الجريمة والعقاب - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 6:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجريمة والعقاب

نشر فى : الأحد 24 مايو 2009 - 10:00 م | آخر تحديث : الأحد 24 مايو 2009 - 10:00 م
توالت أحكام الإعدام فى مصر خلال الفترة الأخيرة حول أنواع من جرائم الفساد التى اختلط فيها زواج السلطة برأس المال، وقبلها بأيام صدر حكم إعدام عشرات من عصابات نهب الأراضى والاستيلاء على أراضى الدولة.

وجاء ذلك ضمن مسلسل من الفضائح التى تورط فيها رجال الأعمال الذين ارتبطوا بعلاقات جنسية بفنانات مصريات ولبنانيات ومغربيات، ولم يكن أهون هذه الجرائم شأنا غير مقتل فتاتى الشيخ زايد على يد عامل بناء يبحث عن رزقه.

السؤال الذى يطرح نفسه.. هل جاءت أحكام الإعدام لتضع نهاية للتصعيد المستمر الذى شهده المجتمع المصرى خلال السنوات الأخيرة، من أدنى مستويات الجريمة التى انتشرت ومازالت بالصعيد والريف بدافع الثأر أو الجرائم العائلية وجمع المال والاستيلاء على الأرض إلى المراحل العليا فى مجتمع طغت عليه الأثرة والرغبة فى اكتناز المال سعيا وراء السلطة. ولم يلبث هذا السعى الحثيث وراء السلطة أن فتح أبوابا من تشابك العلاقات على مستوى مراكز النفوذ فى مؤسسات الدولة السياسية وأجهزتها الرقابية والتنفيذية، بحيث بات من الصعب وقف تغلغل الفساد حتى فى أدنى المستويات الوظيفية والعملية.

تتجذر عناصر الفساد الذى يفضى إلى الجريمة فى المجتمعات الفقيرة ويصبح جزءا من تركيبة المجتمع فى أدنى مستوياته كما فى أعلاها. وكلما عشش الفقر والجهل كلما تمددت طرائقه وأسبابه وأصبح مؤسسة مركبة يصعب تفكيكها.

ويتخذ البعض من مقولة أن الفساد ينتشر فى كل المجتمعات، ذريعة للتغاضى عما يشهده المجتمع من جرائم. وفى غياب نظام مؤسسى للحساب والعقاب والمراجعة والتأنيب والتعزير على مختلف مستويات الوظيفة، يصح قول من قال إن الفساد بلغ للركب. وفى معظم الأحيان يكون ذلك مبررا لنشر الفساد وقبوله والتغاضى عنه.

غير أن أسوأ أنواع الفساد المختلط بالجريمة، الذى عرفته مصر خلال السنوات الأخيرة، هو الفساد الناجم عن «البيزنس» وتقاضى العمولات، وهو لا ينتشر بين رجال الأعمال والصفقات التى تعقد بينهم فحسب، ولكنه يتغلغل إلى شرايين المجتمع فى مستوياته العليا. ويتسرب إلى أنشطة الفن والتليفزيون وغيرها. وهنا يصبح نجوم السينما والغناء وكواكب المجتمع مصدرا للإغراء والنفوذ. وتشكل الثروة عنصر جذب يختلط فيه الجنس بالشهرة بالسلطة فى مزيج يصعب تحليل عناصره. وهنا تزداد الضغوط على مؤسسة القضاء حين تقترب السلطة من مواقع النفوذ أو المناطق الحساسة فيها.

فى بلاد مثل الصين، حيث اتسع نطاق جرائم الرشوة والفساد وتسلل إلى أعلى مستويات الحزب والمؤسسة الحاكمة، فى ظل الرخاء الاقتصادى والحريات الاقتصادية التى أخذ يتمتع بها المجتمع، لجأت الدولة إلى تنفيذ أحكام الإعدام حتى فى جرائم الفساد المجتمعى العادية.

ولكن يبدو أن عقوبة الإعدام تظل حتى الآن هى العقوبة الرادعة فى كثير من المجتمعات لمواجهة انتشار الفساد والجريمة والحد منها. وهناك دول أوروبية وجماعات لحقوق الإنسان تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام. ولكن اختلاف المجتمعات الأوروبية واختلاف قيمها ودرجة الثراء والتعليم فيها، يجعل من الإعدام عقوبة يصعب التراجع عنها، وهذا ما برهنت عليه كثير من الجرائم حتى فى أمريكا نفسها.
سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات