المنافقون والأفاقون يمتنعون - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المنافقون والأفاقون يمتنعون

نشر فى : السبت 24 يوليه 2010 - 10:54 ص | آخر تحديث : السبت 24 يوليه 2010 - 10:54 ص
من نصدق، التصريحات الرسمية التى أكدت أن العلاقة بين مصر وتركيا سمن على عسل، أم كتابات المحسوبين على بعض الدوائر الرسمية التى لم تكف عن الغمز واللمز فى الموقف التركى، مستخدمة أسلوب دس السم فى العسل؟

لست فى وارد استعادة تلك التصريحات الإيجابية أو الكتابات السلبية، فهى منشورة وبين يدى الكافة.

لكن ما يهمنى فى هذه الصورة أمران. الأول أن التصريحات الإيجابية عبرت عن وجه للعلاقات. وأن الكتابات السلبية عبرت عن وجه آخر ، والذى حدث أن التصريحات الرسمية تحدثت عما هو متفق عليه بأسلوب مهذب ومحترم نسبيا، أما الذين انطلقوا من نقاط الخلاف فقد عبروا عن ذلك بلغة «الردح» التى يجيدها نفر من كتابات الصحف القومية، لكننا إذا دققنا النظر فى عمق المشهد فسوف نجد فى هذا التباين قرينة تدل على تعدد الأصوات داخل النظام فى مصر.

وهذا التعدد الذى نلاحظه فى أمور أخرى حساسة ودقيقة، بعضها يتعلق ــ مثلا ــ بقرارات الحكومة والبعض الآخر يتعلق بأسلوب إدارة الأزمة مع بدو سيناء، ربما تكون له علاقة بخيارات وترتيبات مستقبل الحكم فى مصر، وهو الملف الذى يثار من حوله لغط كثير هذه الأيام.

الأمر الثانى الذى تستدعيه التصريحات المسئولة والكتابات غير المسئولة. ينصب على تحرير العلاقة بين مصر وتركيا، التى هى جيدة للغاية اقتصاديا، لكنها ليست كذلك بالضبط سياسيا.

ذلك أن ثمة إقبالا مشهودا من جانب رجال الأعمال الأتراك على الاستثمار فى مصر، حتى وصل عدد الصناعيين الأتراك الذين استثمروا نحو مليار و200 مليون دولار فى مصر إلى أكثر من 260 مستثمرا، وثمة مشروع كبير لإقامة منطقة صناعية للأتراك فى محافظة 6 أكتوبر، ثم إن هناك إقبالا مصريا ملحوظا على السياحة والإتجار مع السوق التركية (قال لى القنصل التركى فى القاهرة أكرم اكويونلو إنهم كانوا يتلقون يوميا قبل سنتين نحو 50 طلب تأشيرة للدخول. وفى الوقت الراهن فإن متوسط التأشيرات اليومية أصبح يتراوح بين 500 و700 طلب).

على الصعيد السياسى، فمصر وتركيا لهما علاقاتهما الدبلوماسية مع إسرائيل، ومعروف أن تركيا كانت الأسبق فى ذلك، لأنها اعترفت بإسرائيل منذ عام 1949، ثم إنهما ارتبطا بعلاقات تحالف مع الولايات المتحدة. إلا أن الحالة الديمقراطية فى تركيا سمحت لها بأن تحتفظ بهامش حركة أوسع من مصر فى علاقاتها مع البلدين. تدل على ذلك الأزمة الراهنة بين أنقرة وتل أبيب بسبب أسطول الحرية والسلينة مرمرة، واللغط المثار فى واشنطن الذى يطالب الحكومة التركية بأن تحسم أمرها وتختار بين معسكرى الاعتدال والتطرف فى العالم العربى.

مصر وتركيا تتفقان أيضا فى تبنى الحل السلمى للقضية الفلسطينية. لكنهما تختلفان حول الموقف من حركة حماس. فتركيا تعتبر الحركة فصيلا مقاوما اكتسب شرعيته السياسية حين فاز فى الانتخابات التشريعية، ومن ثم فله الحق فى المشاركة السياسية. وهى تعتبر أن فى فلسطين شرعيتين منتخبتين وليس شرعية واحدة، الأولى فى رام الله والثانية فى غزة.

الموقف المصرى مختلف. إذ يعتبر حماس حركة انقلابية، لا يُعترف بشرعيتها، وهى متضامنة فى ذلك مع أبومازن وحكومة رام الله فى السعى لإقصائها وإخراجها من الساحة السياسية الفلسطينية. وذلك أحد الأهداف الأساسية للورقة المصرية للمصالحة، التى تتمسك القاهرة بصيغتها وترفض إدخال أى تعديل عليها ولأن تركيا تتفهم موقف حماس، فإن الرئيس عبدالله جول تطرق إلى هذا الموضوع فى لقائه مع الرئيس مبارك، لكن مصر ظلت على موقفها ولم تغيره. وهذا واضح من إشارة المتحدث باسم الرئاسة إلى ملابسات إعداد الورقة المصرية، وكونها لا تحتمل التعديل.

ولنا أن نرصد الحذر المصرى فى التعامل مع تركيا فيما أعلن رسميا عن تأجيل البحث فى موضوع إقامة مجلس للتعاون الإستراتيجى بين البلدين، وفى استبعاد مصر لرغبة تركيا فى إلغاء تأشيرات الدخول فيما بينهما، وتفضيلها عقد اتفاقية لتسهيل تبادل التأشيرات للمستثمرين ورجال الأعمال.

وذلك كله لا غضاضة فيه، لأن الاختلاف فى الاجتهادات السياسية مفهوم ومقبول. وينبغى ألا نتوقع تطابقا فى وجهات النظر فى كل شىء. إنما المهم دائما هو كيف يمكن أن يستمر التفاهم والتعاون فى ظل الاختلاف، وألا يتحول الاختلاف إلى اشتباك. وأحد شروط النجاح فى ذلك أن نرفع شعار: المنافقون والأفاقون يمتنعون!.

 

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.