حلو ومر السنط - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حلو ومر السنط

نشر فى : الأحد 21 يونيو 2015 - 8:25 ص | آخر تحديث : الأحد 21 يونيو 2015 - 3:10 م

وحدها تقف شجرة السنط، ممتدة العمر والجذور، الصمت والرمال من أمامها ومن خلفها. العربة تسير على سرعة 160 كم فى الساعة، دون مراقبة أو رادار، على طريق جنوب سيناء.. أنت فى عجلة من أمرك، منشغل بأمور الدنيا وأخبار الحوادث، والشجرة ثابتة فى مكانها، فارعة، تستمتع بالعزلة التى ألفتها منذ أمد طويل. تحاول أن تخلق أبدية بسيطة، وسط عائلة الجبال المتآخية فى غموض. كم من ناسك متعبد استظل بها.. تمايل تحتها فى حركات الذكر بصفته فرع من أصل، طلبا للرؤية والبصيرة، غير مبال بأن يصيبه لوث الهوى والفناء. شىء من السحر يتعلق بشجر الصحارى والذى يمكننا أن نحصى ألف وأربعمائة نوع منه حول العالم، أما السنط أو الأكاسيا والذى يعرفه أهل المنطقة بالسيال فأصنافه تتجاوز المئة، منها على الأقل ثلاثة تنمو بكثرة فى شبه جزيرة سيناء منذ الأزل، حتى قدر البعض أنها هى شجرة الحياة المرسومة على جدران معابد الفراعنة.. الشجرة التى ولد تحتها أزوريس، فشاع بين الناس وقتها أن روحه تسكن كل أشجار الأكاسيا النيلية أو السنط النيلى واستخدموها لمخاطبة الآلهة، وكأنها همزة الوصل بين الأرض والسماء، بين عالمى البشر والآلهة.

***

وجودها الأسطورى كمعجزة للصحراء، شديدة الاحتمال للجفاف، لم يمنع صلاح الدين الأيوبى فيما بعد من تقطيع أخشابها لبناء السفن، إذ كانت هذه الأخيرة أكبر الصناعات التى عرفتها مصر الإسلامية خاصة فى مدينة القلزم أو السويس. اهتم صلاح الدين بتلك الأشجار، فى وقت اشتدت فيه الحرب البرية والبحرية ضد الصليبيين فى الشام وفى حوض البحر المتوسط. وفى زمن المماليك، ظلت القوافل تحمل أخشاب شجر السنط بانتظام، بين السويس والقاهرة، أيضا لاستخدامها فى الصناعة نفسها. وفى العام 1505، خلال حكم المماليك، قاد المعلم حسن، شاهبندر تجار القلزم، أسطولا تجاريا لقتال البرتغاليين أمام الساحل الغربى للهند.. ثم كانت حملة أخرى أيام الدولة العثمانية، أيضا لقتال البرتغاليين، وبداية ضم اليمن للدولة العثمانية..


فى وقت الحروب، يخلط الناس السنط بالحنطة، كما يقولون، كناية عن حلو الحياة ومرها، فلشجر السنط ثمرة شديدة المرارة وهى القرض، بها حبة سوداء من الداخل وتفرز نوعا من الصمغ، وهى شائعة الاستخدام فى الطب الشعبى ولأغراض دوائية. قيل كذلك إن البعض قد يستعملها لفك السحر.. لكن على ما يبدو لا شىء قادر على فك السحر الذى يتحكم فى قدر المنطقة وصحاريها وأشجارها وسكانها، فحرب الشام لم تقتصر على أيام الصليبيين وصلاح الدين، واليمن تقطعت أوصاله.. تعود الناس خلط السنط بالحنطة، لكننا لم نعد نصنع السفن من أشجار الصحراء، بل صرنا نستورد الأسلحة بالمليارات.

***

وحدها تقف شجرة السنط فى سكون تصد الرياح، وفجأة تطل فوق رءوسنا طائرات الأباتشى أو فصيل من الهيلوكبتر يشبه الحشرات الضخمة السوداء.. تشق السماء على ارتفاع منخفض، فنتصور لوهلة أنها على وشك أن تصطدم بشجر السنط على جانب الطريق السيناوى.. لا نعرف ما ستكون عليه نهاية الصراع وكيف تبدأ الحرب ومتى تنتهى.. وحدها الشجرة فى عزلتها ولحظات تأملها تعطى شعورا بأن العنف الدائر حولها سيفضى إلى معركة أخرى وأن ما يحدث مجرد فتح كلام.

التعليقات