مصر لا تحارب الإرهاب! - مصطفى النجار - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر لا تحارب الإرهاب!

نشر فى : الجمعة 17 أكتوبر 2014 - 8:20 ص | آخر تحديث : الجمعة 17 أكتوبر 2014 - 8:20 ص

قالها وزير الداخلية (اللى عايز يجرب يقرب) فى رسالة شديدة اللهجة ومليئة بالسخرية والتحقير للإرهابيين الذين يهددون أمن البلاد وكأن الرجل استدعاهم ليخرجوا من مكمنهم ويقتربوا اقترابا لا يمكن تصوره فى دولة ترفع شعار الحرب على الإرهاب، وتقف متحفزة ضد أى عمليات تخريب وعنف محتملة. وبدأ الاقتراب فى قلب العاصمة بتفجير مديرية أمن القاهرة ونشرت الصحف بعدها فيديو وصورا للسيارة التى تسببت فى التفجير تتجول حول مبنى المديرية وتقوم بالانتظار ثم تقوم بالتفجير.

ومع هذا الفشل المهنى الخطير لم يتغير شىء وظلت تصريحات المسئولين تتحدث عن دحرنا للإرهاب وحصاره وانكماشه، بينما الحقيقة أنه كان يتمدد وبلغت به الجرأة الوصول لقصر الرئاسة نفسه ثم استهداف جوار وزارة الخارجية ثم دار القضاء العالى. وما زال البعض يتحرج من انتقاد الفشل الذريع الذى يتوازى مع انتهاكات واسعة لحقوق الانسان لم تعد خافية عل أحد وبين المشهدين يقف خفافيش الظلام وكارهو حقوق الانسان وأعداء الديمقراطية يهتفون بالتحريض وإسقاط حقوق الانسان، ويبررون ذلك بالضرورة التى تقتضى إلغاء حقوق الانسان وتجميدها تحت مزاعم الضرورة للحرب على الارهاب، فهل حاربنا الإرهاب أم هيأنا له مناخا حاضنا ووسعنا من مساحات تمدده باستعداء شرائح من المجتمع كالطلاب على سبيل المثال وغيرهم؟

على مدار العام الدراسى الماضى كانت الجامعات قد تحولت لساحة للمواجهة بين الطلاب والسلطة بسبب الأساليب الفاشلة فى التعامل مع الاحتجاج الطلابى الذى لم يعد مواجهة مع طلاب منتمين فقط لجماعة الاخوان بل تحول لصراع وكراهية متصاعدة بين غالبية الطلاب والسلطة.

فى البلاد التى تدار بأسلوب علمى ينتهج تقويم الاخطاء والتعلم منها لا يمكن أن تتكرر نفس الأخطاء التى تؤدى لنفس النتائج، ولكن فى مصر حصريا يحدث ذلك حيث تم اعتقال 51 طالبا من بيوتهم فجر أول أيام الدراسة بالجامعات لينضموا إلى مئات المعتقلين من الطلاب الذين تم اعتقال أغلبهم بشكل عشوائى خلال العام الماضى. وصدر ضد بعضهم أحكام قاسية بالسجن لمدة خمسة عشرة سنة بسبب ما نسب إليهم من تهم لا يمكن تصديق أنهم ارتكبوها واستحقوا عليها هذا العقاب الذى يمكن تصور أثره السلبى على زملائهم بالتوازى مع مئات حالات الفصل التعسفى للطلاب من مختلف الجامعات دون إجراء تحقيقات ولا مجالس تأديب.

فما الذى يمكن تصوره والسلطة تصر على استفزاز الطلاب ودفعهم لليأس والاحباط الذى يولد مشاهد العنف والتحدى وكسر هيبة الدولة كما رأينا فى موقعة (فالكون) خلال الأيام الماضية. إننا ندين بالطبع أى تخريب ولا نعتبره بطولة ولكننا يجب أن نتساءل عن جذور المشكلة وطريقة الحل التى انتهجتها السلطة وفاقمت الأزمة ونقلتها لمربع جديد من المواجهة ليس فى صالح الوطن.

مثال التعامل الفاشل فى ملف الجامعات لم يتوقف عند هذا الحد فمن يتأمل البيان الذى صدر عن طلاب بجامعة الاسكندرية عقب أحداث كلية الهندسة الدامية يوم الثلاثاء الماضى والذى جاء فيه نصا: (ولقد رصدنا عددا من الطلاب الذين يعملون لصالح جهات أمنية وسوف يتم التعامل المناسب معهم على المدى القريب) أى أن فلسفة المواجهة القاصرة والمحدودة الخيال لم تكتف بتأجيج صراع وكراهية بين الطلبة والدولة فقط بل قد نرى قريبا مواجهات بين الطلاب وبعضهم فى بروفة لاحتراب أهلى.

•••

الأبواق الإعلامية الموالية للسلطة والأصوات الموتورة التى قادتنا لهذا البؤس لم تتغير مواقفها بل تزداد سعارا وتحريضا على الطلاب ووصفهم بالمجرمين دون تمييز بين متجاوز وبرىء، وهذا يضاعف مرارة الطلاب ويغذى دوافع الكراهية. نحن أمام مجموعة من السياسات الفاشلة التى تدخلنا فى دوائر مغلقة من الاحتقان والانفجار وممارسة العنف ووقود الصراع هو دماء تراق لأبرياء يدفعون ثمن حماقات وعجرفة واستعلاء يأبى أن يعترف أنه يقود الوطن للهاوية يوما بعد يوم.

أصحاب الضمير وأصوات الحكمة يجب أن ترتفع أصواتهم وتخاطب السلطة وتنذرها من مغبة الانجراف المستمر نتيجة انتهاج سياسات أثبتت الأيام خطئها وكارثية تداعياتها. لم يعد الصمت ممكنا ونحن نرى الوطن يتمزق أكثر وأكثر. لا الشماتة ستفيد الوطن أو تمنع المصير المظلم الذى نمضى إليه جميعا ولا النفاق والتبرير والخبل الإعلامى سيساعدنا على الخروج من النفق المظلم.

ستة عشر شهرا مرت ونحن ننتهج هذه السياسات التى بُررت أنها لحرب الإرهاب وحماية الوطن وإذا بها تتحول لمعول يمزق النسيج المجتمعى ويهدم ثقة الناس ويستعدى الشباب والطلاب ويضع السلطة فى مواجهة الجميع وغضبهم وحنقهم مما يحدث.

•••

مراجعة الذات ليست نقيصة تقلل من قدر أصحابها، المسئولية الوطنية تقتضى الآن التحلى بالتواضع والاعتراف أن الوقت قد جاء للتوقف عن العناد والسعى لتصفير الصراعات. مراجعة السياسات لا تعنى فقط إقالة بعض المسئولين بل تعنى التعامل مع الوضع الراهن برؤية شاملة وتقدير موقف جديد يرصد أسباب الإخفاق ويحللها ويضع سياسات جديدة للحل معتمدة على المنهج العلمى الذى نحن بعيدون عنه كل البعد.

نحن معارضون للسلطة وسياساتها التى قادتنا لهذه المشهد البائس ولكننا لن نفرح بسقوط الوطن فى فخ العنف واتساع دائرة الاحتقان الأهلى، وسقوط أبرياء من المواطنين المصريين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين أو شرطيين. الخرق يتسع على الراقع والاعتراف بالمشكلة أول الطريق فلنبدأ من هنا.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات