الصراع على «الفكرة» - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 7:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصراع على «الفكرة»

نشر فى : الثلاثاء 26 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 26 مارس 2013 - 8:00 ص

يخطئ من يتصور «خاصة من المفكرين والمثقفين والمبدعين» أن الصراع مع السلطة هو المعركة الحقيقية أو أن هذا الصراع هو المعركة الكبرى، فمهما كان الصراع وأيا كانت أبعاده فهو للاستحواذ على السلطة، وهو فى واقع الأمر لا يمثل أى قيمة مضافة، لأن صراع السلطة فى نهاية الأمر هو صراع بين أشخاص، حتى لو كانوا من تيارات شديدة التناقض، وصراع السلطة غالبا يهدف إلى إزاحة شخص واستبداله بآخر، وبصراحة، حتى لو قال فريق إنه يهدف إلى تغيير السياسات، فأيا من كان فى السلطة سيرحل فى لحظة ما، وبالتالى لا داعى لسداد أية تكاليف فى أمر سيحدث من تلقاء ذاته حتى ولو بعد حين.

 

إن النخبة المبدعة، فكرا وفنا وثقافة، مكلفة دوما بمعارك كبرى، تتعلق بقيم وأفكار المجتمع، فهؤلاء عليهم واجب التحذير من قيم وسلوكيات بعينها يتداولها المجتمع، ويؤمن بها ويبدأ فى حراستها، رغم ما تمثله من مخاطر على مستقبله ومستقبل أبنائه، وهنا العبء ثقيل على المثقف فى اختيار أى نوع من القيم التى يرغب فى محاربتها والاشتباك معها، ثم إحلال قيم بديلة لها يشعر أن المجتمع من الممكن أن يتفق عليها ويمارسها باعتبارها القيم ــ أو السلوك ــ التى تحقق المصلحة العامة، وأعتقد أن هذه هى المعارك الكبرى التى خاضها كبار مفكرينا ومثقفينا ومبدعينا طوال قرنين من الزمان، من محمد عبده ورفاعة الطهطاوى وعلى مبارك، مرورا بكثيرين من رواد التنوير والحداثة فى جميع المجالات القانونية والاجتماعية والفنية، هم الذين خاضوا معارك الحداثة من إنشاء القضاء واستقلاله، وإقناع المواطنين بضرورة التعليم، والمساهمة فى بناء المؤسسات الكبرى مثل الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات (مصر بها جمعيات للاقتصاد السياسى والإحصاء والتشريع، وجمعيات جغرافية علمية، إلى ماشابه ذلك وهو كثير وكبير بحق) وأيضا الإسهام عبر وسائط الفنون المختلفة، فى مواجهة مشكلات اجتماعية دارجة، والسينما تحديدا لعبت هذا الدور ببراعة، وساعدت على تقدم المجتمع وتقديم الكثير من الحلول له.

 

وأعتقد أن مصر لديها، الآن، مثل هؤلاء وربما يكونون كثيرين أيضا، لكننا لا نراهم وسط حالات الشد والجذب التى لا تنتهى، وقد سمعت من بعض مبدعى السينما الشباب (عمرو سلامة ومحمد دياب وخالد دياب) أفكارا مشابهة، وأن الانخراط فى السياسة يحجب عنهم رؤية ما يجب أن يروه ويشتبكوا معه، لأنهم مثل أسلافهم يفكرون فى الأفكار التى تجتاح المجتمع ويعترضون عليها، وعلى سبيل المثال كشف محمد دياب (مؤلفا ومخرجا) أن أكثر ما أسعده فيلمه «٦٧٨» والذى ناقش فيه قضية التحرش الجنسى، شعر أنه يساهم فى تطوير مجتمعه ولمس ذلك بنفسه، وكذلك قدم عمرو سلامة نموذجا فريدا فى فيلمه «أسماء» عن كيفية التعايش المجتمعى مع مريض ايدز لا حول له ولا قوة ولا ذنب فى مرضه، وهذا لم يمنع مشاركته فى أفلام رصدت أعماق الثورة المصرية بصورة مباشرة.

 

ستبقى قوة مصر الناعمة، بمبدعيها ومثقفيها وفنانيها، هى القادرة على خوض معارك المجتمع الكبرى، وعلى الاشتباك مع ما يجب الاشتباك معه، حتى نخلص إلى طريق يقودنا بثقة إلى أعتاب الدولة الحديثة، والتى أعتقد أن مصر تملك الكثير من مقوماتها وتنتظر أن تنفض عنها الغبار الذى تراكم فوق ما تملك من جراء معارك عبثية، ليست المشكلة فى أسماء الشخصيات التى تحكم أى شعب، المشكلة فى الأفكار السيئة والرديئة والخاطئة طبعا، التى تنتشر وتعشش فى عقول بعض ابناء الشعب وتتمكن منهم حتى تتسرب وتصبح هى السلطة الفعلية والحاكم الحقيقى الجبار الذى لا يمكن التخلص منه بسهولة.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات