بـ«شلن تلج»! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بـ«شلن تلج»!

نشر فى : الثلاثاء 19 مايو 2020 - 8:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 19 مايو 2020 - 8:30 م

ليس بالأمر السهل أو الهين، أن تعود بالذاكرة إلى الوراء 40 عاما، لتتذكر تفاصيل صغيرة حدثت معك، رغم أن سنك وقتها لم يكن قد تجاوز العاشرة، لكن الأمر يصبح أسهل نسبيا، عندما تجتر الذكريات عن شهر الصوم والبركات، لأن به الكثير من العلامات والحكايات والوقائع، التى لا تزال عالقة فى الذاكرة، وترفض ان تتجه إلى سلة النسيان.
فى قريتنا التى تبعد عن القاهرة حوالى 160 كيلومترا، وتسمى «المقاطعة» وتتبع مركز السنبلاوين دقهلية، كان شهر رمضان فى نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضى، مختلف تماما فى تفاصيله عما نعيشه ونشاهده اليوم.. مظاهرة بسيطة لكنها تبقى ثرية فى الذاكرة.. وسائل الرفاهية فيه محدودة، لكن الفرحة بالموجود تفوق الخيال.
كان شهر رمضان يأتى صيفا فى ذلك الوقت، حيث درجات الحرارة العالية، وتكاد تشعر بطول ساعات الصيام، وأن اليوم مضروب فى يومين من شدة العطش.. لم تكن «الثلاجات» قد غزت قريتنا بعد، لأن الكهرباء لم تسبقها.. قبل المغرب بنصف ساعة، ترسلنى أسرتى إلى «دكان العوضى» لشراء قطعة من الثلج بـ«شلن أو بريزة».. وقتها لم تكن أكياس البلاستيك انتشرت بكثرة.. كنت أخذ قطعة الثلح فى «شوية قش»، وأحملها بين يدى وأرجع بها سريعا إلى منزلنا، حتى تغسلها والدتى ــ رحمة الله عليها ــ وتضعها فى حلة كبيرة من المياه النقية المفلترة ــ وارد الزير طبعا ــ ثم تضع على هذه المياه القليل من «ماء الورد» ليعطيها رائحة مختلفة وطعما غاية فى الروعة.
كان الراديو هو الوسيلة الوحيدة للتسلية والمعرفة والاطلاع.. قبل الافطار كان صوت الشيخ محمد رفعت يملأ أرجاء المنزل، وأيضا جامع القرية الذى يمتلك ميكروفونا يعمل بالبطارية، فيشعر الجميع بحالة إيمانية ووجدانية يعشقها القلب.. عندما نسمع صوت المدفع يتسابق جميع الملتفين حول «الطبلية» فى تناول المياه الباردة، ثم التهام الأكل الذى كان فى الغالب «رز وطبيخ» وقليل من اللحمة أو الفراخ ــ ان وجدت ــ.. ولا تنسَ طبق المخلل البيتى، وهو عبارة عن «لفت» صعب المضغ أو القضم مهما حاولت، وما عليك حتى لا تضيع وقتك سدى، سوى ترك هذه المهمة إلى معدتك لتتعامل معه.
كان الجميع يتعلق بالراديو وما يبثه من مواد اذاعية متنوعة، ومن أهمها فى ذلك الوقت مسلسل «ليلة القبض على فاطمة»، الذى تقوم ببطولته سيدة الشاشة العربية الراحلة فاتن حمامة، والتى تعاطف معها الجميع، ضد شقيقها الشرير أمين المنزلاوى الذى قام بدوره الفنان الراحل صلاح قابيل.. ميزة الراديو فى ذلك الوقت، انه يترك مساحة للتواصل الاجتماعى بين أفراد العائلة، لانك تعطيه أٌذنك فقط، عكس التلفزيون الذى يخطفها مع عينيك، فلا ترى أو تسمع من يجلس بجوارك، فيضيع التواصل ومعه جو الدفء العائلى.
بعد انتهاء وقت الافطار، والتحلية بـ«كوباية شاى»، يأتى وقت اللعب مع الأصدقاء.. فى الليالى التى يكون فيها ضوء القمر ساطعا، كان المكان المناسب للعب هو المجمع ــ المكان الذى يتم فيه تجميع أشولة القطن ــ .. نذهب إلى هناك لنمرح ونلهو ونقفز على هذه الأشولة، لكن فجأة يظهر لنا «عم جاد» حارس المكان، الذى كان يحمل فى يديه مجموعة متنوعة من الحبال الصغيرة.. عم جاد كان رجلا قصيرا، لكنه يتميز بالسرعة والخفة، كتلك التى يتمتع بها نجم ليفربول محمد صلاح، وما أن يتمكن من اللحاق بأحدنا حتى «يلسعه» بهذه الحبال على ظهره، ليس رغبة منه فى أذيتنا، ولكن كى نبعد عن «حق الحكومة وشقا الفلاحين».
كثيرة هى المشاهد والوقائع والحكايات، العالقة فى الأذهان والمحفورة فى الذاكرة عن شهر رمضان المبارك، ولن ننساها أبدا مهما حيينا، لأنها أصبحت جزءا من تكويننا الفكرى والثقافى بل والإنسانى، ليس هذا فقط، بل ان الحنين يزداد دائما إلى البدايات كلما تقدم بنا العمر، وكلما هل علينا هذا الشهر المبارك.

التعليقات