أوهام وارسو والأسئلة المطروحة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوهام وارسو والأسئلة المطروحة

نشر فى : الخميس 21 فبراير 2019 - 12:00 ص | آخر تحديث : الخميس 21 فبراير 2019 - 12:00 ص

دعنا من حفلة الزواج المنقوصة فى وارسو، حيث وقف العريس، والدم الفلسطينى يقطر من يديه وأسنانه، يوزع ابتسامات التعالى والاحتقار من حوله، خصوصا الشهود المدعوين العشرة المرتبكين بخجلهم وخوفهم وذلهم. كان واضحا أن العروس الفلسطينية، التى عانت من قهر وخيانات وتلاعبات حفلات العرس الفاشلة السابقة، قد قررت أخيرا عدم حضور حفلة العرس الشيطانية الجديدة بالرغم من إغراءات الصهر الصهيونى لها وللشهود المخدوعين.

تلك حفلة ضحك عليها من ضحك وبكى عليها من بكى. ولننتقل إلى الجد وطرح الأسئلة على من شربوا القهوة فى خلوة مع مجرم العصر نتنياهو.

أولا، هل سأل أحدكم نتنياهو عما يعنيه فى العرف الصهيونى شعار «يهودية الدولة»؟
هل سيعنى اعتبار مليون ونصف مليون فلسطينى، ممن يعيشون فى الجزء المحتل من فلسطين، كمواطنين من الدرجة الثانية، محرومين من ألف حق وحق إنسانى وقانوني؟ أم أنه سيعنى استعمالا جديدا لجرائم الإبادة والاستباحة والتخويف الصهيونية من أجل دفع الفلسطينيين للخروج من بلدهم إلى معسكرات اللاجئين والمنافى وكل أنواع القهر، تماما كما فعلت جحافل الغزو والإبادة الصهيونية فى الأربعينات من القرن الماضي؟

ثانيا، هل تجرأ أحد ممن صافح يد من يأمر يوميا بقتل شباب فلسطين وأطفالها فقط لأنهم يقاومون الاحتلال، وبهدم بيوت الفلسطينيين وإلقاء نسائها وشيوخها فى الشوارع والعراء كعقاب إجرامى للعائلة كلها، فقط لأن ابنا من أبنائها مد يده وصفع شرطيا صهيونيا متعجرفا وشاهرا سلاحه..... هل تجرأ وسأل:
عمن يتحدث النشيد الوطنى الصهيونى عندما يزأر أولاد وجنود الصهاينة يوميا بتردد نشيد من مثل « ليرتعد من هو عدو لنا، ليرتعد كل سكان مصر وكنعان وبابل حين نغرس رماحنا فى صدورهم ونرى دماءهم تراق ورؤوسهم مقطوعة، وعندئذ نكون شعب الله المختار... ؟
أم أن الشاهد الوزير العربى الهمام الذى ادعى أمام نتنياهو بأن الشعب العربى قد تخلى ونسى مشاعره السابقة الرافضة للاستعمار الصهيونى وجرائمه لم يسمع عن هذا النشيد الذى لم يتخل عن ولم ينسى مشاعره الحاقدة الدموية الكريهة تجاه سكان أرض ما بين نهرى النيل والفرات؟
ثالثا، هل تجرأ أحد من الذين شربوا القهوة مع نتنياهو ليسأله: ماذا عن «قانون العودة» الذى صدر سنة 1950، والذى يعطى كل يهودى فى العالم، مهما كانت جنسيته، حق «العودة» إلى فلسطين كمواطن كامل المواطنة؟ هل سيتخلى الكيان الصهيونى عن ذلك القانون؟ وإذا لم يتخل عن ذلك، فهل سيعترف بحق سبعة ملايين فلسطينى فى العودة إلى وطنهم والسكن فيه كمواطنين؟

ومادام الحديث عن «العودة» فهل ذكر أحدهم نتنياهو بأن إطلاق اسم «أرض إسرائيل» على أرض فلسطين كان كذبة تاريخية دحضها اليهودى أستاذ التاريخ المعاصر فى جامعة تل أبيب، شلومو ساند، عندما أكد بأن فلسطين لم تعرف طيلة تاريخها بأرض إسرائيل، وإنما عرفت فى البداية بأرض كنعان، ثم عرفت بفلسطين منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد؟ وهو نفسه الأستاذ الذى دحض أسطورة انغلاق الديانة اليهودية على الشعب التوراتى القديم، ودحض وحدة الأصل والانتساب لبنى إسرائيل، ودحض أسطورة عودة «الشعب» إلى «أرضه» من «الشتات »، أى دحض كل الأكاذيب التى قامت عليها الأساطير والتخيلات الصهيونية ومبررات قيام كيانها الغاصب.

