الموسيقيون فى قفص الاتهام - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 19 نوفمبر 2025 8:36 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

الموسيقيون فى قفص الاتهام

نشر فى : الأربعاء 19 نوفمبر 2025 - 7:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 19 نوفمبر 2025 - 7:20 م

هل خطر ببالك اتهام الموسيقيين العرب بالأنانية؟ التهمة تتجاوز النرجسية وحبّ الذات. القضية أكبر من ظاهرة نفسية فردية، هى من ناحية لها مورّثات تاريخية، ومؤثرات قرونية، ومن ناحية أخرى، لم تعرف موسيقانا طوال العصر الحديث، إلى أيامنا، فلسفتى الفن والموسيقى. ليست لنا فلسفة موسيقى عربية. الدليل جلىّ، من هم المفكرون العرب المعاصرون الملمون بالموسيقى، الذين وضعوا أسسًا لفلسفة موسيقى عربية؟ أمّا ما كتبه فلاسفة الغرب فى الموسيقى، أمثال هيجل وشوبنهاور ونيتشه وغيرهم، فلا ينطبق على موسيقانا، التى باتت رهينة شكل واحد هو الأغنية. التراجيكوميديا أن الأصوات الجيّدة لم تعد، جراء قحط الإبداع فى الكلمات والألحان، تجد لها سبيلًا غير أداء ما فى المكتبة الموسيقية. كأن الصوت الجيّد يردّد ما لم يقله المتنبى: «تمرّستُ بالألحان حتى وجدتها.. تقولُ: أمات اللحنُ أم قُتِلَ الشعرُ».
لا مبالغة فى تهمة الأنانية. لم يفكّر الموسيقيون العرب فى الطفل العربى، الذى يعانى ذوقه جوًّا عديم الأكسجين الموسيقى. لدينا نثريات مثل: «ماما زمانها جاية»، مع تحفّظ القلم، الذى لا يراها من الموسيقى الرفيعة. الطفل الغربى يستمتع، حتى وهو جنين، بكل أعمال الموسيقى السيمفونية، خصوصًا آلاف الروائع لموتزارت، فيفالدى، ديبوسى، تشايكوفسكى، هايدن، هندل، روسينى. يقول آلن فيلسوف التربية الفرنسى: «الموسيقى فنّ معقد لا يستطيع استيعابه غير الذهن الشديد البساطة لدى الطفل». ويقول: «أسمعوه بيتهوفن فى المهد». هكذا تتحمّل الموسيقى العربية جانبًا من التهمة، كأن الطفل يجب أن يظل بمنأى عن «الخطيئة». موسيقانا تاريخيًّا نشأت فى مجالس حرّضت عليها الكثير من النافذين فى الرأى العام. تخيّل لو جاء ملحن إلى أم كلثوم عارضًا عليها «أكلك منين يا بطة»، كانت تحتفى به احتفاء الشريف الرضى بالمعرى. ذمّ الشريف المتنبى فقال له أبو العلاء: "كفاه فخرًا قصيدته: لكِ يا منازلُ فى القلوب منازلُ. أدرك الرّضى أنه يقصد قول أبى الطيّب: «وإذا أتتكَ مذمّتى من ناقص.. فهى الشهادة لى بأنيَ كاملُ». فانهالوا عليه ضربًا وأخرجوه.
كأن الأغنية تهجو شعراءها بأنهم أفلسوا عاطفيًا، فالأغانى تدل على أن بطارية الحب على الصفر، وأن المقام مات فى المقامات.
لزوم ما يلزم: النتيجة الوقائية: على الأسرة إسماع الطفل الموسيقى الرفيعة فى المهد، وكل الهبوط سيندثر.

 


عبداللطيف الزبيدى
جريدة الخليج الإماراتية

التعليقات