مرض نقص الكفاءة المكتسب! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 1:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مرض نقص الكفاءة المكتسب!

نشر فى : الإثنين 26 سبتمبر 2022 - 9:25 م | آخر تحديث : الإثنين 26 سبتمبر 2022 - 9:25 م
هل يعقل أنه فى بلد يعيش فيه أكثر من ١٠٥ ملايين نسمة، لا نجد الكفاءات المناسبة فى بعض المجالات؟!
سوف يعترض كثيرون على الجملة السابقة، ويسألون ما هو دليلك على هذا الكلام المرسل؟!
للموضوعية لم أُجرِ استطلاعا علميا لقياس هذا الأمر، ولم أتبع القواعد العلمية، ولم أقرأ إحصاءً رسميا صادرا عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ولكن مصدرى الأساسى هو مشاهداتى فى العديد من المجالات وما أسمعه من العديد من رؤساء الشركات والخبراء.
منذ أسابيع كنت أحضر نقاشا بالصدفة لإحدى الهيئات المدنية وتريد اختيار مجموعة من الأسماء لشغل مهام معينة، وللأسف الشديد لم يكن هناك الكثير من الأسماء المؤهلة والجاهزة لشغل هذه المهام، وبالتالى لم يكن هناك مفر من اختيار أسماء أخرى قد لا تكون مؤهلة أو مناسبة لهذه المهام بالدرجة الكافية.
وفى مؤسسة مدنية أخرى كان مدير هذه المؤسسة يسعى للبحث عن دماء جديدة لتصعيدها بدلا من الكبار الذين رحلوا عن المكان، وللأسف لم يجد البدلاء المناسبين، لأن معظمهم كان صغير السن وبلا خبرة.
وحينما كنت أتحدث مع أحد كوادر المعارضة قال لى إن هناك مشكلة حقيقية فى الكوادر المؤهلة للعمل السياسى الحقيقى، إضافة إلى الكوادر الفنية الأخرى بمعنى أنه إذا افترضنا نظريا أن المعارضة فازت بأغلبية مقاعد البرلمان وطلب منها رئيس الجمهورية تشكيل الحكومة، إضافة لكوادر أخرى لرئاسة المؤسسات والهيئات والمجالس، فقد لا تجد العدد الكافى المناسب لهذه المناصب، وأحد أسباب ذلك أنها لم تعد تمارس العمل السياسى الحقيقى، ولم تدرب عناصر وكوادر حقيقية، كما أن الحكومة لم تمكنها من العمل الحر الذى يجعلها أحزابا حقيقية.
ما ينطبق على المعارضة ينطبق إلى حد ما على الحكومة أيضا وإن كانت الممارسة العملية تجعلها أفضل حالا إلى حد ما. سيقول البعض إن الكفاءات موجودة، ولكنها غير مستغلة، وتحتاج فقط إلى فرص لظهورها، وهو قول ربما يكون صحيحا.
لكن الأكثر صحة أن هناك عوامل متعددة تفسر لماذا قلت العناصر الكفؤة أهمها على الإطلاق التدهور المستمر فى نوعية التعليم منذ عقود، مما أثر إلى حد كبير على مستويات الخريجين. وبعده مباشرة يأتى عامل التدريب والتأهيل، فحتى حينما يكون التعليم معقولا، فإن غياب التدريب يقلل هذه المعقولية.
العامل الثالث أن هناك مديرين كثيرين لا يفضلون وجود عناصر متميزة اعتقادا أن ذلك قد يهدد وجودهم على رأس المؤسسة.
العامل الرابع هو انخفاض المرتبات والمقابل المالى عموما. وهذا العامل صار الأكثر تأثيرا. فكل عنصر جيد فى مكان ما، وحينما يجد أن مرتبه لا يكفى الحد الأدنى من احتياجاته الأساسية، فهو يهرب إلى هيئات ومؤسسات أجنبية أو خاصة، وبالتالى يتم إفراغ جهات عملهم الأصلية من كل العناصر الجيدة أو المؤهلة لتكون جيدة.
نقص الكفاءة المكتسب، وبغض النظر على أسباب مرض خطير ينبغى على كل جهة عامة أو خاصة، حكومة أو معارضة أن تبحث عن علاج حاسم له.
هناك حلول تحتاج وقتا طويلا وتمويلا مثل تطوير التعليم، لكن هناك حلولا عاجلة للتقليل من حدة هذه المشكلة وفى مقدمتها التدريب المستمر وإعادة التأهيل.
مصر كانت دائما البلد المنتج للكفاءات والمواهب وحينما غزاها العثمانيون عام ١٥١٧ أجبروا صناعها المهرة على الهجرة لتركيا للحصول على خبراتهم.
والخبرات الحرفية ومنهم اللحامون مثلا قصة أخرى محزنة حيث صرنا نستوردهم من الخارج أحيانا، وندفع لهم بالدولار وهو موضوع يحتاج لنقاش لاحق إن شاء الله.
هذه الخبرات المصرية المتميزة كانت العامل الحاسم فى نهضة العديد من البلدان العربية خصوصا الخليجية فى بدايات استقلالها وحتى وقت قريب. نحتاج لحل المشكلة لأن العناصر البشرية هى أفضل وأثمن وأهم ما نملك.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي