المشهد الانتخابي الجزائري - نيفين مسعد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 7:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المشهد الانتخابي الجزائري

نشر فى : السبت 16 فبراير 2019 - 11:30 م | آخر تحديث : السبت 16 فبراير 2019 - 11:30 م

في مجال الاستعداد للانتخابات الرئاسية الجزائرية في شهر أبريل المقبل، لا يخلو المشهد السياسي الجزائري من بعض جوانب الإثارة. فمع أنك إن سألت أي متابع للوضع الجزائري عن نتيجة الانتخابات المقبلة سيرد عليك بأنها محسومة لصالح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إلا أن الظهور الإعلامي المفاجئ للواء علي الغديري المدير السابق للموارد البشرية بوزارة الدفاع وإعلانه عن نيته الترشح سرعان ما ألقى حجرا ثقيلا في المياه الراكدة . يرجع ذلك إلى أن الغديري وهو ابن المؤسسة العسكرية -في أول ظهور له قبل شهرين - دعا رئيس الأركان اللواء أحمد قائد صالح لتحمل مسؤوليته التاريخية والحيلولة دون السماح باستمرار بوتفليقة في السلطة، وهذا يعني أنه كان يدفع في اتجاه الانقلاب العسكري على الرئيس بوتفليقة ويستعيد ما حدث في عام ١٩٩٢. من جهة أخرى هناك من يعتقد أن الغديري يحظى بدعم كبير من رئيس جهاز المخابرات العسكرية السابق اللواء توفيق مدين، وهذا الأخير الذي أقيل في سبتمبر عام ٢٠١٥ كان له من القوة والنفوذ ما جعل مجلة" چون أفريك " الفرنسية تصفه بأنه " إله الجزائر" Le Dieu de L’Algérie ، وكأن هذا يعني أن مدين الذي طالما تدخل في كل مفاصل السياسة الجزائرية مازال يحاول العودة للصورة متخفيا وراء شخصية علي الغديري ، وهذا أمر خطير. ما سبق يفسر لنا الهجوم العنيف الذي شنه رئيس الأركان ضد علي الغديري في بيان صادر عن وزارة الدفاع ، فلقد حذّر فيه الأشخاص الذين تحركهم طموحاتهم المفرطة ونواياهم السيئة، وأكد أن المؤسسة العسكرية تحتفظ " بحقها في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد هؤلاء". ونلاحظ هنا أن صيغة الجمع التي استخدمها بيان وزارة الدفاع توحي بأن الغديري ليس مجرد شخص ولكنه اتجاه يعبر عنه أكثر من واحد ، أي أن هناك مؤامرة في الموضوع .

هذا التهديد العنيف الذي وجهه رئيس الأركان إلى علي الغديري قد يقود إلى نتائج مختلفة، وقد يصل إلى حد تعطيل الغديري عن استيفاء شروط الترشح أي منعه من جمع التوكيلات والإمضاءات الرسمية المطلوبة، وقد شكا بالفعل الغديري من تصرفات تعسفية من هذا القبيل. واعتقادي أن هذا المنع لو حدث فإنه لن يهدف للتأثير على نتائج الانتخابات التي هي محسومة سلفا كما سبق القول، لكنه يهدف إلى ضبط قواعد اللعبة السياسية في مرحلة ما بعد بوتفليقة، فرئيس الأركان لن يسمح بأن تذهب السلطة لغير بوتفليقة طالما بقي حيا. وفي هذا الخصوص يحكي البعض عن أنه حين طلب أحد كبار المسؤولين من رئيس الأركان تطبيق نص المادة ٨٨ من الدستور الجزائري التي تخص حالة عجز الرئيس، ما كان من رئيس الأركان إلا أن أخرج مسدسه قائلا : "من يردد هذا الكلام ليس له لدّي إلا طلقة في رأسه" . وواقع الحال إن تمسك رئيس الأركان ببوتفليقة ليس فقط بسبب اشتراكهما معا في الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي، لكن أيضا لأن رئيس الأركان يحتاج أن يُجهّز جيدا لمرحلة ما بعد بوتفليقة، فرئيس الأركان رغم كل قوته ليس هو اللاعب الوحيد على الساحة الجزائرية، بل إنه يمكن الحديث- بالإضافة إلى الجناح الذي يقوده هو -عن ثلاثة أجنحة أخرى تنافسه وتلك هي : جناح سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري الذي يوصف بأنه الرئيس الفعلي للبلاد وهو مدعوم من طبقة رجال الأعمال، وجناح رئيس جهاز المخابرات الأسبق ومعه بعض رجالات المؤسسة العسكرية ومنهم علي الغديري ، وجناح رئيس جهاز المخابرات الحالي بشير طرطاق الذي بدأ يشكل تهديدا فعليا خاصة بعد استعادته كل صلاحيات جهاز المخابرات التي كان قد تم انتزاعها بعد عام ٢٠١٥.

من دون أن نفهم تعدد مراكز القوى وصراعات الأجنحة داخل النظام الجزائري سوف يصعب علينا أن نفهم الإقالات المتتالية لمسؤولين كبار وبشكل مكثف خلال الشهور القليلة الماضية، فهذا يدخل في إطار معركة تكسير العظام بين العناصر المتنفذة داخل النظام، ويكفي هنا فقط الإشارة إلى واقعة توقيف شحنة الكوكايين الضخمة في مايو الماضي والتي سمحت لرئيس الأركان بالتخلص من عدد من الأسماء الكبيرة بتهم التورط أو التقصير. ظاهريا تسببت هذه الواقعة في إطاحة مدير الأمن الوطني في يونيو ٢٠١٨ ، لكن فعليا يصعب تجاهل أن هذه الإطاحة جاءت بعد أيام قليلة من تصريح مدير الأمن الوطني بأن "من يحارب الفساد لابد أن يكون نظيفا" وذلك في رد غير مباشر على رئيس الأركان الذي قال إنه سوف يحارب الفساد .

تحتاج الانتخابات الجزائرية إلى متابعة دقيقة لأن الجزائر دولة كبيرة عربيا وأفريقيا، استطاعت أن تخرج من العشرية السوداء الدامية وحققت استقرارا في بيئة إقليمية شديدة الاضطراب، لكن الصراع الداخلي على السلطة شديد والقوى الخارجية وفرنسا بالذات ليست بعيدة عنه أبدا.

نيفين مسعد أستاذة بكليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة جامعة القاهرة. عضو حاليّ فى المجلس القوميّ لحقوق الإنسان. شغلت سابقاً منصب وكيلة معهد البحوث والدراسات العربيّة ثمّ مديرته. وهي أيضاً عضو سابق فى المجلس القوميّ للمرأة. حائزة على درجتي الماجستير والدكتوراه من كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة – جامعة القاهرة، ومتخصّصة فى فرع السياسة المقارنة وبشكلٍ أخصّ في النظم السياسيّة العربيّة. عضو اللجنة التنفيذية ومجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت. عضو لجنة الاقتصاد والعلوم السياسية بالمجلس الأعلى للثقافة. عضو الهيئة الاستشارية بمجلات المستقبل العربي والسياسة الدولية والديمقراطية
التعليقات