نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب العراقى وليد خدورى، تناول فيه الدور المحورى لقواعد البيانات الضخمة فى تطور وتنافسية الذكاء الاصطناعى (AI)، وما يترتب على ذلك من تكاليف بيئية وطاقية عالية، مع الدعوة إلى ضرورة التطوير المستمر لهذه القواعد للحفاظ على التنافس الاقتصادى العالمى.. نعرض من المقال ما يلى:
أصدر معهد «بروكينجز» فى واشنطن، الأسبوع الماضى، بحثا عن دور قواعد البيانات للذكاء الاصطناعى، مشيدا بأهمية الذكاء الاصطناعى لكونه «شبكة النقل العلمى» العالمية.
اعتبر البحث الذكاء الاصطناعى «نقطة تحول فى مجال اتخاذ القرارات» العالمية المعاصرة نظرًا لاعتماده على قاعدة بيانات واسعة وفى مجالات متعددة فى الوقت نفسه: الإحصاءات، الوثائق، الصور، استعمال لغات متعددة فى آنٍ. لكن البحث لفت النظر إلى التكاليف العالية الضرورية فى استعمال هذه الثروة العلمية الحديثة من إمدادات الطاقة الواسعة الواجب توفيرها، بالإضافة إلى المياه، والمعادن النادرة، والأجهزة العلمية الدقيقة. كما أشار إلى توقع زيادة التكاليف للمواد أعلاه مع ارتفاع استعمال الذكاء الاصطناعى مستقبلاً.
وأشار البحث أيضا إلى ضرورة أن تبادر الدول لتطوير قواعد البيانات باستمرار مستقبلاً للمحافظة على مستواها التنافسى مع بقية دول العالم لكى تحافظ على مستواها الاقتصادى التنافسى المستقبلى العالمى. بمعنى أن قواعد البيانات مع استعمالها من قبل الذكاء الاصطناعى ستشكل معيارًا أساسيًا للتنافس الاقتصادى مستقبلاً.
يعتبر الذكاء الاصطناعى «ناقل التقنية الحديث» لعالمنا المعاصر. وهو يتطلب تطويرًا مستمرًا لقواعد البيانات التى توفر المعلومات: الشئون المالية، الرعاية الصحية، التعليم والثقافة، المواصلات، الاتصالات، الأسلحة والشئون الحربية، التجارة الإلكترونية.
من ثم، بما أن زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعى ستتقرر بناء على تطوير وتحديث قواعد البيانات باستمرار. فإن مسيرة التحديث المتواصل لهذه القواعد أمر ضروري. يشمل هذا التطوير عددها ومواقع توزيعها، مدى تأثيرها على انخفاض الحاجة للأيدى العاملة فى مجالات محددة، التكلفة الاستثمارية لقواعد البيانات الحديثة، الفوائد الاقتصادية.
تستهلك قواعد البيانات الكثير من الطاقة والكهرباء. إذ يشير البحث إلى أن قواعد البيانات استهلكت حوالى 4.4 فى المائة من الطاقة الكهربائية فى الولايات المتحدة خلال عام 2023. وتدل التوقعات على أن قواعد البيانات ستستهلك نسبة أعلى من الطاقة الكهربائية الأمريكية مستقبلاً.
وتتوقع «لورنس بيركلى ناشينول لابرويترى» أن تشكل الحاجة الطاقوية الكهربائية للذكاء الاصطناعى نحو 21 فى المائة من مجمل طاقة الكهرباء الأمريكية بحلول عام 2030. وتتوقع «ماكينزى» من جهتها أن تستهلك قواعد البيانات الأمريكية 35 جيجاواط من الكهرباء بحلول 2030.
من جانبها، تحاول بعض شركات الذكاء الاصطناعى الأمريكية الاعتماد على الكهرباء المنتجة من المفاعلات النووية، إما بتشييد مفاعلات جديدة أو إعادة افتتاح مفاعلات قديمة تم تقاعدها عن العمل. وبهذا يتم تفادى زيادة الانبعاثات الكربونية من شبكة الكهرباء الاعتيادية. وبالفعل، تتم الآن إعادة تشغيل محطة «ثرى مايل آيلاند» المتوقفة منذ سنوات لاستعمال الكهرباء الناتجة عنها بحلول 2028 من قبل شركة «مايكروسوفت» لتزويد الطاقة لقواعد بيانات «مايكروسوفت» التى تشغل 3400 موظف.
يفيد البحث بأنه من الصعب الآن تحديد عدد قواعد البيانات عالمياً ومقراتها، نظراً لعدم توفر جهة لمتابعة هذا الأمر، وأنه من الصعب معرفة القواعد تحت التشييد أو فى مرحلة التخطيط. هذا ويقترح تأسيس جهة تتابع تشييد ومراحل عمل القواعد البيانية عالميا.
لكن، رغم هذه التحفظات، يقدر البحث أن هناك الآن نحو 11800 قاعدة بيانية عالميا. وتأتى الولايات المتحدة فى المرتبة الأولى عدديا، حيث إن لديها ثلثى عدد القواعد البيانية العالمية؛ تليها ألمانيا، وبريطانيا، والصين، وفرنسا. ولا دولة شرق أوسطية فى القائمة.