عودة المجرمين - امال قرامى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عودة المجرمين

نشر فى : الثلاثاء 15 سبتمبر 2015 - 6:15 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 15 سبتمبر 2015 - 6:15 ص

اهتمامات التونسيين فى هذه الأسابيع عديدة منها: الاستعداد للعودة المدرسية أو الجامعية وما تتطلّبه من تكاليف، والتفكير فى مصاريف عيد الأضحى ودفع بقية الفواتير وغيرها. بيد أنّ هذه المشاغل لم تمنع أغلب التونسيين من التعبير عن مواقفهم من مشروع المصالحة الاقتصادية ومن حملة «مانيش مسامح» ومن الاحتجاجات التى نظّمتها أحزاب المعارضة يوم 12 سبتمبر. فمن بركات الثورة أنّها حفّزت التونسيين فصاروا يتابعون الشأن السياسى ولهم قول فى السياسة. وعلى هذا الأساس يعدّ النقاش حول هذا المشروع فى مختلف الفضاءات علامة على المواطنية وبرهانا على اكتساب التونسى قدرة على التواصل مع غيره والتدرّب على تقديم الحجج والمبرّرات أو التمرّن على كيفيّة انتقاد تصرفات عدد من السياسيين أو الإعلاميين أو الشخصيات الوطنية.

ولئن استطاع هذا المشروع المعروض على النقاش إثارة جدل كبير وخلق استقطاب حدّى فإنّ الملفت للانتباه أنّ هذا الحوار الوطنى سيكون مشفوعا بحوار آخر بدت إرهاصاته تتشكّل من خلال تسريب بعض المعلومات هنا وهناك. فالمطلوب من التونسيين اتخاذ موقف من العائدين من بلاد الشام بعد فترة قضّوها فى خدمة أهداف داعش. فقد صرّح وزير الخارجية «الطيّب البكوش» أنّ عددا من المقاتلين التونسيين «التائبين» والذين وقع التغرير بهم فى سوريا عبّروا عن ندمهم ورغبتهم فى العودة إلى تونس وبالفعل شرعت القنصلية التونسية بتركيا منذ مدة، فى تسهيل عمليّة العودة. ويبدو التشويش فى الجهاز اللغوى واضحا فى خطاب الوزير فإذا كان «الغنوشى» قد وصف المتطرّفين عموما بأنّهم «أولادنا» فى محاولة لاحتوائهم فإنّ «البكوش» نعت هؤلاء تارة بالمقاتلين وطورا بالجهاديين وهو أمر يُبين عن التردد فى تسمية هؤلاء بالرغم من إدراك اختلاف المرجعيتين.

وبالرغم من أنّه لا يمكن تحديد رقم رسمى لعدد هؤلاء الراغبين فى العودة فالأرجح أنّ هذا الموضوع سيثير جدلا فى صفوف التونسيين. ففى سياق أمنى عصيب تتعدّد فيه العمليات الإرهابية وتهتز فيه الثقة كيف يمكن التسليم بـ«توبة» هؤلاء الشبّان لاسيما وأنّ أسباب عدولهم عن المشاركة فى العمليات القتالية تظلّ مجهولة. ثمّ ما هى المعايير المعتمدة لتبيّن «توبة» هذا الشابّ أو ذاك؟ وكيف ستتم عمليّة المقاضاة؟ ثم دمج هؤلاء وإعادة تأهيلهم؟ وهل بإمكان الدولة أن توفّر العلاج النفسى المطلوب؟...

***
والظاهر أنّ تنظيم عودة هؤلاء الذين أجرموا فى حقّ أنفسهم وفى حقّ الوطن وفى حقّ الإنسانية يثير مجموعة من الإشكاليات على الصعيد الأمنى والاجتماعى والاقتصادى والثقافى. ففى ردّه عن هذا الموضوع اعتبر «الغنوشى» أنّ استيعاب هؤلاء العائدين والتحاور معهم يعدّ أفضل من الحلّ الأمنى والزجّ بهم فى السجون التى ستتحوّل حتما إلى بؤر لتفريخ الإرهابيين، وقد خلص «الغنوشى» إلى هذا الموقف بعد مقارنة أجراها بين وضع الإسلاميين تحت حكم «بورقيبة وبن علىّ» ووضع هؤلاء العائدين. فكلّما كان الخناق يضيق على الإسلاميين كان عدد المتعاطفين يتضاعف. بيد أنّ هذه المقارنة لا تستقيم فى نظرنا لسببين أوّلهما: أنّه لا يمكن قياس السياق الحاضر بملابساته المعقدة بأحداث جرت فى الماضى وثانيهما أنّ ما فعله المجرمون فى بلاد الشام لا يمكن أن يضاهى العنف الذى مارسه بعض أتباع الحركة الإسلامية. لا ينكر أحد ما للحوار من أهميّة فى تغيير المواقف ولكن ألم تكشف تجربة التحاور مع أنصار الشريعة وغيرهم عن فشل فى إقناعهم بضرورة الانخراط فى العمل المدنى والالتزام بدولة القانون.

يبدو أنّ المجتمع التونسى سيعيش أياما عصيبة ونقاشا حادّا. فالراغبون فى العودة صنفان: صنف يعيش أزمة نفسيّة ويريد أن يستعيد عافيته ويتخلّص من أدران الماضى لاسيما وأنّه من المغرّر بهم أو الذى دفعته الحاجة إلى بيع نفسه لتنظيمات متوحّشة وهو بحاجة إلى العلاج. أمّا الصنف الثانى فإنّه يريد أن يعود لتعزيز صفوف إخوانه بعد أن ضيّقت عليهم السلطة الخناق، وهو إذ يعلن عن قرار الرجوع إنّما ينفّذ أوامر القيادات ويبقى وفيا لداعش. فأنّى للجهات المسؤولة أن تتبيّن الصالح من الطالح؟

 

التعليقات