بل وهل تجرأ أحدهم وسأل المجرم عن حدود « الدولة « التى يدعون العرب الضيوف لقبولها؟ فلا يزال الكيان يصُر على عدم ذكر أى حدود لتواجده السرطانى فى الأرض العربية.

رابعا، هل تفضل أحد الذين اختلوا بالمفاخر يوميا بقتل الفلسطينيين واستباحة أرضهم وسرقة ممتلكاتهم، هل سيعيد الكيان ممتلكات المواطنين الفلسطينيين العرب التى اغتصبت عبر السبعين سنة الماضية؟ هل سيعيدون مايزيد عن سبعة عشر ألف كيلو متر مربٌع، أى نحو خمسة وستين فى المائة من أرض فلسطين، صودرت من خلال قوانين كاذبة حال قيام الكيان الاستعمارى الاستيطانى من مثل «قانون أملاك الغائبين» الذى صدر عام 1950؟
خامسا، هل سأل أحد نتنياهو عن مصير الأراضى اللبنانية والسورية والأردنية المغتصبة المحتلة، وهل ستعاد إلى حكوماتها؟ أم أنها كأرض فلسطين ستصبح ملكا لملايين الغزاة اليهود الصهاينة الذين استعمروا وسيستعمرون أرض العرب؟

وهل سيزيلون جدار الفصل العنصرى العازل الذى حكمت محكمة العدل الدولية بضرورة تفكيكه نظرا لعدم شرعيته؟ وهل سيعوضون من اغتالهم جهاز الموساد فى طول وعرض بلاد العرب؟ وهل سيعتذرون عن ارتكابهم عشرات المجازر، من مثل مجزرة دير ياسين وقانا، وهل سيعترف ويعتذر جيش الإحتلال عن تناوب اثنين وعشرين من ضباطه وجنوده على اغتصاب طفلة فلسطينية فى سن الثانية عشرة حتى الموت حال إعلان قيام كيانه فى الأربعينيات؟ وهل سيرفع الحصار الجائر عن غزة الجائعة المدمرة المنهكة؟ وهل سيخرج الألوف من الفلسطينيين القابعين فى سجون الاحتلال تحت التعذيب والاذلال والاغتصاب؟

سادسا، وأخيرا، هل سأل أحدهم نتنياهو، الذى كتب وألقى خطبا عن الفكر الصهيونى، كيف سيتعايش الفلسطينيون والعرب مع فكرة الوعد الإلهى التى تعتبر أن « أرض إسرائيل» قد منحت بإرادة ربانية « للشعب» اليهودى؟

ألن يعنى ذلك أولوية الحق اليهودى فى كل أرض فلسطين العربية وهيمنة شعار «التوراة هى مصدر حياتنا، ويجب أن تكون أساس انبعاثنا فى أرض آبائنا»؟

وكيف سيكون للفلسطينيين حظ فى العيش فى فلسطين إذا كان شعار الصهيونية هو التوسع الديموغرافى اليهودى والهيمنة العسكرية على كل ذرة من فلسطين، دون حدود، وإلى الأبد؟

سنفترض أن عرب وارسو يريدون حلا للموضوع الفلسطينى. ولكن هل يمكن الكلام عن أى حل سياسى سلمى إنسانى دائم إذا لم تناقش الأسس الفكرية والأخلاقية التى سيقوم عليها ذلك الحل؟

ألم يكن أجدى من تطمين نتنياهو، عن طريق الكذب وادعاء معرفة مشاعر الشعب العربى الجديدة، ومساعدته لينتفخ ويفاخر بانتصاره التاريخى على الفلسطينيين وإخوانهم العرب، ألم يكن أجدى أن يطرحوا الأسئلة ليكتشفوا أن الفكر الصهيونى، الكلاسيكى والجديد، قائم على الأساطير والأكاذيب واحتقار العرب والإصرار على ممارسة الهيمنة على وجودهم السياسى والاقتصادى والثقافى؟

نقول للذين صافحوا وجلسوا مع المجرم:
أنتم تعيشون فى وهم، وننصحكم أن تقرأوا ما كتبه وقاله عتاة الصهيونية عنكم لتعرفوا أن الثعلب لن يرحم الدجاج قط وأن ما أخذ بالخداع والكذب والقوة لن يستعاد إلا بالقوة، فلا أمريكا وأوروبا الاستعمارية ولا هيئة الأمم الضعيفة المشلولة ستنفع.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات