لطالما حلم الإمبرياليون الأمريكيون بجرينلاند - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لطالما حلم الإمبرياليون الأمريكيون بجرينلاند

نشر فى : الإثنين 19 أغسطس 2019 - 10:40 م | آخر تحديث : الإثنين 19 أغسطس 2019 - 10:40 م

نشرت مجلة Foreign Affairs مقالا للكاتب Paul Musgrave تناول فيها إعلان الرئيس دونالد ترامب عن رغبته فى شراء جزيرة جرينلاند التابعة لمملكة الدنمارك.. وتناول المقال طرح ما يمكن أن ينتج من سلبيات إذا تمت هذه الصفقة.

بداية من حبه للتعريفات الجمركية وصولا إلى نظرته العنصرية للعالم، يعتبر دونالد ترامب أول رئيس من هذا النوع تحظى به الولايات المتحدة. قدمت صحيفة وول ستريت دليلا على رغبة ترامب فى شراء جزيرة جرينلاند من الدنمارك (على الرغم من أن جرينلاند تتمتع بالحكم الذاتى، إلا أنها إلى جانب جزر فارو والدنمارك تشكل مملكة الدنمارك).

يعرف معظم الأمريكيين أن الولايات المتحدة قامت بشراء أجزاء كبيرة مما تعتبر الآن أراضى أمريكية. بعض عمليات شراء الأراضى كانت معروفة مثل صفقة لويزيانا.. والبعض الآخر كان غامضا مثل ضغط وزير الحرب جيفرسون ديفيس وغيره من الجنوبيين من أجل شراء ما يكفى من شمال المكسيك لدعم بناء خط سكة حديد جنوبى عابر للقارات.

فى الواقع، لقد تمت عملية تجربة شراء جرينلاند مرتين من قبل. لكن ما حدث من تغييرات فى العلاقات الدولية يجعل هذه الفكرة أسوأ من أى وقت مضى.

جاءت المرة الأولى خلال إدارة الرئيس أندرو جونسون... عندما استغل ويليام سيوارد، وزير الخارجية فى ذاك الوقت، إلهاء جونسون فى عملية إعادة الإعمار لمتابعة أهدافه حول التوسع الإقليمى.

سيوارد قدم عروضا مختلفة لانتزاع كندا من الإمبراطورية البريطانية وشراء أو استئجار قاعدة بحرية فى منطقة البحر الكاريبى. أخيرًا، نجحت سياسته فى شراء ألاسكا من الإمبراطورية الروسية.. وحاول شراء جرينلاند وأيسلندا من الدنمارك، التى كانت تمتلكها فى ذلك الوقت.
علم روبرت ووكر، وزير الخزانة السابق، أنه قد يتم حث الدنمارك على بيع الجزر فى عام 1867 عندما تفاوض على شراء مستعمرات الدنمارك الكاريبية فى جزر الهند الغربية. استغل سيوارد هذه الفرصة وكلف ووكر بإعداد تقرير حول موارد جرينلاند وأيسلندا.

تقرير ووكر أشار إلى أن شراء الولايات المتحدة للجزيرتين سيزيد من عظمة الولايات المتحدة. وعلى الرغم من اعترافه بأن التقرير لم يشمل معلومات عن شمال جرينلاند أو ما بداخلها، ولكنه ركز على أن جرينلاند هى أكبر جزيرة فى العالم وأنها تمتلك مصائد حيتان بقيمة 400 ألف دولار.
ولكن آمال سيوارد فى الحصول على هذه الجزر تلاشت عندما فشلت صفقة شراء جزر الهند الغربية الدنماركية فى مجلس الشيوخ، على الرغم من أن معاهدة شرائها قد صدق عليها البرلمان الدنماركى وأجرى عليها استفتاءً عاما. (سيتم شراؤها بعد خمسين عامًا وستصبح جزر فيرجن الأمريكية).

المحاولة الثانية جاءت فى أعقاب الحرب العالمية الثانية. تم غزو الدنمارك، التى كانت لا تزال تدير جرينلاند كمستعمرة، فى عملية استمرت ست ساعات فى مارس 1940. وبعد ذلك بعام، قام السفير الدنماركى، الذى احتفظ بأوراق اعتماده على الرغم من رفضه تلقى أوامر من الحكومة المحتلة فى كوبنهاجن، بالتوقيع على اتفاقية مع حكومة الولايات المتحدة تسمح لها باحتلال وتحصين الجزيرة لمنع ألمانيا من استخدامها كقاعدة ضد الولايات المتحدة وكندا.
سمح احتلال جرينلاند فى زمن الحرب للولايات المتحدة بتطوير العديد من المنشآت العسكرية هناك، بما فى ذلك قاعدة جوية.

لقد تم طرح إمكانية شراء جرينلاند فى فبراير 1946 عندما استطلعت مؤسسة جالوب الأمريكيين حول ما إذا كان ينبغى عليهم دفع مليار دولار لشراء جرينلاند من الدنمارك. قال ثلاثة وثلاثون فى المائة من الأمريكيين نعم، بينما قال 38 فى المائة «لا»... 28 فى المائة لم يكن لديهم رأى، وهو ما كان يبدو مناسبا بالنظر إلى أن 45 فى المائة فقط من الأمريكيين حددوا بشكل صحيح أين تقع جرينلاند و10 فى المائة فقط كان لديهم معلومات عن عدد الأشخاص الذين يعيشون هناك.

ومع ذلك، كان لدى الأمريكيين علم جيد بأهمية جرينلاند، ومعرفة بالقيمة العسكرية للجزيرة. وبالتالى، اتبعوا الاتجاه السائد فى واشنطن، حيث رأى كبار صانعى السياسة والضباط العسكريين أهمية السيطرة على جرينلاند باعتبارها «لا غنى عنها لسلامة الولايات المتحدة». فى النهاية، رفض الدنماركيون العرض، وعرضوا على جرينلاند الحصول على وضع أكبر لتصبح جزءا من مملكة الدنمارك بدلا من كونها مستعمرة.

لكن توترات الحرب الباردة جعلت الولايات المتحدة تحصل على ما تريد: إقامة سلسلة من المنشآت العسكرية فى جميع أنحاء الجزيرة... لعبت هذه القواعد الجوية وغيرها من المنشآت دورًا أساسيًا فى الاستراتيجية النووية للولايات المتحدة، كما كتب العالم السياسى الدنماركى نيكولاج بيترسن. فى الفترة الأولى من الحرب الباردة، لم يكن الردع النووى الأمريكى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية قائما على الصواريخ العابرة للقارات بل على القاذفات ذات المدى المحدود. قدمت جرينلاند مسارا فعالا فوق المناطق القطبية لتحقيق الأهداف الأمريكية فى الاتحاد السوفيتى... وعندما طالبت الولايات المتحدة بإقامة المزيد من القواعد، وافقت الدنمارك على ذلك.

***

ربما لن يتم اعتبار محاولات ترامب على أنها محاولات جدية ثالثة: فحتى الآن لم يتم طرح أفكار حول هذا الشأن باستثناء بعض الاقتراحات على طاولات العشاء. ومن ناحية أخرى: هذا هو دونالد ترامب.. لذلك فإن هذا البالون التجريبى قد ينطلق فى أى وقت ــ وهذا يعنى أن من الممكن استغلاله للدراسة وطرح الأسباب التى تجعل هذه الفكرة سيئة.

بالنسبة لترامب، يبدو أنه غير مدرك لأهمية الجزيرة وما يحفزه هو تكبره وليس رؤيته لاستراتيجية معينة. فيعتقد أن ترامب يريد إكمال الصفقة بسبب الموارد الطبيعية هناك ولأنه يريد أن يترك ميراثًا مثل الرئيس دوايت أيزنهاور الذى قام بضم ألاسكا لتصبح ولاية من ولايات أمريكا.
من المسلم به أن جرينلاند تمتلك على الأرجح احتياطيات نفطية كبيرة ــ كما أن لها أهمية استراتيجية. وقام وزير الدفاع جيمس ماتيس بالضغط على الحكومة الدنماركية العام الماضى لوقف محاولة من جانب رئيس وزراء جرينلاند للحصول على تمويل الصين لإنشاء ثلاثة مطارات هناك، فى حين أن الاحتباس الحرارى من الممكن أن يخلق ممرات مباشرة جديدة.

***

ولكن من الممكن أن يكون هناك بعض العقبات. أولا، على الرغم من أن الحكومات يمكنها شراء الأراضى فى بلدان أخرى، فليس من الواضح أن الدول بشكل عام تستطيع شراء أو بيع السيادة على أراضيها بعد الآن. حتى فى أوائل القرن العشرين، أصبح هذا أمرًا غريبًا وأصبحت ممارسة تبادل الأراضى كجزء من سياسات القوة أو لأسباب مالية لا تتماشى مع تطور المعايير الرافضة للإمبريالية والتعامل مع الدول على أنها ذات سيادة. وهذا يزيد فى الأماكن التى بها عدد كبير من السكان الأصليين، مثل جرينلاند، حيث 88 فى المائة من السكان من الإنويت.

واليوم، تنص العقيدة الدنماركية «وحدة المملكة» على أن جرينلاند تشكل جزءًا لا يتجزأ من مملكة الدنمارك. وبالتالى.. فإن بيع جرينلاند لن يكون ممكنًا.

حتى لو تم بيع الجزيرة بشكل قانونى، فلا ينبغى أن تكون الولايات المتحدة جزءا من هذه الصفقة.. كدولة ديمقراطية، لا يجب على الولايات المتحدة الانخراط فى مثل هذه الممارسات. فهذه الجزيرة تشكل مجتمعًا سياسيًا متميزًا وتتمتع بالفعل بحكم ذاتى فى كل شىء ما عدا الدفاع والشئون الخارجية. وفى الوقت الحالى، من المرجح أن تكون جرينلاند فى مسارها لنيل استقلاها التام.

هل يمكن للولايات المتحدة أن تقدم لشعب جرينلاند صفقة أفضل؟ على الأغلب لا.. فإهمال إدارة ترامب لبورتوريكو وجزر فيرجن الأمريكية بعد إعصار ماريا من آخر الأحداث فى سلسلة سوء معاملة الولايات المتحدة لمستعمراتها.

ما لم تصبح الجزيرة ولاية، فمن المرجح أن يكون مصيرها أشبه بالممتلكات الأخرى المنفصلة. وإذا أصبحت جرينلاند ولاية، فلن يؤدى ذلك فقط إلى زيادة تدهور مجلس الشيوخ، بل سيكون بمثابة صفعة فى وجه الأراضى الأمريكية ولسكان مقاطعة كولومبيا المحرومين من حقوقهم.
وكل هذا بالطبع لا يأخذ فى الاعتبار ما يمكن أن يحدث إذا تمت الصفقة. فقط.. تخيل عالما من المنافسة بين القوى العظمى، تنخرط فيها كل من روسيا والهند والصين فى صراع جديد شرعى على المستعمرات.
فكرة شراء جرينلاند إذن ليست فكرة سخيفة، بصرف النظر عن مدى استخفاف الرئيس بها.. فهى فكرة خطيرة وتشير إلى أن دافع ترامب لمعاملة كل شىء على أنه صفقة عقارية يعنى أنه يميل إلى إعادة بعض من أسوأ عادات العلاقات الدولية.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى

النص الأصلى

http://bit.ly/33DtaLz

التعليقات