جذور التطرف فى مجتمعاتنا - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جذور التطرف فى مجتمعاتنا

نشر فى : الجمعة 15 يناير 2016 - 10:10 م | آخر تحديث : الجمعة 15 يناير 2016 - 10:10 م
تميز المؤتمر السنوى الذى تعقده مكتبة الإسكندرية فى يناير من كل عام وتحت عنوان «صناعة التطرف» بتواجد عدد من المثقفين المميزين من دول عربية وأوروبية، وبالتالى تقديم أبحاث مهمة تحت عنوان «قراءة فى تدابير المواجهة الفكرية». وكما يحدث فى مثل هذه الانعقادات يكون الحوار أعمق من الأوراق المقدمة لأن الحضور المتميز يعطى زخما حقيقيا للأفكار بأبعاده وتنوعه، ومن أهم الحوارات الجانبية كان حوارا عن طبيعة تكوين البلدان العربية ودور هذا التكوين فى صناعة التطرف وعلى قدر ما كان الاختلاف كان الفكر المطروح مقبولا من البعض وصادما ومرفوضا للبعض الآخر؛ فالسؤال الذى طرح هو: لماذا نجد التطرف بقوة فى الدول العربية ولا نجده بنفس القوة فى دول اسلامية أخرى؟ وفى محاولة للإجابة رأينا أن الواقع يعلن أن الدول العربية فى معظمها تنص دساتيرها على مواد مثل «دين الدولة الإسلام» والشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع، وفى مصر لغير المسلمين أن يحتكموا لشرائعهم... إلخ. إلى جانب بعض المواد الدستورية سيئة السمعة مثل مادة ازدراء الأديان، هذا فضلا عن أن هذه الدول بها ازدواجية فى التعليم فهناك جامعات دينية مثل الأزهر والزيتونة وجامعات مدنية مثل القاهرة والإسكندرية ودمشق وبغداد مع خط ثالث موازٍ للتعليم الأجنبى. وهذه الدول تتحكم فى المؤسسات الدينية ولها وزارة تدير المساجد ورجال الدين جميعا موظفون لديها.
فى ذات الوقت ومن الناحية الأخرى تجد أن الدولة تتبنى مواثيق حقوق الإنسان العالمية التى تنص على الحرية الدينية ولديها مؤسسات تشريعية تقوم على الانتخابات المباشرة والقوانين والأعراف الدولية وتخضع لمواثيقها وأنظمتها، وهنا نرى ازدواجية واضحة فى تكوين الدولة وأصلها، وقد نجحت هذه التوليفة العجيبة أو (التلفيقية) حتى بداية ظهور دعوات محلية وعالمية تعلن أنه لابد من حسم الأمر إما دولة دينية أو دولة مدنية، وبالطبع لا تستطيع دولة من هذه الدول بحكم تكوينها أن تتنكر للإسلام من ناحية أو تتنكر للمدنية والحداثة من الناحية الأخرى؛ ولذلك ومع الوقت وجدت الدولة نفسها فى صراع داخلى وصدام مع ذاتها فهى ترعى الفكر المتطرف من جانب وتحارب المتطرفين من جانب آخر. ولاشك أن هذا النموذج انكشف وأصبح الحكام فى موقف لا يحسدون عليه فالدولة الإسلامية «داعش» تقدم نموذجا للإسلام ينبع من التفسير الظاهرى لآيات القرآن ويستلهم التاريخ ومن هنا يقتنع الشباب بهذا المنطق، ولأن الحكومات العربية ليست لديها البديل فهى لا تقدم إسلاما حضاريا يستوعب الحداثة، ولا تحاول بل على العكس أنها بقدر ما تحارب المتطرفين تحارب كل اجتهاد حداثى وهكذا نجد نموذج الدول العربية «لا يحكم بما أنزل الله» من ناحية ومتناقضا مع العالم المعاصر والحداثة من حرية دينية وشخصية واجتماعية من الناحية الأخرى.
***
ومع ثورة الاتصالات والتواصل الاجتماعى انكشف الجميع بلا استثناء فهناك أفراد ودول تمول ميليشيات متطرفة من ناحية وتتحدث عن الحرية والديمقراطية من ناحية أخرى وكأنها تتحدث إلى نفسها، فلم يعد أحد يستطيع أن يخدع أحدا وهكذا أصبحت الأجيال الجديدة ناقمة وبشدة على حكوماتها. لقد رأينا كيف أصبح التطرف صناعة لها هندستها وتصميمها واتساقها؛ قاعدتها نصوص دينية تفسر بظاهر النص وليس بعمقه ولا قبول فيها للتأويل أو العصرنة (جعله معاصرا)، وبالطبع هذا الأمر مقبول وبشدة شعبيا لأنه يقدم المفهوم المباشر للكلمات وهذه النوعية من التفكير لابد وأن تأتى من مرجعية دينية مقبولة ولها شعبية تمهد للتطرف. وقد حدث هذا فى مصر منذ الستينيات فقد كان من هذه النوعية الشهيرة من أفتى بقتل المفكر فرج فودة وبعدها بأيام قتل، ومن ركع لله شكرا لهزيمة مصر عام 1967 لأننا ابتعدنا عن الله وهذه النوعية ممن يطلقون عليهم «المعتدلون» هم البيئة الحاضنة للتطرف.
وقد بدأ أحد المحاضرين حديثه بسؤال: هل ينافس الاعتدال التطرف؟ وقد أعجبنى السؤال فأجبت نعم وبامتياز بمثلين: الأول هو أنهما يتفقان على تطبيق الشريعة الإسلامية خاصة الحدود ولكنهما يختلفان على التوقيت؛ فالفكر المعتدل يتحدث عن عدم تأهيل المجتمع حاليا لتطبيق الحدود وعندما يصل المجتمع الحالى للمستوى الاقتصادى والدينى المناسب وتطبيق العدالة الاجتماعية لابد من تطبيق الحدود، أما المثل الثانى فهو الموقف من الآخر فالمعتدل يرى الآخر مشوها دينيا بينما المتطرف يرى الآخر شيطانا؛ من هنا يرفض الفكر المعتدل الحالى إدانة الفكر المتطرف دينيا لذلك يرى العالم أن خطاب الفكر المعتدل يعبر عن ذاته بازدواجية الخطاب التوفيقى أو التلفيقى.
***
أما الأمر الثانى فى هندسة التطرف وصناعته فهو السرد التاريخى المغلوط مثل تاريخ الخلافة وتمجيد هذا التاريخ واعتباره أمرا مقدسا وهذا عكس السرد الحقيقى لتاريخ الخلافة. بعد هذين الأمرين لابد وأن يكون هناك خطاب ديني متنوع يناسب جميع شرائح المجتمع كل شريحة على حدة مثله مثل صناعة السيارات فهناك سيارة فخمة للأغنياء وأخرى متوسطة وثالثة بسيطة وهكذا، ولذلك نجد علماء وأثرياء وسياسيين يؤيدون التطرف ولا يقتصر التطرف على الفقراء وإن كان الفقراء هم الوقود.
وهنا نأتى إلى التسويق وفن صناعة الخبر وقد استخدم الإنترنت والاسكايب لصنع دعاية ضخمة سيطرت على معظم القنوات التليفزيونية سواء المؤيدة للتطرف والإرهاب أو المضادة له. فعندما يصنع الخبر بطريقة غير تقليدية وبدرجة عالية من التقنية تنقله جميع القنوات دون الحاجة إلى السيطرة المباشرة على الإعلام العالمى، وحتى إذا كان التعليق على الخبر سلبيا إلا أن الخبر نفسه يعطى انتشارا للفكرة وإعجابا بها سواء بالصورة أو الدقة أو الإبهار وهو ما حدث كثيرا فى حالات إعدام داعش لضحاياها؛ فقد ثبت أنهم يتدربون على الخبر وتصويره مرات عدة قبل أن يصلوا إلى الصورة النهائية.
وبالتوازى مع كل هذه القدرات لابد من الشق السياسى والعسكرى فهما لا ينفصلان عن بعضهما البعض، فبالنسبة للسياسى لابد وأن تكون هناك تحالفات مع قوى دولية، وقد وضع التحالف مع دول عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول المنطقة لتحقيق سياسات معينة لذلك كان لابد من خطة للتجنيد. وهناك تاريخ لتجنيد الشباب فى مثل هذه الجماعات بداية من النازية أو منظمات الكيبوتس الإسرائيلى وقد طبقتها داعش بحذافيرها حيث تحل الجماعة محل الأسرة والمدرسة، حتى إن هناك من قتل أمه أو أعضاء آخرين من الأسرة لأنهم حاولوا الوقوف فى وجه تجنيده؛ وهنا يأتى التخصص فى التدريب وتوزيع الأدوار فلابد من خلق هيكل إدارى محكم لصناعة القرار على أعلى مستوى من الدقة والانضباط والوضوح والخضوع ودقة التنفيذ.
***
أما الأمر الأخير فهو المراجعة المستمرة ونقد الذات فمثل أى صناعة عالمية لابد وأن يتطور المنتج مع ظروف السوق ولذلك لاحظنا الفرق فى التطور بين التكفير والهجرة ثم الجهاد فالقاعدة وأخيرا الدولة الإسلامية. وبالتوازى مع هذا التطور لا نجد تطورا موازيا لمؤسساتنا الدينية وللفكر الذى يدعى الاعتدال فمازلنا نلون نفس النظريات والأقوال التى عفا عليها الزمن والدليل هزيمتنا أمام فكر الجماعات المتطرفة لأنها تقول وتفعل ما تؤمن به؛ فصدقها شباب العالم وابناؤنا فتركونا وذهبوا ليتجندوا تحت لوائها ويموتوا فى سبيلها.
إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات