هل نريد حقًّا إعلامًا حرًّا فى مصر؟ - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 11:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل نريد حقًّا إعلامًا حرًّا فى مصر؟

نشر فى : الإثنين 23 يوليه 2012 - 9:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 23 يوليه 2012 - 9:40 ص

ما هو التنظيم الأمثل للصحافة والتليفزيون والإذاعة فى مصر؟ هل يجب أن تبقى كلها تحت إشراف جهاز واحد يضع المعايير الخاصة بعملها ويتحكم فى تعيين قياداتها؟ أم نتركها للعاملين فيها وللرأى العام الذى يقرر مدى نجاحها أو فشلها، ويكافئها إذا كانت تستجيب لاهتماماته، بالإقبال عليها، ويعاقبها إذا ابتعدت عن اهتماماته فينصرف عنها. وما هى القواعد التى يجب أن نسترشد بها، أو يستلهمها أعضاء الجمعية التأسيسية التى ستستقر عليها مهمة صياغة الدستور الجديد عندما تبحث هذه المسألة.

 

النقاش حول هذه المسألة ليس نقاشا أكاديميا يهتم به فقط المتخصصون فى شئون الإعلام، ولكنه صميم الاتصال بفرص إقامة نظام ديمقراطى فى مصر، لأن أوضاع أجهزة توجيه الرأى العام تعكس طبيعة النظام السياسى. النظم الاستبدادية لا تترك لأجهزة الإعلام مساحة واسعة من الحرية، وتحرص على استخدامها لصناعة رأى عام موال لها، ولا تترك لها الفرصة لتعكس الاهتمامات الحقيقية وتوجهات المواطنبن إلا فى قضايا تراها هامشية. وذلك على عكس الإعلام فى الدول الديمقراطية الذى لا يخضع لمثل هذا التنظيم الصارم، وإنما يتمتع بمساحة واسعة من الحرية تجعله مرآة للتعددية السياسية والفكرية والاجتماعية فى تلك الدول. وهى تعددية موجودة فى كل الدول، تعترف بها النظم الديمقراطية، وتجاهد النظم السلطوية لكبحها وحجبها بقدر الإمكان.

 

والذى يدعو إلى إثارة هذه القضية فى مصر الآن ثلاثة أمور، أولها الاحتقان السائد فى أوساط الصحفيين بسبب تشكيل مجلس الشورى بالأغلبية الكاسحة فيه لحزبى الحرية والعدالة والنور للجنة هى التى سوف تحدد من يتم تعيينه ليكون رئيس مجلس دار صحفية ومن يكون رئيسا لتحرير صحيفة قومية، وليس سبب الاحتقان هو الاعتراض على التيار الفكرى الذى ينتمى إليه الحزبان حتى ولو كانت هناك بعض الخلافات التفصيلية بينهما، ولكن مبدأ قيام مؤسسة سياسية أيا كانت بتقرير من الذى يقود الصحافة المصرية هو سبب هذا الاحتقان، ولن يكون الأمر مختلفا لوكانت هناك أغلبية مختلفة فى مجلس الشورى، سواء لحزب الوفد أو مجموع الأحزاب التى تصف نفسها بأنها من أنصار الدولة المدنية.

 

سوف يكون هناك اعتراض على قيام أى مؤسسة سياسية باختيار قيادات المؤسسات الصحفية. المسألة هنا هى مبدأ تولى مؤسسة من خارج عالم الصحافة هذه المسئولية، وليس طبيعة القوى السياسية التى تتحكم فى هذه المؤسسة.

 

الأمر الثانى هو انشغال الجمعية التأسيسية فى تشكيلها الثانى بهذه المسألة وعلى نطاق أوسع، فقد تردد فى جنباتها اقتراح بأن يتضمن الدستور الجديد مادة تنص على تشكيل مجلس قومى للإعلام، ليس من المعروف الآن مهامه على وجه التحديد، ولكنه سيتولى فى الغالب نفس الصلاحيات التى تزاولها فى الوقت الحاضر وزارة الإعلام، والتى من المتوقع إلغاؤها ربما بعد إقرار الدستور الجديد وتشكيل مثل هذا المجلس.

