العدوان على غزة.. وازدواجية المعايير في المؤسسات الدولية - شيماء الشرقاوي - بوابة الشروق
الجمعة 2 مايو 2025 5:34 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

العدوان على غزة.. وازدواجية المعايير في المؤسسات الدولية

نشر فى : الخميس 16 نوفمبر 2023 - 6:50 م | آخر تحديث : الخميس 16 نوفمبر 2023 - 7:47 م
«ينقذ فى سلاحف بحرية.. يقتل حيوانات بشرية.. تلك قضية وتلك قضية»، جاء ميثاق تأسيس الأمم المتحدة، ليؤكد على أن الهدف من تأسيسها هو نتيجة للدمار الذى خلفته الحرب العالمية الثانية، وبأن لها مهمة مركزية واحدة، وهى صون السلم والأمن الدوليين، على أن تحقق ذلك من خلال العمل على منع الصراع، ومساعدة أطراف النزاع على صنع السلام، ونشر قوات حفظ السلام، وتهيئة الظروف للسماح للسلام والازدهار... إلى آخر الديباجة. وكذلك كان هذا هو أول ما أكدت عليه المادة الأولى من الميثاق وهى أهمية حفظ السلم والأمن الدوليين. إذن لماذا لم تقم واحدة من أهم وأكبر المؤسسات الدولية بدورها فى تحقيق السلم والأمن فى غزة بفلسطين؟
منذ الـ8 من أكتوبر 2023، يتعرض الشعب الفلسطينى للإبادة الجماعية وذلك ليس تعريفنا وحدنا، ولكنه كذلك ما قاله كريج مكايبر ــ مدير مكتب المفوض الأعلى لحقوق الإنسان بنيويورك ــ فى نص استقالته اعتراضا على موقف الهيئات الأممية الذى ذكر فيه أن ما يحدث هو «إبادة جماعية كلاسيكية»، كما قال الكتاب. إذن لماذا بقى الوضع يتفاقم يوما بعد يوم فى غزة ولم تتحرك الأمم المتحدة لإيقافه؟
لسنا هنا فى مجال تحليل تحديات عمل الأمم المتحدة بشكل عام، وأهم أسباب إخفاقها فى إحلال «السلم والأمن» الدوليين والتى أُفرد لها العديد من الدراسات والمقالات الأكاديمية، ويرجع بعضها أسباب هذا الإخفاق إلى عوامل ذاتية تتعلق بهيكلها وطبيعة عملها (يصفها البعض باعتبارها شديدة البيروقراطية)، إلى جانب عوامل ترتبط بتاريخ تأسيس الأمم المتحدة، المرتبط بتوازن القوى بين الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية، والتى أدت لوجود «حق الفيتو» فى مجلس الأمن، وكذلك عوامل ترتبط بالتحديات المالية ونقص الموارد وعدم عدالة توزيع العبء المالى على الدول الأعضاء، إلى آخره.
ما نحن هنا بصدده هو فقط إشارة لتاريخ الأمم المتحدة فى التعامل مع الحلقات المتتالية من عدوان الكيان الصهيونى على فلسطين، فقد جاء يوم 25 أكتوبر 2023 فى خضم الإبادة الجماعية التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى، ليسجل حلقة جديدة من حلقات الإخفاق بشأن ما تواجهه فلسطين من جرائم حرب، حيث تم الاعتراض على مشروعى قرار فى مجلس الأمن، أحدهما مقدم من روسيا والآخر من البرازيل، بهدف وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، وكلاهما تم اعتراض الولايات المتحدة عليهما واستخدمت حق الفيتو من أجل وقفهما.
وبالعودة إلى الوراء لما يقرب من سبعة عقود، سنجد أنه منذ عام 1948، لم يلتزم الكيان الصهيونى بأى من قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين، فمنذ ذاك الحين، اتخذ مجلس الأمن سلسلة من القرارات المتعلقة بالشأن الفلسطينى، باعتباره المسئول عن حفظ السلام والأمن الدوليين، كان آخرها القرار رقم 2334 فى 23 ديسمبر 2016، إذ تبنى المجلس بأغلبية كبيرة، قرارًا يدين الاستيطان الإسرائيلى، ويطالب بوقفه فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، بينما استمر الكيان فى السياسات العدوانية بحق الشعب الفلسطينى. هذا إلى جانب مئات القرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك مجلس حقوق الإنسان والتى لم تتوقف حتى تاريخه، بالإضافة إلى فتوى محكمة العدل الدولية بشأن تشييد الجدار داخل الأراضى المحتلة. «كيف أصدق هذا العالم لما بيحكى عن الإنسان»؟
• • •
«ويساوى المقتول بالقاتل.. بشرف ونزاهة وحيادية»، وعلى الرغم من كل هذه القرارات والإجراءات والتوصيات العملية للأمم المتحدة تجاه القضية الفلسطينية، إلا أنها ما زالت لا تتمتع بالمصداقية، كونها عاجزة عن تنفيذها وفرضها على أرض الواقع، لماذا؟ لأن هذه القرارات هى حصيلة تأثير الدول الأعضاء فى مجلس الأمن والجمعية العامة، وذلك أيضا وفقًا لمصالح هذه الدول والقيم التى تؤمن بها والمساومات التى تتفاوض حولها. بالإضافة إلى أن هناك خللًا كبيرًا فى ميثاق الأمم المتحدة الذى لم يتغير منذ إنشائها، بالرغم من تغير الظروف الدولية، حيث بقيت خمس دول دائمة العضوية فى مجلس الأمن تتحكم فى جميع القرارات الأممية، وتحديدًا الولايات المتحدة التى وحدها استخدمت هذا الحق فى إيقاف تنفيذ ما يقرب من الـ 44 قرارًا منذ عام 1973 وحتى عام 2018، وذلك وفقًا لإحصاءات مركز المعلومات الفلسطينى.
نظريا، تعتبر قرارات مجلس الأمن فقط كهيكل داخلى من ضمن هياكل الأمم المتحدة لها صفة إلزامية، أى أن قراراته واجبة التنفيذ، بينما فى حالة الجمعية العامة التى لا تعتبر قراراتها إلزامية التنفيذ، تعبر قراراتها والتصويت عليها بشكل ما عن رؤية المجتمع الدولى، والتى شاهدنا جميعًا كيف أنها تتسم بازدواجية المعايير. فإذا ما قارنا بين حالة الحرب الروسية على أوكرانيا وحالة العدوان الإسرائيلى على فلسطين، سيتجلى لنا ذلك فى صيغة ومصطلحات القرارات التى تصف العدوان الروسى بـ«الغزو»، بينما تصف العدوان الإسرائيلى بـ«الأعمال العدائية»، لذا أكبر التحديات التى تواجه الأمم المتحدة واستدامتها كمؤسسة دولية، ليست فقط فى ازدواجية معايير التعامل مع الأزمات المتشابهة وإنما فى هيكل مؤسسات الأمم المتحدة وخصوصًا المسئولة عن صنع القرار الذى يعبر عن سيطرة وانحياز كبيرين للكيان الصهيونى، ما يمهد له دائمًا الطريق للإفلات من جرائم الحرب والإبادة التى يرتكبها منذ 75 عامًا. «كيف تكون ملاكا أبيض؟.. يبقى ضميرك نص ضمير».
• • •
وتوزع عطفك وحنانك.. ع المقتول حسب الجنسية.. وتلك قضية وتلك قضية.
ملحوظة: المقتطفات داخل المقال من قصيدة الشاعر المصرى مصطفى إبراهيم.
شيماء الشرقاوي باحثة بمنتدى البدائل العربي
التعليقات