نماذج التجديد والتوريث - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نماذج التجديد والتوريث

نشر فى : الأربعاء 24 مارس 2010 - 10:09 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 مارس 2010 - 10:09 ص

 يبدو أن منصب الرئاسة يوحى لمن يمارسه بأنه يصبح حقا مشروعا له ولسلالته من بعده. ويبدو أن هذا الاعتقاد يدفع الطامحين إلى الاقتتال من أجل الوصول إليه، فيهدم أحلامهم من شاركوهم رأيهم. وهكذا تشهد دول عديدة فى أفريقيا مسلسلات من الانقلابات، لأن فكرة «ديمومة الكراسى» ــ حسب تعبير الرئيس المعمر القذافى ــ تجعل السلاح هو السبيل الوحيد لتداول السلطة. ويترتب على ذلك أن الدول المتخلفة أصلا، تزداد تخلفا، لأن أى حكم لا يستمر الوقت الكافى لإحداث تنمية تغرى شعوبها على الصبر بأمل تواصلها لتحسن أوضاعهم، فإذا بها تزداد سوءا.

ومن أقرب الأمثلة على هذا النمط الردىء ما تتعرض له موريتانيا، التى شهدت فى غفلة من الزمن رئاسة تأتى من خلال صناديق الاقتراع، سرعان ما أطاح بها قانون الغاب، الذى اتضح أنه أبى أن يغيب. فإذا انتقلنا جنوبا ووصلنا إلى دولة السنغال، التى لا أعتقد أن الكثيرين يعرفون عنها سوى أنها تنتج الفول السودانى، ولا يتذكرونها إلا فى مسابقات كرة القدم، رأينا نموذجا يبدو لنا مألوفا. ففى أوائل هذا الأسبوع صرح رئيسها عبدالله واد، البالغ من العمر 84 عاما (مد الله فى عمره وحفظ له الصحة والعافية) أنه لا يذكر أنه خلال السنوات العشر التى قضاها فى الحكم قد ارتكب خطأ. أما بالنسبة لما ارتكبه من صواب فهو فى تقديره العمل الدءوب على النهوض بالبنية الأساسية، فلا تمضى سنة دون أن يقوم بتجديد شوارع اتضح أن الحكم السابق قد أساء شقها ورصفها. صحيح أن الجماهير تشكو وتئن، ولكنها على الأقل تفعل ذلك فى شوارع ممهدة. وكأن لسان حاله يقول «شارع لكل مواطن» اقتداء بالمثل الذى شاع أيام السادات ــ رحمه الله ــ «كوبرى لكل مواطن».

وذكرتنى هذه المقولة بسؤال وجهه مراسل أجنبى فى العام الماضى للرئيس مبارك عما يعتبره أهم إنجازاته، فرد أنه تسلم البلاد وهى تعانى من ضعف شديد فى بنيتها الأساسية، وأنه اهتم منذ بداية حكمه بمعالجة هذه المشكلة. ولعل هذا هو السبب فى أن الخطة القومية 82 ــ 1987 التى أعدها د.كمال الجنزورى أيام أن كان وزيرا للتخطيط، قد عنيت بحل أهم عقدها وفى مقدمتها قضايا المواصلات، ليجرى بعض الدم فى الاقتصاد المصرى. ويخيل إلى أن عبدالله واد استلهم التجربة المصرية بشقيها، معالجة البنية الأساسية وترك الشعب يكافح الفقر والجهل والمرض. ولعله وضع فى ذهنه أن يكمل تجربة الدولة الرائدة فى القارة الأفريقية، فهو يطالب بإعادة انتخابه حتى يشهد اليوم الذى تنهار فيه البنية الأساسية، فتشح المياه ويروى الشعب ــ الذى نشف ريقه ــ ظمأه بمياه الجارى، وتتوالى انهيارات الشوارع، وتصبح المواصلات مصدر رزق لجرذان سمان.

فإذا انتقلنا إلى القارة الآسيوية برز لنا نموذجا آخر يكمل الصورة. فقد نشر فى نفس الوقت تقريبا أن رئيس إدارة التخطيط والمالية فى الحزب الشيوعى الحاكم فى كوريا الشمالية، باك نام كى، البالغ من العمر 77 عاما، أقيل من منصبه كرئيس لدائرة التخطيط والمالية فى حزب العمال الحاكم ثم أعدم رميا بالرصاص عقابا له على قيامه بتدمير الاقتصاد الوطنى عن قصد لكونه ابن مالك أراضٍ كبير. وقيل إن السبب فى ذلك أن إخفاقاته فى الإصلاحات المالية ترتبت عليها موجات تضخمية ونقص فى الأغذية مما أفضى إلى تذمر شعبى وحدوث أعمال شغب تم قمعها بالقوة، مما اضطر السلطات إلى تعليق حملة إغلاق الأسواق الخاصة واضطرار رئيس الوزراء إلى تقديم اعتذار عن الفوضى، وهو أمر نادر الحدوث فى ذلك النظام. ويفسر المراقبون تلك الخطوة بأنها تمت فى إطار تلافى تنامى المعارضة لجهود الزعيم الكورى الشمالى كيم يونج إيل المتعلقة بنقل السلطة إلى ابنه، يعنى بالعربى توريث.