 

والأمر الثالث هو الأزمة المالية الطاحنة التى تعانى منها بعض الدور الصحفية القومية، وعدم قدرتها حتى على صرف الرواتب الشهرية لجميع العاملين بها، واستنفاد ذلك القدر من الدعم الذى كان يقدمه لها المجلس الأعلى للصحافة. فما هو المخرج من هذا المأزق الذى يواجه العاملين بالإعلام فى مصر، بل والذى يجب أن يكون موضع اهتمام ليس من المشتغلين بالسياسة وحدهم، ولكن من سائر المواطنين، لأن الإجابة عن هذا السؤال هى التى تحدد مدى مصداقية المؤسسة الإعلامية بأسرها، ومدى تعدد مصادر المعرفة بشئون الوطن المتاحة للمواطنين. صحيح أن قسما مهما من المواطنين، وخصوصا بين الشباب، يعتمد على شبكة التواصل الاجتماعى من خلال الإنترنت وفيس بوك كمصدر للإحاطة بما يجرى من أحداث فى الوطن وفى العالم، ولكنهم مازالوا يمثلون شريحة ضيقة بين المواطنين وإن كانت تميل إلى الاتساع.

 

علينا أن نكون واضحين ومتسقين مع اختياراتنا الأساسية والواقع أن الخروج من هذا المأزق رهن بالتزام النخبة السياسية والوسط الإعلامى خصوصا بقدر من الاتساق فى مواقفهما السياسية. فبافتراض أن اختيار المجتمع المصرى بعد ثورة يناير 2011 هو نظام سياسى ديمقراطى، وأن مصر هى دولة ديمقراطية مدنية حديثة، فعلينا فى هذه الحالة أن نأخذ بتنظيم الإعلام الذى تعرفه النظم الديمقراطية، ولا تعرف هذه النظم ما يشبه المجلس القومى للإعلام الذى تسعى بعض القوى إلى النص عليه فى الدستور الجديد، كما لا تعرف مايسمى بمجلس أعلى للصحافة هو الذى يسمح بإصدار الصحف أو يعترض على صدورها أو استمرارها، كما لا تتدخل المؤسسات النيابية فى هذه النظم لا فى تعيين كبار المسئولين فى المؤسسات الصحفية ورؤساء تحرير الصحف ولا فى عزلهم. الإعلام فى هذه النظم يتسم بالحرية وبالتعددية، والرأى العام هو الذى يحدد مدى نجاح أى مؤسسة إعلامية بالإقبال عليها أو مدى فشلها بالانصراف عنها، كما أن ما تتسم هذه النظم من شفافية ومساءلة هو الذى يكشف عن أى ممارسات تخرج عن قواعد الديمقراطية سواء بالتواطؤ مع أجهزة الدولة للتغطية على أكاذيبها، وتعبئة الرأى العام وراء مغامراتها الخارجية مثلما حدث مع محررة شهيرة بجريدة نيويورك تايمز بالولايات المتحدة أو مثلما يحدث من تحقيقات مع مسئولى صحيفة بريطانية كانت تمارس التجسس على مواطنين ومسئولين بحثا عن أخبار مثيرة، وتعرض مالكها إمبراطور الإعلام لتحقيق محرج قامت به لجنة مستقلة واضطرت هذه الصحيفة إلى التوقف عن الصدور.

 

النص على قيام مجلس قومى للإعلام أو استمرار مجلس الشورى فى مزاولة سلطة تحديد من يتولى القيادة فى المؤسسات الصحفية هو حفاظ على ممارسات لا تعرفها سوى النظم الاستبدادية التى لا تسمح لأدوات التعبير عن الرأى العام بأن تسبح خارج المسار الذى رسمته لها، وإذا كنا قد قبلنا الاحتكام إلى المواطنين فى اختيار من يحكمنا، فيجب علينا بنفس المنطق أن نحتكم إلى المواطنين وإلى العاملين فى مؤسسات الإعلام فى اختيار من يقود العمل الإعلامى فى كل مؤسسة، وإذا تعرضت مؤسسة صحفية أو إعلامية لصعوبات مالية، وإذا كانت تقوم بدور ثقافى مهم فيمكن للدولة أن تقدم لها دعما مؤقتا، ولكنها تخضع لقوانين السوق مثلما تخضع له أى مؤسسة اقتصادية. وإذا كانت ثمة ضرورة لوضع ضوابط للعمل الإعلامى أو وقف انتهاكات الحياة الخاصة للمواطنين، فنقابات العاملين بالإعلام هى التى تضع مثل هذه الضوابط، ونصوص القانون هى التى يجب تفعيلها عندما يحاول البعض استخدام سطوة إعلامية لاغتيال شخصية عامة أو إثارة نزعات عنصرية بين المواطنين.

 

بطبيعة الحال هناك جوانب أخرى لهذه القضية، ولكن فيما يتعلق بتنظيم الإعلام فهذا هو ما تعرفه النظم الديمقراطية، إذا كنا نريد حقا إقامة نظام ديمقراطى فى مصر.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات