خُرافة خطر إيران النووي - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خُرافة خطر إيران النووي

نشر فى : الثلاثاء 16 فبراير 2010 - 10:16 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 16 فبراير 2010 - 10:16 ص

 أنا من الذين يعتقدون أن امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية، ونجاحها فى تطويرها لتمتلك القدرة على إنتاج أسلحة نووية، لا يمثل خطرا على مصر والعالم العربى. كما أنه ليس من مصلحة أحد فى منطقتنا العربية، نشوب توتر عسكرى مع إيران يفضى إلى اندلاع حرب بسبب برنامجها النووى.

بل يكاد يكون أمرا مستحبا ومن مصلحة العرب أن يتم التوصل إلى تفاهم بين أمريكا والغرب من ناحية وإيران من ناحية أخرى، يكفل لإيران حقها فى تطوير إمكانياتها النووية لخدمة الأغراض السلمية. طبقا لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. حتى لو تراكم لديها من المعرفة التكنولوجية ما يمكنها من ردع أى تهديدات خارجية من جانب إسرائيل بالدرجة الأولى.

لا يستطيع أحد أن يدعى أن مطالبة أحمدى نجاد الكلامية بإزالة إسرائيل من الوجود، هى السبب فى التصعيد الراهن، الذى حمل أوباما على النكوص عن الطرق الدبلوماسية فى حل مشكلة الملف النووى الإيراني، والسير وراء التهديدات الإسرائيلية.

وهى الوعود التى بذلها فى بداية وصوله إلى البيت الأبيض، وتخلى عنها كما تخلى عن وعوده بحل القضية الفلسطينية وتجميد المستوطنات الإسرائيلية. إذ يبدو أن التغيير الذى طرأ على الأوضاع الداخلية فى الولايات المتحدة، وعودة نفوذ المحافظين الجدد الذين يؤيدون الإطاحة بالنظام القائم فى طهران، قد أضعف من تصميم أوباما على حل المشكلة الإيرانية بالطرق الدبلوماسية.

وتظهر قوة المحافظين الجدد فى التصريحات التى أدلت بها سارة بالين المرشحة الجمهورية السابقة لنائب الرئيس وأيدت فيها استخدام القوة العسكرية فى قصف المنشآت النووية فى إيران. كما طرح السيناتور اليهودى جو ليبرمان رئيس لجنة الأمن القومى الداخلى أثناء انعقاد مؤتمر الأمن الأوروبى فى ميونيخ أخيرا خيارين: إما فرض عقوبات قاسية لإجبار إيران على حل دبلوماسى، أو اللجوء إلى عمل عسكرى.

ومن الواضح أن إيران التى كانت قد وافقت على اقتراح بتخصيب اليورانيوم خارجها فى روسيا وفرنسا. ثم اختلفت على الطريقة والكمية التى تسمح بخروجها دفعة واحدة، قد أثارت ثائرة الغرب حين أعلنت فى الاحتفال بعيد الجمهورية الواحد والثلاثين، أنها بدأت فعلا فى تخصيب اليورانيوم فى معاملها من نسبة 3.5 بالمائة إلى أقل من عشرين بالمائة بقليل، ورفضت إخراج ثلاثة أرباع مخزونها من اليورانيوم ــ أى نحو 1200 كيلوجرام دفعة واحدة من أصل 1600 كيلوجرام ــ لرفع درجة التخصيب فى روسيا وفرنسا. وطلبت أن يتم ذلك على دفعات أقل. وهو الطلب الذى أحدث الأزمة الأخيرة، مع أنه يبدو طلبا معقولا فى ظروف التهديد المستمر وانعدام الثقة بين جميع الأطراف.

وفى كل الأحوال فإن حالة الذعر التى انتابت الغرب حين أعلنت طهران أنها تقوم فعلا بعمليات التخصيب حتى نسبة الـ20 بالمائة، التى تستخدم لأغراض طبية، على حين أن النسبة المطلوبة لإنتاج سلاح نووى يجب أن تصل إلى أكثر من 90 بالمائة.. فإن السبب فى انزعاج الغرب فيما يبدو جاء من نغمة التحدى الذى أرادت إيران أن يثبت حقها فى الدفاع عن مصالحها.

والواقع أن تشدد الغرب فى شروطه والتهديد المستمر بعقوبات اقتصادية ومالية تشل الحياة فى إيران وتقوض أركان النظام، مصحوبا بإجراءات عسكرية وتحركات للأساطيل الأمريكية فى مياه الخليج، ثم الاتجاه لنشر صواريخ أمريكية فى دول خليجية.. إضافة إلى تهديدات إسرائيل بالقيام بعمليات عسكرية.. كل ذلك كان من أسباب زيادة تعقيد الموقف.

ومع ذلك يظل الحديث عن امتلاك إيران للقنبلة النووية وضرورة الحيلولة دون ذلك باستخدام العقوبات الاقتصادية أو العسكرية مثار جدل بين مجموعتين من دول العالم: الدول الغربية الست الموالية لأمريكا وإسرائيل. ثم مجموعة الدول التى ترى مواصلة الحوار للوصول إلى تسوية وعلى رأسها الصين والبرازيل وتركيا. وتتخذ الصين فى ذلك موقفا صلبا وقد لا تتردد فى استخدام الفيتو إذا طرحت المسألة للتصويت فى مجلس الأمن.

أما أين تقف الدول العربية من هذا النزاع الذى يمس أمنها القومى بالدرجة الأولى، ويضعها فى مواجهة اختيار حرج بين ترسانة إسرائيل التى تضم 200 قنبلة نووية، وبين احتمال مازال بعيدا بأن تنجح إيران يوما ما فى إنتاج القنبلة النووية
فمعظم النظم العربية تتخذ موقف بين بين.. وتذكرنا بالموقف الذى اتخذته مصر ودول عربية عديدة فى مأساة الحرب على العراق.. فاكتفت بالتحذيرات الكلامية من استخدام القوة العسكرية من ناحية وتمنت فى قرارة نفسها غير ذلك.. بل إن بعضها قدم تسهيلات للجيوش الأمريكية وللعمليات العسكرية التى أدت إلى سحق العراق وهناك من الدلائل ما يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه التجربة المريرة قد تتكرر مع إيران.

بعض الآراء ترى أن القنبلة النووية الإيرانية هى الذريعة التى تتمسك بها إسرائيل للتملص من التزامات السلام. وهى حجة يؤيدها الذين يقصدون أسلوب الحل العسكرى جريا وراء أمريكا وإسرائيل. وذلك على الرغم من أن العكس هو الصحيح.

فقد أدى توازن الردع النووى بين الهند وباكستان إلى منع نشوب الحرب بينهما. وكذلك فإن توازن القوة النووية بين إسرائيل وإيران كفيل بالحد من عربدة إسرائيل فى المنطقة.

وربما كانت دعوة عمرو موسى الأمين العام للجامعة، والتى حث فيها الدول العربية على المبادرة إلى الحوار مع إيران للاتفاق على ترتيبات أمنية، هى الحل العملى الوحيد لتجنب الوقوع فى الفخ الذى انساقت إليه الدول العربية مغمضة العينين فى الحرب على العراق، والذى مزّق العرب إربا فلم تقم لهم قائمة حتى الآن!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات