تحيا كل سعاد وتسقط أى عنايات! - حسام السكرى - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 2:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحيا كل سعاد وتسقط أى عنايات!

نشر فى : الأحد 16 نوفمبر 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : الأحد 16 نوفمبر 2014 - 8:40 ص

˝فاجأنى القراء بتعليقاتهم على ما كتبته عن تجربتى فى الصف الأول الابتدائى. البعض قالوا إنهم لم يتمالكوا أنفسهم من البكاء، وآخرون علقوا بكتابة اسم، فهمت أنه المدرس أو المدرسة المشابهة لأبلة عنايات التى عرفت على يديها معنى الاضطهاد فى سن السادسة.

˝لا يعلم من بكوا أننى أيضا بكيت وانا اكتب ذكريات، لم أكن أدرى أنها لاتزال تؤلم رغم مرور عشرات السنين.

˝شريط الآلام الذى مر بخاطرى كان فيه مدرسون تفننوا فى الإيذاء. منهم من كان يضرب بـ«سن المسطرة» على ظهر الأصابع، ومنهم من كان يستخدم ثلاثا أو أربعا من مساطر «أمل» السميكة بدلا من واحدة، إضافة إلى من تميزوا بـ«خرزانة» يرفعونها لأقصى ارتفاع حتى يسمع صفيرها وهى تهوى بقوة على الأصابع الصغيرة المرتعشة. أما الأبرز فكان الأستاذ عبدالجواد، العملاق الذى كان يهوى بكفيه الكبيرتين، بقوة وفى آن واحد، على صدغى التلميذ كما لو كان يسحق ناموسة!

مؤسسة تعذيب متكاملة تجاوزت الضرب على الأيدى إلى «العبط» وهو الضرب على المؤخرة، والـ«مد» على باطن القدم.

مع هذا كله لا ينبغى أن أنسى أبلة سعاد هلال، التى أنقذتنى من جحيم عنايات واضطهادها، وتعاملت بحب مع ما رأته موهبة فى القراءة أهلتنى لحمل ميكروفون إذاعة المدرسة. ولا أنسى أيضا الأستاذ والصديق إمام فهمى عسلة، الذى كنت مسئولا تحت إشرافه عن الإذاعة المدرسية فى مدرستى شبرا الإعدادية والتوفيقية الثانوية، وبتشجيعه صممت عددا من مجلات الحائط، اتسع هامش الحرية فيها إلى رسم كاريكاتير للناظر ينتقد تقاعسه فى التعامل مع طالب مشاغب كان والده من كبار موظفى وزارة التعليم.

لا أنسى الأستاذ على إبراهيم الذى طور مهارتنا فى المحادثة الإنجليزية بدعاباته وحواراته، والأستاذ سيف مدرس التربية الاجتماعية ونقاشاتنا حول الديمقراطية والديكتاتورية والتاريخ، ونحن نقضم سندوتشات الفول فى مكتبه المطل على شرفة المدرسة.

كثيرون يعزى لهم الفضل فى انتقالى من حمل الميكروفون فى طابور الصباح إلى العمل كمذيع وصحفى ورسام، ثم تولى مسئولية تطوير مؤسستين دوليتين فى العالم العربى، أولاهما كانت بى بى سى والثانية كانت ياهوو الدولية ومواقعها العاملة فى المنطقة بمختلف اللغات.

˝خبر انتحار طفلة الصف السادس الابتدائى بعد أن يئست من أن يحميها أهلها من ضرب مدرسها، استدعى شريط ذكريات مؤلم. ولكنها لم تكن الوحيدة التى انتحرت أخيرا.

˝فى الأسبوع الماضى شنق مدرس فى محافظة المنيا نفسه بسبب ضائقة مالية، وقبلها بيوم تقريبا وفى نفس المحافظة قتل مدرس آخر زوجته، بعد أن رفضت مساعدته فى حل مشكلة مماثلة.

إصلاح الخلل فى منظومة التعليم لابد أن يبدأ بالتعامل الإنسانى مع المدرسين. لا يوجد ما يبرر تحول المعلم إلى جلاد ولكن من المستحيل أن يؤدى رسالته فى بناء الأجيال وهو يكتوى بنار الأسعار ويتقاعد بمعاش لا يتجاوز بضع مئات من الجنيهات.

مستقبل مصر وأجيالها سيتغير لو دعمنا مدرسينا ومدرساتنا ليكونوا مثل أبلة سعاد، من أجل أن تختفى من حياتنا كل أبلة عنايات، مع الاعتذار لأى مدرسة تصادف ان كان لها هذا الاسم.. باستثناء واحدة!

التعليقات