تجاوز الفوضى.. وصناعة الاستقرار - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تجاوز الفوضى.. وصناعة الاستقرار

نشر فى : الثلاثاء 17 أبريل 2018 - 9:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 أبريل 2018 - 9:30 م

إن مشروع صناعة الاستقرار، هو مشروع الإصلاح فى وطننا العربى، وهو المطلب الاستراتيجى الأول، اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا، وفى مطلق الأحوال والظروف، قبل وبعد ما يسمى بالربيع العربى، وتداعياته المدمرة من فوضى وتفكيك دول، وانفجار حروب مذهبية وإثنية، داخل البلد الواحد وعبر الحدود. إن حاجتنا للاستقرار، اليوم وغدا، أكثر إلحاحا وضرورة من أى وقت مضى.
حاجتنا ماسة، لإدراك وفهم مرحلة الانتقال، من حالة الفوضى إلى حالة الاستقرار، مرحلة «اليوم التالى بعد الفوضى»، وهى مرحلة تأسيس مهمة تتطلب رؤية ثاقبة، وخارطة طريق تستعيد فيها الدولة السلم الاجتماعى، لأن فقدان السلم هو فقدان لكل الحقوق، بما فيها الحق فى الحياة، ووقف نزيف الفوضى المجنونة، التى دمرت العمران والإنسان والموارد، خارطة طريق ترسم آفاق المستقبل، وتفتح أبواب الأمل.
ومن أولويات هذه المرحلة مسألة إعادة الثقة بين المجتمع والدولة ومؤسساتها وبناء التوافق الوطنى، وإيجاد حلول خلاقة سلمية، وصولا إلى تحقيق «العدالة الانتقالية»، كمقاربة من أجل العدالة فى المجتمع، ومن خلال وسائل وآليات وتدابير قضائية وغير قضائية.
ويمكننى أن أختار أربعة عناصر رئيسة، فى مشروع صناعة الاستقرار فى ظروف الراهن العربى، الغارق في الفوضى والقلق واللا يقين، وصراعات أعراق وعصبيات وهويات فرعية وانتخابات صورية تشد عَصّب الطائفية ولا تنتج سوى التوتر والمزيد من الفوضى والفساد.
أولهما سياسى: حيث لا يمكننا التهرب من استحقاقات إصلاح سياسى ودستورى ومؤسساتى، لمعالجة هذا التأزم والانسداد، «وموت السياسة»، وعلى رأس جدول أعمال الإصلاح إعادة بناء دولة القانون، وتعزيز وضمان مبدأ المواطنة المتكافئة والتربية عليها واحترام التنوع وتدبير الاختلاف، وتحقيق الدمج السياسى بعد الفوضى وتنشيط المجتمع المدنى، فى مشروع بناء الاستقرار، ومعالجة أزمة الهوية الوطنية الجامعة.
ويندرج تحت هذا العنوان عناوين سياسية أخرى، وقضايا مفصلية بعضها له صفة الأزمة الممتدة، كقضية الاحتلال الإسرائيلى، وتغوُّله استيطانا وإحلالا وقتلا وغطرسة، ودوره فى تغذية الاٍرهاب، وزعزعة ركائز السلم والاستقرار والأمن فى الإقليم. وقد أضاف القرار الأمريكى الأخير المتعلق بالقدس، عنصرا مهما فى تغذية الفوضى، وتقليل فرص الاستقرار، وتحويل «التفاوض» إلى لعبة عبثية.
وهناك أيضا قضايا سياسية أخرى، لها صفة الأزمة الممتدة، كقضية الاحتلال الإيرانى للجزر الثلاث الإماراتية منذ 46 عاما، والتى تشكل عنصرا سلبيا فى أمن واستقرار الخليج وفى بناء الثقة.
وهناك أيضا عناوين سياسية أخرى، لأزمات طارئة تتطلب المعالجة بالحكمة والحوار، والتضامن العربى الفاعل، ومن بينها، سياسات وممارسات إقليمية تسعى لاختراق الأمن القومى العربى، وتراهن على استمرار الفوضى والتمزق العربى، وتوليد مراكز قوى، خارج أجهزة الدولة الوطنية، كالمليشيات الطائفية والاثنية المسلحة، ما يستدعى فعلا عربيا مؤثرا، وبناء روح شعبية غير منهزمة، وغير قابلة للاختراق. واستعادة التضامن العربى.
