الاحتباس الحرارى وتأثيراته فى لبنان والجزائر - شيماء الشرقاوي - بوابة الشروق
السبت 5 يوليه 2025 3:03 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من أفضل فريق عربي في دور المجموعات بمونديال الأندية؟

الاحتباس الحرارى وتأثيراته فى لبنان والجزائر

نشر فى : السبت 26 مارس 2022 - 8:20 م | آخر تحديث : السبت 26 مارس 2022 - 8:20 م
تقع ظاهرة الاحتباس الحرارى وارتفاع درجات الحرارة فى مختلف بقاع الأرض ضمن أجندة مؤتمر المناخ فى دورته الـ27 الذى سيعقد فى مدينة شرم الشيخ فى نوفمبر 2022. وهى ظاهرة لها مخاطر عديدة على الإنسان، وتعد زيادة وتيرة حرائق الغابات واحدة من تلك المخاطر؛ حيث شهدت منطقة حوض البحر المتوسط على سبيل المثال حرائق مدمرة فى عدد من بلدان المنطقة خلّفت ضحايا بيئية ومادية جسيمة.
يشهد العالم، وفقا لأحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، زيادات ملحوظة فى تركيزات الغازات الدفيئة منذ عام 1950 والتى نتجت عن الأنشطة البشرية، وكل عقد من العقود الأربعة الماضية كان أكثر دفئا من العقد السابق عليه. من المؤكد أن درجات الحرارة القصوى أصبحت أكثر تواترا فى معظم المناطق اليابسة منذ خمسينيات القرن الماضى، بينما موجات البرد هى الأقل شدة والأقل تواترا، كما ازدادت شدة وحدة الأمطار الغزيرة. يعود هذا بالأساس للفعل الإنسانى والتأثير البشرى الذى زاد من الأحداث المناخية المتطرفة المُركبة والتى تشمل الزيادات فى موجات الحر والجفاف المتزامنة على النطاق العالمى.
• • •
فى لبنان، اكتشف كل من دكتور نصر قعوار والدكتور نبيل نمر حشرة تدعى Cephalcia Tannourinesis أو Lebanese Cedar Sawfly، وهى حشرة تقتل الأشجار، ويرتبط نموها بالطقس؛ حيث إن طول فترة الغطاء الثلجى له علاقة مباشرة بدورة حياة الحشرات، والحرارة المرتفعة نسبيا ورطوبة التربة تساعدان على سرعة نمو هذه الحشرة. وهناك أيضا دودة الصندل التى تبدأ فى النمو فى فترة الشتاء، فإذا جاء الشتاء دافئا تستطيع أن تنمو وتكبر وتؤثر على الأشجار وتقتلها.
ينتج عن هذا تصفية الأشجار مع أول شعلة نار، كما أنها تحفز من الظروف المناخية التى تساعد على انتشار الحرائق بسرعة، كما حدث بلبنان عام 2019 وقتما انتشر 52 حريقا؛ حيث جاءت رياح شمالية شرقية مع ارتفاع درجات الحرارة فى أكتوبر بدرجتين أو ثلاثة عن المعدل العام جعلت من الأشجار الميتة واليابسة وقودا للحريق، مما صعب من عملية إطفائه.
عادة ما تكون الحرائق فى شهرى سبتمبر وأكتوبر، ويأتى بعدها موسم الأمطار. ومع تأثير الحرائق على الغطاء النباتى تصبح الأمطار ذات أثر بالغ على التربة؛ فعلى سبيل المثال من الصعب إعادة تكوين التربة المنجرفة فى المناطق الجبلية فى لبنان مما يؤثر على الجبال فتصير طالحة وغير قابلة لإعادة الغابات، وهو ما يؤثر على الثروة السمكية بالأنهار والبحار والثروة الحيوانية والنباتية بشكل مباشر.
فى لبنان، أظهرت دراسة حول «تأثير التغيير المناخى على الحياة الريفية» أن الحرائق تنتشر فى المناطق الأكثر فقرا، كمنطقة عكار فى شمال لبنان، ويعود انتشارها لسببين: أولهما تحقيق مكاسب شخصية، فالقانون اللبنانى كان يتيح تعمير المناطق المحترقة من الغابات، ورغم تغيير القانون إلا أنه مازال مستخدما فى عدة بلديات، والسبب الآخر سياسى من حيث إحداث ضغوط على المجتمعات.
• • •
