طفح جلدى - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طفح جلدى

نشر فى : الأحد 19 يناير 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 19 يناير 2014 - 8:00 ص

مقطوعة موسيقية بعنوان «فالس الوحوش» تسحبنى تدريجيا لعالم التضاد، حيث الشىء وعكسه.. أتخيل كيف سيرقص الوحوش على هذا النوع من الموسيقى المعروفة بسرعة وخفة الإيقاع، مثلما ليلى مراد فى أغنية «أنا قلبى دليلى»؟.. قطعا مع الوحوش ستذهب حيوية الرقصة وطابعها الرومانسى المحلق، ويبقى اللف والدوران اللذان يميزاها أيضا.. لتتحول من حلم إلى واقع يعبر عن طبيعة البشر.. فالتناقضات هى ملح وفلفل البنى آدمين.. هى ما يجعلهم أكثر إثارة وتعقيدا واختلافا.. كأننا فى رواية دكتور جيكل ومستر هايد التى كتبها الأديب الأسكتلندى روبرت لويس ستيفنسون عام 1886.. أتحدث عن انشطار الروح إلى شخصيتين: واحدة تتابع سهرتها فى الغرب، والأخرى تمشى فى شوارع الذاكرة وقرى السنين، على حد تعبير الأديبة غادة السمان. صراعات النفس البشرية بين خير وشر دائما حاضرة. الدكتور جيكل، العالم الخجول النحيل، قد يتحول فى لحظة إلى مستر هايد، الشخص القوى والشرير.. وذلك بمجرد أن يشعر أن شيئا ما قد مس مصلحته أو أمرا من أموره الشخصية. يتحول إلى وحش قادر على إلحاق الأذى، حتى وإن ظل يرقص الفالس.

•••

أبرزت التطورات الأخيرة فى المنطقة هذا التناقض الشديد، إذ نجد أحيانا أكثر الناس مطالبة بالحرية هم أكثرهم ديكتاتورية فى حياتهم الخاصة، ومن يتحدث دوما عن المساواة بينما هو أكبر منحاز.. على الأقل منحاز لمن يشاركونه توجهه الفكرى، فى ظل سيطرة الأيدولوجيا على القرنين التاسع عشر والعشرين.. وفى عالمنا العربى هى أدلجة ناقصة ــــ على الأرجح ــــ لأنها معتمدة على شذرات تأتينا من هنا أو من هناك، لم يتم دمجها بالكامل فى الثقافة المحلية.. ما يزيد من حدة التناقضات، ويجعلنا مثلا نقابل كل يوم من يشيد بتحرر المرأة ويركض وراء نساء متحققات، لكنه يريد فى قرارة نفسه أن يظل «سى السيد» كما قال الكتاب.

ويجعلنا نقابل «الذين لا يتحدثون إلا عن الأدب الجاد والمسرح الجاد والخبز الجاد والويسكى الجاد والأفلام الجادة والمواعيد الجادة»، وهم فى الحقيقة أكبر مهرجين على الساحة، بحسب الكاتب السورى محمد الماغوط الذى توفى سنة 2006 عن عمر يناهز اثنين وسبعين عاما.

•••

أُحب محمد الماغوط بكل ما يحمله من مرارة وسخرية، وأعاود من وقت لآخر قراءة مجموعة مقالاته التى نشرت فى منتصف الثمانينات بين ضفتى كتاب بعنوان «سأخون وطنى (هذيان فى الرعب والحرية)»، فهو يلخص تجربة جيل خدع بالشعارات ولم يكتشف ذلك غير وهو على أبواب الشيخوخة. كلماته تلمس دوما وترا حساسا.. ولا تزال ترصد ما يحدث فى العالم العربى، إذ يقول مثلا فى مقالة بعنوان «طفح جلدى»: «الكل حساس وشاعرى. وبشرته السياسية لا تحتمل النسيم العليل فى هذه المرحلة. والكل له حساباته الداخلية والخارجية والاقتصادية والأمنية والدينية والتاريخية وتكتيكاته الإعلامية والمرحلية والاستراتيجية التى يجب مراعاتها والتوفيق فيما بينها عند كل كلمة يكتبها كاتب أو تمثيلية يخرجها مخرج أو أغنية يغنيها مطرب، أو نكتة يلقيها مهرج».

كان الماغوط منعزلا وساخطا، يكتب قصيدة النثر والخاطرة والرواية والمسرحية ليعيش.. يكتب ليعيش، وعندما يزداد الطفح الجلدى (أو المرار الطافح، كما نقول الآن بلغة الفيس بوك) يختار الانزواء: «والآن اسمحوا لى أن أضع عشرين شريطا لناظم الغزالى وأغلق الباب على نفسى حتى الأسبوع المقبل».

التعليقات