وثانيهما: اقتصادى: وهو عنصر مهم فى صناعة الاستقرار، ويرتبط بحاجتنا لبناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار، ومتفاعل مع الثورات العلمية والتكنولوجية. وهى ثورات متلاحقة، غيّرت حياة الشعوب والدول، ولا تطلب إذنا من أحد لدخول الحدود، وتبدو فيها فاعلية (جنرالات) التكنولوجية الجديدة، تفوق فاعلية (جنرالات) جيوش، وأداء وتأثير زعامات سياسية وأحزاب، لا مجال فى هذه الثورات التكنولوجية للشعارات والخطب، إنما هى امتحانات عسيرة للعقل ولصناع القرار للخروج من هذه الفوضى، والبطالة السياسية والعلمية والاقتصادية، ولرسم طريق المستقبل بالأرقام، ولفتح الآفاق أمام تنمية شاملة ومستدامة ومتناغمة، تضيّق الفجوة بين مستويات التنمية فى الوطن العربى.
وعلى رأس هذه الامتحانات العسيرة، تطوير منظومات علمية متقدمة تبنى القدرات الوطنية، وتعمل على الاستخدام الأمثل لكل الموارد الاستراتيجية، وتعزز قطاعات الأمن الإنسانى والمائى والغذائى والطاقة المستدامة، على المستويين الوطنى والقومى.
وثالثهما: التعليم والثقافة: وهما رافعتان أساسيتان للاستقرار والنهوض، وبناء السلم الاجتماعى والمحافظة عليه. ومواجهة التطرّف وثقافة الموت والفوضى.
إن مشكلة الإنسان الأساسية، أن فى توليد الفوضى أو فى صناعة الاستقرار، هى فى الدرجة الأولى فى أفكاره، فى عقله، وفى تعليمه وتربيته وثقافته.
لا يكفى أن ينجح الفِعل الأمنى أو السياسى، فى التغلب على الفوضى، كى يتحول المجتمع إلى مجتمع مستقر ومتماسك، فكثير من المجتمعات «الممسوكة»، تعيش وهم الاستقرار، لكن المجتمعات «المتماسكة»، هى المؤهلة لبناء الاستقرار الخلاق، والمحافظة عليه.
وطالما بقيت فى المجتمع، أو سادت ثقافة الفكر الخرافى والتعليم التلقينى بمحتواه المتخلف، وثقافة الفساد، بما فيه فساد الذائقة، وثقافة الإقصاء، وغياب ثقافة المحاسبة والمشاركة، وقيم التسامح، والفكر النقدى، ومنظومة الحقوق المدنية، فإن المجتمع يتكلس وتختل أعمدته الرئيسية، وتطفو على سطحه، الطحالب والثعالب، والغلاة والبغاة والطغاة، وتزدهر فيه ثقافة مهترئة، لا تتسع للتفكير، بقدر ما تتسع للتكفير، ولا تنتج سوى فن وأدب وسلوك مبتذل، وتعليم متخلف ومعاق، يولد الفوضى من جديد.
ورابعها: الدولة المدنية الحديثة: التى تُقر حرية ممارسة الشعائر الدينية، وحرية الاعتقاد، كجزء من منظومة الحريات الفردية والمدنية، ومن خلال الضمانات الدستورية والقانونية، والتربية على قيم التسامح، والعيش المشترك والحوار، وفى إطار تعزيز مشروعية الدولة الوطنية، ودورها فى ترسيخ السلم والاستقرار والمواطنة المتكافئة.
إن ضمان هذه المنظومة من الحريات، شرط لازم للاستقرار. إضافة إلى أن تأسيس الدولة المدنية، يعنى وقف التسخير الردىء للدين فى الصراع على السلطة، وتحرير المفاهيم التى انقلبت وتحوّرت، وفك الاشتباك بين السياسى والدينى، مع بلورة وعى ثقافى اجتماعى جديد، سمته المميزة الانفتاح وقبول الآخر، وحسن تدبير الاختلاف.
ونحن نسعى لاجتثاث مشروع الفوضى، يلزمنا صوغ البديل، الذى يحقق الاستقرار، ويعبر بِنَا إلى المستقبل.

الخليج ــ الإمارات
يوسف الحسن

التعليقات