وإذا كانت السنغال قد اجتهدت فى استيعاب الدرس المصرى، فمن غير المؤكد أن تستوعب مصر الدرس الكورى، لأن قطار التجديد أو التوريث يمضى فى طريقه، بينما يشيد الحزب الوطنى وشلة المنتفعين بالإصلاح الاقتصادى الذى ساعد على توالى موجات التضخم، وتعدد أزمات الغذاء، واضطراب الأسواق، ويسبحون بحمد القائمين بالإصلاح الاقتصادى، الذى يبارك ويزيد عجز الميزانية العامة وعجز الميزان التجارى. وبالتالى فمن المستبعد أن يصدر حكم إعدام من السلطة الحاكمة، اللهم إلا إذا انتقل الأمر إلى سلطة مسئولة.

الغريب فى الأمر أن سدنة الحكم يتشدقون بمحاسن الليبرالية، ويلعنون أى ذكر للاشتراكية التى تعلى شأن القطاع العام وتهدر دماء القطاع الخاص. قد يكون مقبولا ــ وفق منطق معين ــ أن يجرى فض اشتباك بين قطاعين: رسمى يتولى ما يندرج تحت عنوان المنافع العامة التى يفضل أن يتولاها المجتمع بكل فئاته مجتمعة حرصا على تعظيم الكفاءة فى أدائها وإسهام الجميع فى تكاليفها ليس كل وفق انتفاعه، بل كل حسب مقدرته، وأهلى يضم التشكيلات الأهلية، بما فيها المنشآت الاقتصادية، من الفرد العامل لحسابه إلى الشركات الكبرى. ولكن هذا يستتبع ألا تتسيد مجموعة ملاك لنوع من هذه المنشآت على ما هو عام إلى جانب ما هو خاص. وعندما يحصل حزب على الأغلبية (أو يدعيها لنفسه) يجب أن تنسب هذه الأغلبية للشعب وليس إلى شخص الحاكم.

ولعل أتعس ما وقعت فيه النظم الاشتراكية المنتهجة للنمط السوفييتى أنها حصرت رئاستى الجانبين، الرسمى ممثلا فى السلطة الحكومية والأهلى ممثلا فى الحزب المتسلط، فى قبضة واحدة. ومن هنا يبدو التصرف الكورى نتاجا حتميا لهذا الاحتكار السلطوى المطلق. ويقترب الوضع فى مصر كثيرا من هذا الوضع نتيجة أنه نظام قام على حزب الحكومة أو بالأحرى الحاكم، وليس حكومة الحزب الذى هو بموجب التعريف واحد من كثرة، مسئول أمام الجميع وليس فقط أمام الحاكم. فإذا كنا نتحدث عن التغيير فلابد أن يؤدى إلى التخلص من هذه العلاقة غير الشرعية، التى تجعل فردا واحدا ــ بغض النظر عن كونه تولى من خلال انتخاب مباشر ــ مسائلا لكل من الحكومة والحزب، وليس مسئولا إلا أمام نفسه، مهما خلصت نيته واستقام ضميره. إن هذا يجعله عبدالله واد آخر، لا يرى أى خطأ فيما فعل وفقا لمعاييره الشخصية، وإلا ما أقدم عليه.

إن القضية التى تواجهنا من بقاء مواد الدستور على حالها، ليست فى حصر الترشيح بيد الأحزاب، حتى ولو لم تكن مغلولة، أو حظرها على غير الحزبيين بالفعل وإن ادعت غير ذلك. إنها فى فض الاشتباك بين رئاسة الدولة ورئاسة الحزب. إن أمامنا ثلاثة احتمالات. أن يعيد الحزب ترشيح مبارك الأب، فيظل رئيسا للدولة والحزب وهذا أس البلاء. أو أن يرشح الابن فيثور تساؤل عن موقعه فى الحزب: هل تظل الرئاسة للأب فيديره لحساب الابن، أم يتخلى عنها فتثور قضية رئاسة الحزب، فيعيد الابن استنساخ الوضع الحالى ليصبح أشد وبالا. أو أن ينجح مرشح حزب آخر ــ إلا إذا قيل إن هذا مستبعد مما يحكم بصورية الدستور إذا بقى على حاله ــ وتنتقل المشكلة من حزب إلى حزب، وهو ما عانينا منه فى ظل حكومات الأقليات فى ظل الديمقراطية المزعومة قبل الثورة.

إن الطبيعة الانتقالية للمرحلة تستدعى أن يتولى رئيس غير حزبى ليتمكن من إعادة الأمور إلى نصابها. ومن هنا فإنى أرجو من أحزاب الأقلية أن تنجو بنفسها بتأييد ترشيح الدكتور البرادعى إذا أعلن أن برنامجه يتلخص فى تصويب الحياة السياسية، والتخلص من التركة الثقيلة التى يرثها، فهذه هى فرصتها الوحيدة للبقاء إلى ما بعد فترة الرئاسة التالية.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات