوم. لماذا هذا التباين الشديد فى الآراء؟

أولا: أغلب من يمدح الكتاب ليس متخصصا فى مجال الذكاء الاصطناعى، وبالتالى يتأثر بما يقرأه لأنه يُعد من العامة فى هذا التخصص. ونعم، هناك من يمدح الكتاب من المتخصصين فى علوم الحاسب، لكن ليس كل المتخصصين فى علوم الحاسب متبحرين فى الذكاء الاصطناعى، فمثلا ليس كل أساتذة الحقوق متخصصين فى القانون الدولى.

ثانيا: المقالات المنشورة التى تنقد الكتاب استعانت بمتخصصين، ليس فقط فى الذكاء الاصطناعى، بل أيضا فى تخصصات مثل الإدارة وتاريخ العلوم وغيرها، حتى نحصل على الصورة الكاملة.

مقالنا اليوم ليس عن الكتاب بوجه خاص، بل عن سؤال: هل خوفنا من الذكاء الاصطناعى مبرر؟ والكتاب يُعد نقطة الانطلاق فى حديثنا.

يُخبرنا التاريخ أن ظهور أى تكنولوجيا جديدة يُقابل بخوف وتوجس من العامة، وهذا أمر طبيعى، لأن الإنسان عدو ما يجهل. لكن المختلف مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى أن حتى الخاصة تخاف، فجيفرى هينتون، الذى يعتبره الكثيرون الأب الروحى للذكاء الاصطناعى، قد حذر من خطورة هذه التكنولوجيا، وأنها قد تكون تهديدا للبشرية. فلماذا كل هذا الخوف؟

• • •

لماذا كل هذا الخوف من الذكاء الاصطناعى؟

عندما ظهرت الأسلحة النووية وكشّرت عن أنيابها بعد مشروع مانهاتن فى الحرب العالمية الثانية، خاف الناس، لكنه خوف أخذ يقل نسبيا مع انتشار معاهدات الحد من الأسلحة النووية وغيرها. لكن ذلك الخوف لم يشبه خوف الناس من الذكاء الاصطناعى من قريب أو بعيد. فى حالة الذكاء الاصطناعى، بدأ الناس بالاندهاش من هذه التكنولوجيا، ثم القلق من فقدان وظائفهم، ثم الرعب من سيطرة الآلة على البشر. كل ذلك لم يكن موجودا فى حالة الأسلحة مثل القنبلة النووية.

الخوف مبرر لعدة أسباب:

  • الذكاء الاصطناعى يهدد البعض بفقدان وظائفهم، والخوف من فقدان «أكل العيش» خوف صعب.

  • الناس تعرف أن الأسلحة تُدمّر، وشكل التدمير معروف، لكنها لا تعرف بالضبط ما التأثير المدمر للذكاء الاصطناعى، إن كان له تأثير مدمر فعلا، وهذا يزيد من حجم الخوف. لا يملك العامة إلا التنبؤات التى تشبه روايات الخيال العلمى، وهى فى الأغلب تمت للخيال لكن لا تمت للعلم بصلة.

  • المقالات الصحفية تبالغ أحيانا، سواء فى المدح أو فى التحذير، فيتحمس العامة وينبهرون ثم يخافون. وإذا قرأنا تاريخ الذكاء الاصطناعى سنجد أن أحد أسباب «الخريف الأول» لهذه التكنولوجيا، حين انقطع الاهتمام بها وتوقّف تمويل مشروعاتها البحثية، هو الحماس الشديد والوعود المبالغ فيها التى لم تتحقق. فمثلا، فى عدد النيويورك تايمز بتاريخ 8 يوليو 1958 (وبالتحديد فى الصفحة 25)، تحدث تقرير عن جهاز كمبيوتر مصمم ليقرأ ويزداد حكمة، ومن المنتظر أن يتمكن من السير والكلام والنظر والتكاثر والوعى بما حوله. طبعا، لم يحدث شىء من هذا كله فى الستين سنة التالية.

إذا كان بعض القلق مبررا، فهل يجب أن يتحول إلى رعب؟ وهل يجب إيقاف جميع أبحاث الذكاء الاصطناعى كما يطالب البعض، ومنهم مؤلفا الكتاب الذى ذكرناه؟

• • •

يجب أن نخاف البشر لا الآلة

الخوف أو القلق مبرر، لكن الرعب والمطالبة بالتوقف عن البحث العلمى غير مبررين. هناك عدة أمور يجب أن نأخذها فى الاعتبار حتى يمكننا تقييم الموقف:

  • تكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعى بدأت تطغى على الكثير من جوانب حياتنا بطريقة طبيعية، بل بدأت التكنولوجيا تتحدث معنا بطريقة تشبه البشر، وهذا ما لم نألفه فى تكنولوجيات أخرى، لذلك نشعر بالخوف الممزوج بالانبهار.

  • التكنولوجيا لا تتغول فجأة أو تتحول إلى خطر بين عشية وضحاها، بل إن كل خطوة فى تطوير التكنولوجيا واستخدامها يتبعها قوانين ومحاذير تضمن عدم الخروج عن السيطرة. فالتكنولوجيا النووية مثلا محدودة بقوانين ومواثيق، صحيح أنها لا تتمتع بالنزاهة الكاملة، لكنها على الأقل تحد من الخطر، وإلا كانت القنابل والصواريخ فى الترسانات النووية للدول الكبرى كفيلة بفناء الأرض. وهذه هى النقطة التى أغفلها الكتاب الذى ذكرناه فى بداية المقال.

  • تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى هى فى النهاية برمجيات تتعلم من البيانات، لا أحاسيس ولا وعى لها (إن أمكننا الاتفاق على تعريف لكلمة «الوعى»)، وبالتالى لن تشعر بالعظمة أو تفوقها على البشر حتى تستعبدهم. فى هذه النقطة بالذات نخلط الخيال العلمى بالعلم الحقيقى، ثم نخاف من الخيال.

  • طمع الشركات فى تطوير تلك البرمجيات قبل منافسيها هو ما يدفعها إلى تجاوز حدود الأمان.

  • الذكاء الاصطناعى لن يضر ما لم نستخدمه بطريقة خاطئة أو نمنحه حرية أكثر مما ينبغى.

يجب أن نخاف من الغباء البشرى، لا من الذكاء الاصطناعى.

• • •

محاولة استشراف المستقبل المتعلق بتأثير التكنولوجيا ليست مجرد «أبيض وأسود»، بل هناك عوامل كثيرة يجب أخذها فى الاعتبار. المعضلة هى معرفة تلك العوامل وتأثيرها، وحتى مع كل ذلك، قد يحمل المستقبل مفاجآت، وغالبا ما تكون غير سارة نتيجة طمع الإنسان.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات