تومر يروشالمى.. التسريب لن يجعلها قديسةً معذبة - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 1:59 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من يحسم السوبر المصري؟

تومر يروشالمى.. التسريب لن يجعلها قديسةً معذبة

نشر فى : الإثنين 3 نوفمبر 2025 - 7:20 م | آخر تحديث : الإثنين 3 نوفمبر 2025 - 7:20 م

عندما يصبح الليل نهارا، يمكن حتى للمدعية العسكرية العامة أن تتحول إلى قديسة، قاتلت من أجل صون القانون وحقوق الإنسان إلى أن أُحرقت على المذبح، ضحية بريئة لليمين الشرير. عندما يصبح الليل نهارًا، لا تُقال المدعية من منصبها إلّا حين لا تخون وظيفتها وتتخذ خطوة شجاعة للمرة الأولى (والأخيرة) فى مسيرتها المهنية.

 


إن الوحش الذى لا يعرف الشبع لا يمكن إشباعه: أيتها العميدة، كونى المدافِعة عن الإبادة الجماعية، وغطى على كل الجرائم، واطمسى كل التحقيقات، واغسلى جرائم جنود الجيش الإسرائيلى واطلبى رضا قادتك، فعند أول زلّة، سيحاسبك هذا الوحش. أيتها العميدة، هل كان يستحق الأمر أن تخدمى جيش الجريمة بهذه العبودية، بينما كان مصيرك بهذا البؤس؟ ألم يكن من الأجدر بك أن تؤدى واجبك، وأن ترفعى صوتك بشجاعة ونزاهة، وأن تُقالى، على الأقل بشرف؟ لقد أكلتِ السمك الفاسد وطُردتِ من المدينة. هل كان ذلك يستحق؟
لسنوات، جلستِ على مقاعد القضاء العسكرى، الذى لا علاقة له بما تعلمتِ فى الجامعات. كنتِ مدعية وقاضية، وزججتِ بآلاف البشر فى السجون من دون محاكمة حقيقية. منعتِ أى تحقيق فى آلاف الجرائم التى ارتكبها الجنود ضد الفلسطينيين فى الضفة وغزة. فكلّ حالة طفل أُطلق عليه الرصاص حتى الموت من دون سبب، أو جندى تعذب بيده معتقل، نالت الدعم القانونى منكِ، ومن المنظومة التى ترأسينها. فى تلك المنظومة، لا يوجد جنود يرتكبون جرائم، حتى بعد فظائع غزة.
لقد شاركتِ فى أكثر المسرحيات انحطاطاً، منظومة القضاء العسكرى؛ حيث يكفى أن يكون الإنسان فلسطينياً ليُدان، فى محكمة الفصل العنصرى التى لا يملك فيها المتهم أى حقوق، ولا تُصدر أحكام براءة، بل هى مجرد ديكور رخيص لجهاز قضائى. هكذا صعدتِ فى سلّم الرتب، وأصبحتِ المدعية العسكرية العامة، وهذا كله لتبييض جرائم الجيش الذى خدمتِ فيه. لا توجد مؤسسة قانونية جادة فى العالم يمكن أن تبيّض جرائم الجيش فى غزة والضفة، لكنكِ، أيتها العميدة، فعلتِ ذلك ببهجة. كنتِ مدعية الإبادة الجماعية، وعند صدور الأوامر، سيتذكرونكِ بذلك، والآن، يردّ لكِ النظام الجزاء بمثله: يُلقى بكِ خارج منصبك لأسباب هى من أكثر الأسباب خطأً فى العالم.
تصعب معرفة ما الذى دفع يفعات تومر يروشالمى فجأة إلى الخروج عن الدور المرسوم لها، والاشمئزاز من الفيديو الذى ظهر فيه سجّانون عسكريون ساديون، لا «مقاتلون»، حسبما اعتادوا تسميتهم، يعذبون معتقلاً فلسطينيًا أعزل بهذه الوحشية. ووفق لائحة الاتهام، فإن هؤلاء الخمسة من أوغاد البشر طعنوا ضحيتهم فى فتحة الشرج ومزقوها، وكسروا أضلاعه، وثقبوا إحدى رئتيه.
كان من المهم أن يرى الإسرائيليون ما الذى يفعله جنودهم، وخصوصًا فى أجواء «كل شىء مسموح»، التى تسود الجيش منذ السابع من أكتوبر 2023. فجأة، منحت العميدة لحظة صدق واحدة للنقاش العام. لقد أدركت أن فرصة إدانة أفراد وحدة «القوة 100» فى المناخ العام الحالى معدومة تقريبًا، ولهذا، سمحت بنشر الفيديو، وهو الفعل الوحيد الذى تستحق عليه وسام شجاعة.
عادةً، هذا ما يحدث فى سجون الجيش، لكن هذه المرة، أصابها الذهول. ألم تسمعى عن الثمانين معتقلاً الذين ماتوا فى السجون، بعضهم على أيدى جنود الجيش؟ ماذا فعلتِ بشأنهم؟ وماذا فعلتِ بشأن الجندى الذى أطلق النار قبل أسبوعين على طفل فى التاسعة من عمره فى قرية الريحية وقتله؟ قال الناطق بلسان الجيش إن القضية أُحيلت إلى «فحص النيابة العسكرية». سيستمر هذا الفحص أعوامًا، وماذا سيفعلون به؟ فحقيقة أنه ما زال طليقًا هى الجواب.
عندما يصبح الليل نهارًا، يتحول المتهمون الخمسة بالتعذيب فى قاعدة «سديه تيمان» إلى ضحايا، والعفو فى الطريق إليهم، ومَن غرزت السكين فى شرجهم هى المدعية العسكرية نفسها. يسرائيل كاتس يلهث حقدًا وانتقامًا، كم يحب إقالة الضباط الكبار، وكم تسكره نشوة القوة، والجميع، بمن فيهم بعض المعتدلين، يقررون أن فعل التسريب كان «خطِرًا جدًا». تلك هى الجريمة، وتلك هى الفاعلة. فقط لا تجعلوا منها قديسةً معذبة.

 

 

جدعون ليفى

هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

من الصحافة الإسرائيلية أبرز المقالات من الصحف الإسرائيلية
التعليقات