تعقبوا المؤسسات وليس الشخصيات - العالم يفكر - بوابة الشروق
الإثنين 2 ديسمبر 2024 4:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تعقبوا المؤسسات وليس الشخصيات

نشر فى : السبت 25 يناير 2014 - 7:30 ص | آخر تحديث : السبت 25 يناير 2014 - 7:30 ص

كتب روبرت كابلان مقالا تحليليا نشر بالموقع الإلكترونى لمركز ستراتفور الأمريكى للدراسات الاستراتيجية والأمنية تناول فيه أهمية المؤسسات باعتبارها ركنا أساسيًا فى بناء الدول.

يقول الكاتب: منذ سنوات كثيرة زرت الأركان الأربعة فى جنوب غرب أمريكا. وهذا نُصُب حجرى صغير على منصة معدنية لامعة، حيث يتجمع أربعة تماثيل. ويمكنك السير حول النُصب خلال بضع ثوانٍ، وتقف فى أربع ولايات، هى أريزونا ونيو مكسيكو وكولورادو ويوتاه. وكان الناس يصطفون فى طوابير للقيام بذلك، وتُلتقط لهم الصور بواسطة أقاربهم الفرحين. والدوران حول النُصُب أمر يبعث على الإثارة بالفعل لأن كلا من هذه التماثيل له تراث وهوية جرى تطويرهما بثراء لإعطاء تلك الحدود معنى حقيقيا. ومع ذلك فليس مطلوبا أن يذهب ضباط جوازات أو جمارك من ولاية إلى أخرى.

ويضيف كابلان، قد تقول: هذا صحيح بالطبع، فتلك ولايات وليس دولا. لكن حقيقة كون تلك ملاحظة عادية جدا لا يجعلها أقل إثارة للدهشة. ومن المؤكد أن هذا يجعلها أكثر إثارة للدهشة. ذلك أن أستاذ هارفارد الراحل صامويل هنتنجتون قال يوما إن عبقرية النظام الأمريكى لا تكمن فى ديمقراطيته فى حد ذاتها بقدر ما فى مؤسساته. فالنظام الفدرالى الذى يضم 50 كيانا وبيروقراطية منفصلين لكل منها أراضيه وحدوده المميزة، ولا تتصارع مع بعضها على الرغم من ذلك، نظام فريد فى التاريخ السياسى. ناهيك عن آلاف المقاطعات والبلديات فى أمريكا التى تتمتع بالسيادة القضائية. والكثير من البلدان التى غطيتها كمندوب صحفى فى العالم النامى المضطرب وتمزقه الحروب يحسد هذا الترتيب المؤسسى لحكم قارة بأكملها.

ويشير الكاتب إلى أن ملاحظة هنتجتون يمكن توسيع مداها. فعبقرية الحضارة الغربية بصورة عامة هى عبقرية المؤسسات. فمن المؤكد أن الديمقراطية هى أساس هذا. لكن الديمقراطية عامل منفصل على الرغم من ذلك. فالدكتاتوريات المستنيرة فى آسيا أنشأت مؤسسات قوية تقوم على حكم الجدارة، بينما لا توجد مثل هذه المؤسسات فى الديمقراطيات الضعيفة فى أفريقيا.

•••

ويرى كابلان أن المؤسسات عنصر لا يلفت الانتباه فى الحضارة الغربية لتعاملهم معها على أنها أمور مسلم بها. لكن ليس هذا هو الحال فى أماكن كثيرة عمل وعاش فيها. فالحصول على تصريح أو وثيقة بسيطة ليس مسألة انتظار فى صف لبضع دقائق، بل دفع رشاوى واللجوء إلى الوسطاء. وهم يحصلون على مياه الشرب والتيار الكهربى الذى يُعتمد عليه، لكن هذه الخدمات مفقودة فى بلدان ومناطق كثيرة بسبب عدم وجود مؤسسات كفء تدير هذه البنية التحتية. ووجود صديق أو قريب يعمل فى مصلحة الضرائب لا يعفيك من تسديد ما عليك من ضرائب، لكن هذا الوضع أمر نادر فى أماكن أخرى. فالمؤسسات الناجحة تعامل الجميع بالتساوى والموضوعية. لكن ليس هذا هو الحال فى روسيا أو باكستان أو نيجيريا.

صحيح أن الأمريكيين قد يشكون من سوء خدمات السكك الحديدية وتدهور البنية التحية والبيروقراطيات، خاصة فى المدن الداخلية، لكن من المهم إدراك أنهم على الرغم من ذلك يشكون على أساس مستويات على قدر كبير من الارتفاع مقارنة بجزء كبير من العالم النامى.

•••

ويشير كابلان إلى أن المؤسسات تفسر، أو غيابها، الكثير مما حدث فى العالم فى العقود القليلة الماضية. ففى أعقاب سقوط سور برلين شرع وسط أوروبا فى بناء ديمقراطيات واقتصاديات فاعلة. وعلى الرغم من كل مشاكل دول البلطيق وبولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا والمجر وتحدياتها، لم يكن أداؤها سيئا وفى بعض الحالات كانت بها قصص نجاح مثيرة. وهذا لأن هذه المجتمعات تفخر بمعدلات معرفة القراءة والكتابة المرتفعة بين الرجال والنساء ولها تراث من البرجوازية الحديثة قبل الحرب العالمية الثانية والشيوعية. ومعرفة القراءة وثقافة الطبقة الوسطى هى لبنات المؤسسات الناجحة. فالمؤسسات على أى الأحوال تتطلب ضرورة معرفة البيروقراطيين القراءة والكتابة وبأساليب العمل الموضوعية الخاصة بالمنظمات الحديثة.

كانت دول البلقان أقل حظا، حيث الحكم السيئ والنمو الضعيف فى رومانيا منذ عام 1989، وأصبح شبه الفوضى مشكلة يصعب حلها فى ألبانيا وبلغاريا، بينما الحرب العرقية تقضى على الاتحاد اليوغوسلافى فى التسعينيات. وهنا كذلك تاريخ من معدلات معرفة القراءة والكتابة الدنيا، والطبقات الوسطى الضعيفة أو التى لا وجود لها، وعقيدة أرثوذكسية شرقية لا تشجع، لكونها أكثر تأملية، المعايير الموضوعية، ولو بدرجة البروتستانتية أو حتى الكاثوليكية. وتلك كلها عوامل داخل أساس مؤسسى أضعف للنمو الاقتصادى والاستقرار السياسى. وتنتمى روسيا كذلك إلى هذه الفئة. فنظام حكم القلة فيها يدل على وجود مؤسسات ضعيفة، حيث يشير الفساد فحسب إلى سبيل بديل لجعل الأمور تتم عندما لا يجرى تطوير القوانين وبيروقراطيات الدولة بالشكل الصحيح.

•••

ويشير بعد ذلك إلى الشرق الأوسط. فقد فشل ما يسمى بالربيع العربى لأن العالم العربى لم يكن مثل وسط أوروبا أو شرقها. ففيه معدل معرفة قراءة وكتابة منخفض خاصة بين النساء. وبه قدر قليل من تراث البورجوازية الحديثة، أو لا يوجد بالمرة، على الرغم من وجود طبقات تجارية فى بعض المدن، وبذلك لا توجد مؤسسات قابلة للاستخدام يمكن اللجوء إليها عند انهيار الدكتاتوريات. وبذلك فإن ما بقى فى شمال أفريقيا وشرق المتوسط بعد الحكم السلطوى هو القبائل والطوائف؛ على عكس المجتمع المدنى ما بعد الشيوعى الذى شجع الاستقرار فى وسط أوروبا. وتحتل تركيا وإيران، باعتبارهما دولتين حقيقيتين فيهما تمدين أكثر نجاحا ومعدلات معرفة القراءة والكتابة أعلى، مكانة وسطى بين جنوب أوروبا والعالم العربى. ومن الواضح أنه حتى داخل العالم العربى هناك فروق. فمؤسسات الدولة المصرية واقع بينما تلك التى فى سوريا والعراق ليس كذلك. ولهذا السبب مصر قابلة للحكم، وإن كان ذلك بوسائل أوتوقراطية لفترة قصيرة، بينما يبدو أن سوريا والعراق ليستا كذلك.

التعليقات