لم تكن حرائق الصيف الماضى فى الجزائر غير عادية، فهى جزء من سلسلة حرائق ضربت كل المحيط المتوسطى ودولا أخرى، وأنتجت وضعا كاد يتحول إلى أزمة سياسية بعد مقتل أحد المتطوعين فى إخماد النيران لاتهامه بالمساهمة فى إشعالها. أودت الحرائق بحياة عشرات الجزائريين وقضت على ما يقارب من 100 ألف هكتار من الغابات ــ نحو 2% من المساحة الكلية للغابات فى الجزائر ــ فى 35 ولاية من أصل 48، وهو ما يدل على اتساع رقعة الحرائق.
الغابات فى الجزائر تمثل 4 ملايين هكتار أى نحو 2% من مساحة الجزائر، وهى غابات هشة فى أصلها لأسباب كثيرة منها: أن الشهور المطيرة تسبقها شهور متتالية من الجفاف، وقربها من مواقع النشاط البشرى وهذا ما ساعد على انتشار الحرائق فيها، هذا مع تراجع الاهتمام بالغابات فالسياسات الحكومية المتبعة تستغل بالأساس موارد النفط، وهناك أيضا العامل الأمنى من حيث ما عاشته الجزائر فى التسعينيات من اضطراب أمنى كانت الغابات مسرحا له وملجأ للجماعات المسلحة وحلبة صراع بين هذه الجماعات وبين الدولة.
• • •
تعبر هذه الحرائق عن حلقة مفرغة؛ فالحرائق تؤثر سلبا على البيئة، وتؤثر الكوارث البيئية سلبا على موارد السكان، مما يدفعهم إلى استغلال غير عقلانى لموارد الغابات، ما يتسبب فى بعض الأحيان فى حدوث الحرائق.
على الرغم من عدم وجود حلول جاهزة للوقاية من حرائق الغابات، إلا أن هناك بعض الحلول التى يمكن الإشارة إليها، كضرورة الاهتمام بالزراعة وإعادة إحياء المعارف الزراعية؛ حيث إن التركيز على الزراعة كإحدى أولويات الاستثمار قد يكون حلا من ناحية أنه سيبسط الغطاء النباتى بشكل يناسب التحديات البيئية، ومن ناحية أخرى يساهم فى إحياء بعض المعارف الزراعية وتوجيه جزء من اليد العاملة نحو هذا القطاع.
كما تم خلال الندوة التى عقدتها منظمة غرين بيس ومنتدى البدائل العربى بلبنان، والتى كُتب هذا المقال بناء عليها، مناقشة إشكاليات الاستغلال الاقتصادى للغابات والتفكير فى تجديدها لأنها تصبح موردا اقتصاديا وماليا، وهذا سيستدعى حماية الغابات وضرورة توجيه جزء من الميزانيات إلى قوات مكافحة الحريق؛ هناك مصلحة فى الجزائر على سبيل المثال تسمى مصلحة حراسة الغابات، وهى مسئولة عن تأمين الغابات من أى اعتداء قد يحدث لها، ولكن فى الآونة الأخيرة ومع تقليص الميزانيات تأثرت ميزانية قوات حراسة الغابات.
إلى جانب ذلك، من الهام الحد من الأعمال التى تولد الأخطار، خصوصا فى فترات الجفاف أو الفترات التى تنتشر فيها الحرائق؛ لذلك يجب على سبيل المثال منع إشعال النيران فى منطقة الغابات (منع الشوى والتدخين)، وإنشاء إدارات متكاملة للغابات، ودعم مراكز الإطفاء بالمياه والمواد اللازمة فى عمليات إخماد الحرائق، وتوفير نظم تنبيه مبكرة للحرائق تعتمد على تحميل المعلومات الطقسية عبر الإنترنت وتعطى إنذارا مبكرا على احتمال حدوث حرائق على كافة المناطق، هذا بالإضافة إلى أهمية تفعيل دور البلديات/المحليات، وأيضا تطوير برامج لإعادة تأهيل المناطق المحروقة.
ختاما؛ الوقاية هى أهم خطوة لابد من العمل عليها للتصدى لحرائق الغابات ومكافحتها واستعادة المناطق المتضررة من الحريق، وهو ما يجب أن يتم وفقا لدراسة وخطة ممنهجة، وليس بشكل عشوائى، مبنية على أسس علمية وتعتمد على دراسات وأبحاث عن منطقتنا العربية تشمل طبيعة الغابات وتدرجها ونظامها الإيكولوجى ومحفزات نموها.

باحثة بمنتدى البدائل العربى
شيماء الشرقاوي باحثة بمنتدى البدائل العربي
التعليقات