لنفترض أنه لو جاءت الإدارة الأمريكية فى 8 أكتوبر 2023 إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وقالت له إن فى الإمكان استعادة جميع الرهائن، وأن «حماس» ستتعهد بعدم السيطرة على غزة، وستتخلى عن سلاحها (باستثناء البنادق)، وأن الجيش الإسرائيلى سيحصل على نصف القطاع، لكنه سينسحب منه بالتدريج، حتى المنطقة المحيطة به، لمصلحة قوة دولية مسلحة، سيقيّد وجودها نشاطات إسرائيل عمليا، وسيكون ذلك تحت إشراف «مجلس سلام» عالمي، سيصبح وصيّا ومسئولا فعليا عن غزة، وفى إطار التسوية، ستحصل تركيا وقطر على نفوذ مضاعف فى القطاع، وستعود السلطة الفلسطينية لتكون طرفا فى غزة (إذا أجرَت إصلاحات)، وسيكون هناك اتفاق عالمى على مسارٍ محتمل ربما لدولة فلسطينية، فمن دون شك، كان الأمر سيبدو معقدا للغاية.
ماذا كان نتنياهو سيقول؟ يمكن تخيُّل صوته الهادر: «فقط النصر الكامل! لن نتوقف قبل تحقيق النصر الكامل». وبسهولة، يمكن أن يضيف أنه لن يمنح أبدا السلطة الفلسطينية الشرعية. ومن المؤكد أنه لن تخطر فى باله إعادة مصطلح «الدولة الفلسطينية» إلى الساحة السياسية، بعد وقت قصير فقط على ارتكاب «حماس» أكبر «مجزرة» بحق اليهود، وعلاوةً على ذلك، فى منطقة انسحبت منها إسرائيل طوعا فى سنة 2005. كان نتنياهو سيستنكر الاقتراح، وفى المرحلة التالية، سيرسل مبعوثيه لشتم الإدارة الأمريكية.
وإليكم آخر الأخبار: هذا بالضبط ما قرره مجلس الأمن، وهذا هو القرار المُلزم للمجتمع الدولى. ليس التصريحات الصحفية، ولا التحفظات التى قدّمها نتنياهو للبيت الأبيض، هناك قرار قانونى مُلزم بشأن غزة، وهو بعيد جدا عن كل ما تحدثت عنه حكومة اليمين الأكثر تطرفا منذ تأسيسها، وبشكل خاص منذ 7 أكتوبر.
ومن باب الإنصاف: هذا القرار لا يقيم دولة فلسطينية، فالصيغة مراوِغة للغاية، وإمكان إشراك السلطة محدود نسبيا. علاوةً على ذلك، هذه الصفقة لم تكن مطروحة سابقا، والمحادثات التى أجراها مسئولون كبار فى إدارتَى بايدن وترامب توضح أن «حماس»، خلافا لادّعاءات الوسطاء، لم توافق قط على إعادة جميع الرهائن والجثامين، قبل الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلى من القطاع، وبالتالى فإن إعادتهم تعدّ إنجازا استثنائيا، تحققَ بفضل الضغط العسكرى على القطاع، وفى الأساس، بفضل الالتزام الشخصى والنادر للرئيس ترامب ومبعوثيه. «إن حماس منظمة مُنهكة»، هذا ما قاله مؤخرا مسئول دولى كبير يتحدث مع قادة الحركة بانتظام، «مُنهكة، وفى ضائقة».
هناك كذبتان: كذبة أنه كان فى الإمكان إنهاء الحرب فى يومها الأول بصفقة مماثلة لتلك التى تحققت فى النهاية، وليس كذباً على الإطلاق القول إن فرصا لا تُحصى أُهدرت طوال الوقت، كان من الممكن أن تنقذ أرواح الرهائن، وتنهى الحرب فى وقت أبكر، وتنقذ حياة الفلسطينيين غير المتورطين فى غزة، وتوقف تدهور مكانة إسرائيل فى العالم.
فى المقابل، من الكذب الادّعاء أن هذه النتيجة هى إنجاز رائع لإسرائيل، والذى هندسهُ نتنياهو وديرمر منذ اللحظة الأولى، وترامب فقط نفّذه. على المرء أن يكون ساذجا جدا، لكى يصدق «نظرية الخطة العبقرية لنتنياهو».
ففى اليوم عينه الذى شهد اتخاذ القرار فى مجلس الأمن، أعلن الرئيس الأمريكى خبر بيع طائرات «F-35» للسعوديين، على الرغم من معارضة إسرائيل الشديدة؛ نتنياهو ابتعد بسرعة عن هذه الساحة؛ لكيلا تُلصق به المسئولية، وترك للمؤسسة الأمنية التعامل مع التداعيات، ومن غير الواضح إطلاقاً كيف سيجرى الحفاظ على التفوق النوعى لإسرائيل عندما يمتلك الأتراك والسعوديون هذه الطائرات.
هذه هى الإدارة الأمريكية نفسها التى أعلنت، بعد مغازلة قصيرة جداً لفكرة «الريفييرا فى غزة»، أن أى فلسطينى لن يُهجَّر، أو يفقد أرضه فى القطاع، وقبل أسبوعين فقط، أوضحت أنه لن يكون هناك أى ضمّ أيضا فى الضفة الغربية، وهو أحد أقدم أحلام اليمين الإسرائيلى.
لا يزال نتنياهو يأمل ببدء مسار التطبيع مع السعوديين، فهو لا يحتاج إلى شىء حقيقى، بل صورة جميلة قبل الانتخابات. لا شك فى أن الإدارة الأمريكية ترغب فى تحقيق مثل هذا المسار، أو على الأقل، بداية احتفالية، لكن مصادر سعودية قالت أيضا، هذا الأسبوع، إن مكانة إسرائيل فى المملكة تدهورت «بشكل كبير»، وأنه من دون إقامة دولة فلسطينية، كـ«شرط حقيقى وملموس» (أى ليس مجرد خطاب فارغ)، فلا مجال للحديث. أمّا مستوى ثقتهم بنتنياهو، فليس هناك حاجة إلى إضاعة كلمات عليه.
لكن جوهر التطور الدراماتيكى، يوم الإثنين الماضى، هو تدويل الصراع. فلأول مرة، يأمر مجلس الأمن بإدخال قوة مسلحة إلى منطقة احتُلّت فى سنة 1967، لتكون حاجزا بين إسرائيل والفلسطينيين؛ وهو يؤسس لسلطة ذات سيادة، ليست إسرائيل، ولا السلطة الفلسطينية، ولا تعمل تحت سيطرة إسرائيل. هذا التغيير الجوهرى تبادر إليه إدارة ترامب، ويمكن أن نكون متفائلين بشأنه: حتى الآن، كانت الساحة الشرق الأوسطية النجاح الأبرز فى سياستها الخارجية.
نداف إيال
يديعوت أحرونوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية